نشر بتاريخ: 06/07/2023 ( آخر تحديث: 06/07/2023 الساعة: 20:36 )
أنا إسمي ( جنين ) من مدينة جنين وتحديداً من مخيم جنين البطل في فلسطين ولدت في عام 2002 بعد شهر من استشهاد والدي حرب أبو صاروخ أحد شهداء المخيم الذي ارتقى في المعارك الشرسة آنذاك إلى جانب الشهيد أبو جندل .
وعلى ذكر الشهداء الأبرار فالشهيد ( جهاد حرب أبو صاروخ ) شقيقي الذي استشهد في عملية خاصة لقوات النخبة الإسرائيلية قبل سنتين ، وشقيقي الأكبر ( كفاح ) أسير لدى الاحتلال منذ 2016 ومحكوم عليه مؤبد وعشر سنوات ، أما شقيقتي ( يافا ) فهي إحدى أعضاء اللجان النسوية الناشطة وهي خطيبة ( ثائر ) ابن خالي - الشهيد أبو ناصر - المطارد من خمسة سنوات ولغاية الآن مرتبطين مع وقف التنفيذ ، تقول لي يافا يا جنين العهد بيني وبين ثائر أن نبقى على قيد فلسطين و المحبة طول العمر ، ومهري هو الحفاظ على المخيم وبقائه ، أما والدتي الصابرة والصنديدة فهي زوجة شهيد وأم لشهيد ومطارد وشقيقة شهيد ، وكل صباح ومساء تلقى التحية وتقرأ الفاتحة على صورهم المعلقة على جدار غرفة الضيوف .
أطل أحياناً من نافذة منزلنا المبني من الطوب والمسقوف بألواح الزينكو ، تلك النافذة هي عين الحقيقة أرى من خلالها أغلب بيوت المخيم , هذه المنازل التي كانت مصانع لماركة مسجلة عندنا وهي الرجولة وأولئك الرجال ورثة رجال جاؤوا لاجئين بعد طردهم من بيوتهم المزروعة هنالك قبالة سواحل البحر المتوسط وكانوا مؤمنين بحتمية الرجوع لذلك , كتبوا على بوابة المخيم : ( محطة مؤقتة لحين العودة ) .
أرى كل تلك البطولات الأسطورية التي حققها وما زال يحققها ثلة من أشاوس لا يخافون إلا الله ، والله لا يخافون لا الموت ولا الحياة ، اسأل نفسي أحيانا ماهو ميزان القوى بين المخيم وشبابه وبين جيش وآلته العملاقة ، فيجيبني مخطوط مكتوب على جدار جارتنا (أم عائد) ويقول " لن نركع لو بقي فينا طفل يرضع " ، هنا أستطيع قراءة هذه المعادلة غير المتساوية منطقياً ولكن كفة الكرامة والقسم والعهد والشجاعة لها الغلبة كما هو دائماً ، والظفر المؤكد دوماً هو ما يستحقه أولئك الذين يشتبكون حاملين أرواحهم على أكفهم ، يصدون بصدورهم , وحناجرهم تصدح لن تمروا لن تتقدموا .
في الأيام الاخيرة للهجوم العنيف والاجتياح الشرس لمخيمنا كنت مؤمنة كما العادة أن هذا المخيم وأهله وجدوا لينتصروا , وأن أزقته الضيّقة لا تتسع إلّا لنا نحن الذين سطرنا ملاحم لن تكون إلا مقدمة لنصر عظيم قادم .
قصفوا المخيم وكأنهم يدكّون مدينة كبيرة جداً وما أصوات الانفجارات وأزيز الرصاص إلا أنغام لاحتفال الحرية الذي يزيدنا فخراً وعزاً وجلداً وصبراً واصرارا ، أما القنابل التي ترتطم بجدار التحدي والتجذّر والتمسك بالأرض فإنها تنير سماء المخيم الذي يوصي ساكنيه بالثبات والتماسك .
تلك النيران المفتوحة علينا كأنها حمم ولكنها تسقط برداً وسلاماً ولا نهون أو نستكين ، هكذا قياساتنا ، نستنهض العزم فينا ونحول الموت إلى حياة ولا نتراجع عن معتقداتنا أننا نواجه كل ذلك نيابة عن الأمة .
أنا جنين يا أبي ، أنا الشاهدة يا أخي ، أنا الاسم الذي أعطيتموني إياه كي أجوب به كل الأمكنة ، كي أحمله وأحفظه ، كي أغنيه في ليالي الهجوم للفدائيين الممسكين ببنادقهم ، وكي أردده للأمهات رابطات الجأش الصابرات ، كي أزرعه في كل حقل لكي ينبت ألفاً في كل يوم ، أنا جنين التي أرتدي الكوفية ولدت كي انتصر .