مخيم جنين ملحمة البطولة المستمرة
نشر بتاريخ: 07/07/2023 ( آخر تحديث: 07/07/2023 الساعة: 17:41 )
أحمد غنيم
كاتب فلسطيني
يعيش بعض الفلسطينين في زمن المد بينما دخل بعض نخبهم القيادية وبعض من النخب السياسية للأمة زمن الجزر. لهذا يُستهدف مخيم جنين وقصبة نابلس في بلدتها القديمة. لأن شعبنا وأبطاله هناك رفضوا دخول زمن الجزر. واجترحوا معجزاتهم الخاصة في النهوض من تحت الركام مرة تلو مرة. مثل عنقاء الوعدِّ التي حولت الأسطورة الى حقيقة. وإلى روح من لحم ودم تتجسد وتسير بين الناس. خلافاً لكل الأساطير التي سجلتها ملاحم التاريخ. فكلُّ الأساطير تسقط لحظة يختبرها الواقع. إلا اسطورة مخيم جنين اختبرها الواقع مرة تلو أخرى، لكنها لم تسقط. بل واجهت في كل مرة أعتى قوة عسكرية في المنطقة واحدة من أقوى وأكبر القوى تسليحاً في العالم. صَمدَ المُخيم على نصف كيلو متر مربع، وخرج منتصرا رغم الدمار وضخامة التضحيات. لم يهن ولم يخضع لا شعبه ولا أبطاله من كتيبة جنين ولا من عرين الأسود في قصبة نابلس ولا من الصقور المنفردة في سماء فلسطين كلها، الذين تتبعت أقدامهم الطائرات المروحية والمسيرة في كل زقاق وشارع، معتقدة أنها ستتمكن من كي وعي هذا الجيل الناهض. الذي بات يشكل رأس حربة متقدم للأمة باسرها. وقد لا أبالغ حين أقول إن كتيبة جنين وعرين الأسود في مخيم جنين وقصبة نابلس وقوى المقاومة الفلسطينية وشعبنا على أرض فلسطين ينهض اليوم بمهمة تاريخية تتعلق بمصير القضية الفلسطينية. وربما مصير الأمة المستهدفة في أوطانها وشعوبها ومقدراتها، بعد سنوات قاسية من الحروب الداخلية عربياً، ومن مطاردة وهم الحل السياسي والانقسام فلسطينياً. ليعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها الحقيقي في مسيرة التاريخ نحو دحر الاحتلال ولحركتها الوطنية كحركة تحرر وطني، هي النقيض الموضوعي للحركة الصهيونية وروايتها المزيفة. لا شك أن تعقيدات السعي لاستعادة المشروع الوطني الفلسطيني ومنطلقاتهِ التاريخية ومقومات ثورته الوطنية تواجه تحديات كثيرة، في مقدمتها الخروج من تحت ظلال اتفاق اوسلو الذي داسته دبابات الاحتلال وبات واضحا ان حلم تحويله الى دولة بات وهمٌ فاضح، رفع عنه أستار الخداع رئيس وزراء دولة العدو نتنياهو عندما أعلن أن مهمة حكومته هي اقتلاع مفهوم الدولة الفلسطينية من ذهن الفلسطينين. وأمام خطة الحسم التي تتبناها حكومة الاحتلال وهي خطة تصفية القضية الفلسطينية بشكل تام.
إن أحداث الأسبوع الماضي وحصار واقتحام مخيم جنين والظروف التي واجهت وفد اللجنة المركزية لحركة فتح أثناء جنازة الشهداء. تُظهر بشكل عميق حجم التحدي الذي يواجه الحركة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح بشكل خاص. لم يكن الموقف متعلق بالأشخاص الذين تعرضوا لحدث غير لائق عفوي كان أو غير ذلك. غير انه كان في حضن جمهور مكلوم غاضب مجروح. شعر أنه بقي وحيدا في مواجهة آلة حرب الاحتلال، بل كان الموقف مرتبطا بالانطباع غير القابل للتشكيك والمتعلق بموقف الشعب الفلسطيني من موضوعة العلاقة مع الاحتلال وهبوط شعبية السلطة الفلسطينية في صفوف الشعب وهذا تؤكده كل استطلاعات الرأي العام ولا يختلف عليه وعلى أسبابه أحد، .لكن تلك الحادثة أبرزت حالة الفرز القائمة والمسكوت عنها في المشهد الفلسطيني، والمتمثله في التباين الكبير بين موقفين، إن لم يعمل الفلسطينيون بحكمة ووعي على جسر الفجوة بينهما سوف ينزلقوا الى هاوية خطرة بدفع من سياسة الاستقطاب الحاد بينهما واستغلال وتوظيف من دولة العدو لذلك الاختلاف والتباين .
ومن أجل أن تتخطى الحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هذه المرحلةالعصيبة، على نخب الحركة الوطنية وحركتي حماس وفتح بشكل خاص عمل كل ما يلزم حتى يعبر الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية مرحلة الفرز هذه بأقل قدر من الخسائر أملا وعملاً لاستعادة وحدة الشعب ووحدة نظامه السياسي وقواه وفصائله الوطنية. وإلا تكون الثورة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح قد أطاحت بعهدها وبوعدها التي قدمت على طريقه تضحيات عظيمة. إن اهم شروط عبور هذه المرحلة هو إدراك القيادة الفلسطينية عاجلا وقبل فوات الأوان. أن الالتزامات السياسية لاتفاق أسلو وصيغة العدو الشريك لم تعد مقبولة على أحد من شعبنا. وبات واضحا أن العلاقة السياسية والأمنية مع دولة الاحتلال مهما كانت مبرراتها لم تعد مقبولة على شعبنا وليس عليها أي إجماع حتى في داخل حركة فتح وداخل السلطة الفلسطينية نفسها وفي أجهزتها الامنية. وإلا كيف نُفسر أن عدد كبير من الشهداء وممن نفذوا العمليات ضد دولة الاحتلال هم من حركة فتح ومن أعضاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية نفسها. دون اجحاف بحق كل الفصائل والقوى وأبناء شعبنا الذين قدموا وما زالوا يقدموا الشهداء كل يوم. إن حالة الفصام السياسي التي تعيشها النخب السياسية آن لها أن تنتهي وإلا فإن الزمن سوف يتخطى تلك النخب وسوف تفرض صيرورة الواقع نفسها. وسوف يتخطى التغير كل أولئك الذين لا يريدون الاعتراف بالحقيقة كما هي، ويصرون على رؤيتهم وتبريرهم لكل حدث بعين الاتهام للآخر الوطني وللأخر الذي يختلف سياسيا.