|
العيد في السجن.. غاب الأسرى وحضرت ذكرياتهم
نشر بتاريخ: 30/06/2023 ( آخر تحديث: 30/06/2023 الساعة: 14:30 )
قضيت أعياداً كثيرة بين جدران السجون، وعشرات الأعياد الأخرى وأنا ابنٌ أو أخٌ لأسير يقبع بعيداً في ظلمة سجون الاحتلال. وفترة العيد تختلف من سجن إلى آخر، ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. وفي العيد يتجدد الألم، فيغيب الأسرى وتحضر ذكرياتهم، ونجتهد لوصف الألم، ورسم صورة قلمية للواقع الأليم الذي يعيشه أسرانا وذويهم في العيد. فتجدنا نعتمد، تارة، على ما تحفظه الذاكرة من مشاهد وذكريات، وتارة أخرى نستند إلى ما يصلنا حديثاً من خلف القضبان عبر رسائلهم المهربة، أو لما يُنقله إلينا المحامون وما نستمع إليه من حكايات يرويها لنا ذوو الأسرى. فالاحتفالات بالأعياد تحمل مذاقاً مختلفاً لدى الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، حيث مشاعر الفرح والسعادة تكون دائماً ممزوجة بالألم والحزن، ولا يحسّ بها سوى من ذاق مرارة الاعتقال وتأثيراته، ولا أظن أن أحداً من الفلسطينيين قد مرّ بالتجربة، ونسى كيف ينقضي العيد في السجن، أو في ظل وجود حبيب وراء القضبان، فالذاكرة الفردية لا زالت تحتفظ الكثير مما ألمّ بنا من وجع ومرارة!. يعيش الأسرى داخل السجون المحاطة بالجدار الشاهقة وداخل الغرف المغلقة ظروفاً صعبة، ويُعاملون بقسوة ولا إنسانية. والعيد في السجون مناسبة إسلامية سعيدة، لكنها ثقيلة ومؤلمة، وتمر ساعاتها المعدودة وأيامها المحدودة ببطء شديد، والحياة والمشاعر فيها مختلفة، فيضطر الأسرى لإحياء المناسبة بطقوس خاصة، حيث صناعة الحلوى وفقاً للإمكانيات المتاحة، والاستيقاظ المبكر صبيحة العيد، والاستحمام وارتداء أجمل الملابس، والخروج إلى الفورة (الساحة) لأداء صلاة العيد، ومن ثم يصطفون بشكل دائري في الفورة، ويصافحون بعضهم البعض، ويتبادلون التهاني، ويوزعون كعك وحلوى صنعتها أيديهم، وما هو متوفر لديهم وما تمكنوا من شرائه من مقصف السجن من الشوكولاتة والتمر، كما وتُلقى الكلمات وعبارات التهنئة والخطب القصيرة. والعيد مناسبة لا تقل ألماً بالنسبة لذوي الأسرى وأفراد أسرهم، حيث تعيش العائلات لحظات من الألم والوجع بسبب غياب الأحبة، وهو ما يجعل العائلة تفقد مشاعر الفرح جراء سجنهم، فتضطر لاستحضار ذكرياتهم، ويدفع الأفراد للمطالبة بأن يُسمح لهم بالتوافد إلى بوابات السجون للزيارة ولقاء الأحبة ولو لدقائق معدودة. خاصة وأن الزيارات غير منتظمة، وآلاف من الأهالي ممنوعين من الزيارة تحت ذرائع وحجج مختلفة. وتذكروا أيضا أن من بين الأسرى يوجد نحو (430) أسيراً معتقلين منذ ما يزيد عن 20عاماً في سجون الاحتلال على التوالي، وهذا الرقم مرشح دوماً للارتفاع، أقدمهم الأسير محمد الطوس "ابا شادي" المعتقل منذ عام 1985. بالإضافة إلى عشرات آخرين كانوا تحرروا في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) عام2011، وأعيد اعتقالهم عام 2014، وأبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى أكثر من 42 سنة على فترتين ولا يزال في السحن؛ وهؤلاء قضوا في السجن عشرات الأعياد، ما بين فطر وأضحى. |