وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شخص مهم للغاية

نشر بتاريخ: 04/07/2023 ( آخر تحديث: 04/07/2023 الساعة: 23:22 )
شخص مهم للغاية

تصنف الحركة الصهيونية الفلسطينيين منذ بداياتها الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وفقا لسلوكهم تجاه مخططها التوسعي الإحلالي، إذ وصفت من شارك في ثورة البراق عام 1929 بالإرهابيين، وقادة ثورة عام 1936 بالمتمردين، فيما وصفت كل من تاَمر على شعبه وأمته من خلال بيع الأراضي للحركة الصهيونية، أو كسر إضراب عام 1936، وتهاون في مقاطعة الحركة الصهيونية بالأصدقاء، والمتعاونين، ومن ثم تركتهم لمصيرهم وعارهم بعد النكبة، إذ هدم الإحتلال بيوتهم، وشردهم، وطردهم من بيوتهم مع مئات الاَلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني، دون أن تغفر لهم خيانتهم، أو تمنحهم طوق نجاة، بل أن العديد من المؤرخين الإسرائيليين قد وثقوا خيانتهم بالإسم من خلال مجموعة من المؤلفات والأبحاث المنشورة بعدة لغات بما فيها العربية ليلحق بهم العار أبد الدهر بما في ذلك كتاب العرب الطيبون وجنود الظلال لهيليل كوهن، وغيرها من المؤلفات.

نجحت الحركة الصهيونية وسقط قادة فلسطينيون ما بعد أوسلو في فخ تصنيف الإحتلال الاسرائيلي لشعبنا وفقا لمعاييره الأمنية، عبر منح بطاقات كبار المسؤولين " VIP " very important person” “لقيادات في النظام السياسي الناشىء وغيرهم، ومن ثم استحداث بطاقة رجال الأعمال " BMC " Business Man card” “، والتي تستثنيهم من قائمة واسعة من الممنوعات والاسوار والقيود التي فرضها الاحتلال على أبناء شعبنا، من بينها دخول الأراضي المحتلة عام 1948، والسفر عير مطار اللد، وتسهيل معاملاتهم التجارية، وإن كان سلوكه أكثر انضباطا فإنه يستطيع التنقل بسيارته الخاصة الى فلسطين المحتلة عام 1948, فيما يضطر الملايين من أبناء شعبنا للاصطفاف لساعات طويلة تحت لهيب الشمس، أو برد الشتاء على الحواجز العسكرية الاسرائيلية، لممارسة حقهم بالصلاة في المسجد الأقصى، أو التوجه للعمل في الداخل المحتل، فيما هناك من يموتون لأن الاحتلال يمنعهم من حقهم الانساني بالعلاج، نظرا لسلوكهم المصنف "بغير المنضبط" وفقا لمعاييره العنصرية، فيما يستشهد البعض مقيدا بالسلاسل عقابا على نضاله ضد الاحتلال، كما حدث مع الشهيد ناصر أبو احميد، وما يتعرض له الأسير وليد دقة، كما أن من يحظى باقتناء تلك البطاقة السحرية يمتلك امتيازا إضافيا وهو امكانية اختيار مواطنين لإضافتهم لبطاقته تحت مسمى مرافق ، بشرط أن يخلو ملفه الأمني من أي شبهة نضالية أو"تحريضية" على الإحتلال، وامتناعه عن القيام بأي أعمال نضالية، حتى لو كانت عمل إعجاب لصورة شهيد أو أسير، أو التعليق على عبارة يصنفها الاحتلال بالتحريضية وفقا لمعاييره عبر منصات الاعلام الاجتماعي.

ما من مبرر للقبول بهذا التمايز الذي يفرضه الاحتلال، والمتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني، ووثيقة إعلان الإستقلال، وجميع المواثيق الدولية والأخلاقية والدينية ذات العلاقة، التي تؤكد على المساواة بين المواطنين، وتجريم أي تمييز بينهم لأي سبب كان، ولا سيما في ظل الاحتلال، وبنية النظام السياسي الفلسطيني الذي تستمد فيه رموزه شرعيتها من إرثها النضالي، في ظل غياب الانتحابات والشرعيات الديمقراطية، فتلك الامتيازات لا تليق بالمناضلين، ولا يجب أن يقبلوا بها تحت أي مبرر كان، بل إنها تمس بصورة من يرتضونها، وتضعف من شرعيتهم أمام شعبهم، فأي مبرر يتيح لموظف بدرجة وزير يتلقى راتبه من الضرائب التي يدفعها المواطن، أو من المساعدات الدولية، أن يمر بسيارته عبر أحد الحواجز العسكرية متجاوزا الآلاف من المواطنين، وأي عدالة أن يقبل عضو لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأصل به أن يمثل شعبه ويعكس معاناته بالسفر عبر مطار اللد، بينما يعاني ملايين المواطنين من الإذلال خلال تنقلهم عبر المعابر التي يفرضها الاحتلال على شعبنا، وتجعل من تنقله كابوسا لملايين المواطنين، وما هي النقيصة لو قام كبار المسؤولين وعائلاتهم بالسفر كما يفعل باقي المواطنين، أليست تلك أبلغ من كل الرسائل الإنشائية، والعبارات الرنانة، والشعارات العريضة، أليست تلك رسالة للعالم أجمع أننا لا زلنا تحت الإحتلال، وأن سيفه مسلط على رقابنا جميعا، أليس ذلك التزاما عمليا بأخلاق المناضلين، وبالحفاظ على إرث الثورة، وسيرة أبنائها، لا سيما أن العديد ممن يحظون بتلك الإمتيازات هم من المناضلين الذين دفعوا سنين حياتهم في سجون الإحتلال، ومن أبناء الطبقة العاملة والأحياء الفقيرة، وبعضهم ممن تشبثوا بركب النظام السياسي الجديد بعد اوسلو، أو بعد انقلاب حركة حماس في قطاع غزة، من الانتهازيين والفاسدين والعابرين على الثورة والمقاومة، ممن يسيئون اليوم للنظام السياسي، ويمتطونه لتعظيم مصالحهم الفردية، وفرض أبنائهم الفاشلين في مواقع متقدمة، ولحركة فتح التي تشكل عموده الفقري، وصوت البسطاء، وضميرهم الجمعي، ولمنظمة التحرير الفلسطينية ورمزيتها السياسية الجامعة لشعبنا، والتي يتعرض دورها للذوبان والتلاشي ما لم يتم اصلاحها وفقا لأسس وطنية جامعة.

هذا ينطبق أيضا على قادة الإنقلاب في قطاع غزة، من قادة حماس، الذين غادروا القطاع بمآسيه ومصائبه وقرروا تغطية رأسهم بالرمال في قطر أو تركيا أو سوريا أو ماليزيا أو غيرها من الدول، فإن كانت غزة محررة من الإحتلال، فهل من المعقول أن نترك بلدا حررناها، لنعيش في بلد أخرى، وإن كانت تلك الانتصارات، فكيف تكون الهزائم، وكم كان محزنا صورة قادة حماس وهم يقيمون الصلاة ببدلاتهم الباذخة، وخلفهم أبراجا تصل الغيم في علوها، في الدوحة على شاطىء البحر الهادىء، فيما يغرق أطفال وشباب ونساء بعمر الورد في البحر المتوسط بعد أن ضاقت بهم السبل ولم يجدوا سوى زوارق الموت ملجئا بعد الله، لتأكلهم الأسماك أو تطفوا جثثهم على أحد شواطىء المتوسط .

هناك مثل انجليزي يقول " الناس جميعا متساوون، إلا أن هناك بعض الناس متساوون أكثر من الآخرين " هذا المثل ينطبق على حالتنا الفلسطينية في الوضع الراهن، إذ يهجر اليوم أحفاد وأبناء مواطني لواء حيفا من أهلنا في مخيم جنين، والذين هجروا بالقوة العسكرية المفرطة عام 1948، فيما يعجز البعض عن مساندتهم ولو بالدعاء، خوفا على بطاقته السحرية ، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع شعب يتوق نحو الحرية والاستقلال .

ختاما، أقترح أن يقوم القانونيون في فلسطين بدراسة إمكانية التوجه للمحاكم الفلسطينية، ورفع قضايا ضد شرعية تلك البطاقات، كونها تتعارض مع مبدأ المساواة ، والمواطنة، بشرط أن تنظر القضية أمام من لا يحمل تلك البطاقة، التي قسمت المقسم، وأضعفت الضعيف، وزادت الطين بله .

* محاضر بقسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية