نشر بتاريخ: 26/06/2023 ( آخر تحديث: 26/06/2023 الساعة: 16:18 )
كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن الهجوم المضاد الاوكراني ضد القوات الروسية في اقليم الدونباس الذي تم الاعداد له بعناية وبتشجيع ودعم كامل من الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو ، وعلى الرغم من الغموض الذي احاط بتنفيذ هذا الهجوم الا أن التسريبات الاستخبارية والاعلامية تقول انه بدأ في الثامن من حزيران الحالي دون الاعلان عنه ، تبين فيما بعد أن سبب الغموض يعود لعدم تحقيق هذا الهجوم مبتغاه من الاهداف التي وضعت لها. وهذا تفسير لما قاله سيرهي كوزان، الشريك المؤسس ورئيس مركز التعاون والأمن الأوكراني ، لبي بي سي: "نشهد الآن ما يسمى بـ" مرحلة الاستطلاع القتالي "على طول الجبهة".
كما جاء في صحيفة وول ستريت جورنال في ١٧ حزيران الجاري "أن القوات الاوكرانية أوقفت في الغالب تقدمها في الأيام الاخيرة بهدف إعادة فحص التكتيكات الحربية"، ويعود ذلك لتنبه القوات الروسية وتوقعها لمثل هذا الهجوم وأخذها كامل الحيطة والحذر والتدابير الاحترازية بما فيه تعزيز المواقع الدفاعية، وهذا مفهوم من الناحية العسكرية، لكن من غير المفهوم ان تحجم القوات الاوكرانية عن الهجوم في ميدان القتال وقد جاءت اللقمة عند الفم كما يقال بالعامية حين انسحبت قوات فاغنر من ارض المعركة واحدثت فراغا واتجهت نحو الداخل الروسي وسيطرت على اقليم روستوف ومقاطعة فورونيج وسيطر قائدها يفجيني بريغوجين وأتباعه على مركز قيادة المنطقة الجنوبية، وسيطروا على المنشآت العسكرية في روستوف، بما فيها المطار العسكري.
وتوجهوا نحو موسكو واصبحوا على بعد مائتي كيلومتر من العاصمة، ما أدى الى استنفار واستنزاف الجيش الروسي باذرعه الثلاث برا وبحرا وجوا وانشغلت القيادة الروسية ووزارة الدفاع وهيئة الاركان بمعالجة التمرد المسلح، واصاب الشعب الروسي كله حالة من القلق على مصير البلاد، وتعطلت بعض الطرق الرئيسية ، وتم إغلاق الطريق السريع "إم 4" الذي يربط موسكو بالمقاطعات الجنوبية على مسافة 400 كيلومتر جنوب العاصمة. انعكس كل ذلك سلبا على القوات الروسية المقاتلة على الجبهة الاوكرانية وهي اكثر المتضررين في حال لو وقع الصدام الداخلي حيث ستتوقف امداداتها اللوجستية وتزويد الذخائر والمواد التموينية وفقدانها لاسلحة الاسناد من طائرات حربية وهليكوبترات ومسيرات ومدفعية وصواريخ بعيدة المدى اضافة الى التأثير النفسي والمعنوي الذي خلفه اخلاء هذه القوات لمواقعها القتالية. وهذا الارباك الروسي استمر ٣٦ ساعة ، ولم تحرك القوات الاوكرانية ساكنا رغم تهيأ الظروف المؤاتية لاستئناف الهجوم المضاد ، وبدلا من انتهاز الفرصة ورفع التوصيات الميدانية للجيش باستثمارها وتحريك القوات وأخذ زمام المبادرة وتغيير المشهد في ساحة المعركة اقتصر دور الاستخبارات العسكرية الأوكرانية على التوصيف بأن ما يجري في روسيا نتيجة صراع على السلطة وللحرب على أوكرانيا.
مرور ٣٦ ساعة دون تحرك يعكس عدم جاهزية الجيش الاوكراني لاستئناف الهجوم المضاد حاضرا وفي المستقبل القريب ويدل على حجم الاحباط المعنوي عند الجيش الاوكراني وهو سبب اضاعتهم للفرصة . وهذا ما كان قد صرح فيه الجنرال الامريكي المتقاعد باري ماكافري لقناة MSNBC الامريكية في ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢ أن اوكرانيا لن تكون قادرة على تحقيق الانتصار وهي تقف في موقف دفاع. ومثله صرح الجنرال الامريكي المتقاعد مارك هيرتلنغ ل CNN في ١٠ حزيران ٢٠٢٣ وقال لن نرى فوز اوكرانيا بالحرب في عام ٢٠٢٣.
ولم يقتصر الضعف وقلة الحيلة علىء الاوكرانيين وحدهم فقد تكشفت معهم ايضا الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو الذين ارتبكوا اكثر من الروس واقتصرت اجراءاتهم على مراقبة الوضع عن كثب ومتابعة ما يقال عبر وسائل الاعلام الروسية وتحويره ليخدم مصالحهم، وادامة الاتصال والتواصل والتشاور فيما بينهم دون اي اجراء. وأهم ما قامت به اجهزتهم الامنية والاستخبارية ان اعترفت بانها استشعرت بان قوات فاجنر تعد للتمرد.
رئيس لجنة الشؤون الدفاعية في مجلس العموم البريطاني وهو الوحيد الذي قال إن ما يجري فرصة كبيرة لأوكرانيا لاستغلال ما وصفها بحالة التمرد والفوضى في روسيا.
ومن المتعارف عليه أن اقتناص الفرص استراتيجية الناجحين .
"ويقول المثل : "الفرصة التي تفوتك لا تعوض، ولا تأتي الفرصة مرتين".
خلاصة القول أن هذه اللا مواقف عبارة عن معلومات استخبارية ذات قيمة كبيرة للمؤسسة العسكرية الروسية، وستبني عليها خططها العسكرية القادمة.