وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"متلازمة حرب تموز".. كيف عززت واقع المرض النفسي في "الجيش" الإسرائيلي؟

نشر بتاريخ: 11/07/2023 ( آخر تحديث: 12/07/2023 الساعة: 09:47 )
"متلازمة حرب تموز".. كيف عززت واقع المرض النفسي في "الجيش" الإسرائيلي؟

تل ابيب- معا- انتشرت الأمراض النفسية داخل "الجيش" الإسرائيلي، خاصّة بعد حرب تموز التي خاضها حزب الله في العام 2006، هذه الأزمات النفسية دفعت عدداً من جنود الاحتلال نحو الانتحار مُتخيلين أنّ "شبح عناصر الحزب قادم إليهم".

"أنا لا أنام في الليل. وأخاف أن أنام خلال طريقي إلى العمل، وأحلم بكابوسٍ فأصرخ ويراني الركاب". بهذه الكلمات عبّر أحد الجنود الإسرائيليين، الخارجين من حرب تموز 2006، عن مشكلاته النفسية، وذلك في تحقيقٍ نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

الصحيفة قالت إنّ أكثر من 400 جندي احتياط إسرائيلي، توجّهوا إلى وزارة الدفاع طالبين العلاج، بينهم 250 جندياً شُخّصوا بأنّهم يُعانون حالات "اضطراب ما بعد الصدمة".

ويُعبّر جنود الاحتياط الإسرائيليون عن الصدمة في أعقاب فقدانهم الثقة بقيادة "الجيش"، بعد التخبّط أثناء الدخول إلى لبنان، والتعاطي مع "الأجواء الصعبة" عند العودة إلى الأراضي المحتلة، وخلال العدوان نفسه.

بعد انتهاء حرب تموز 2006، سجّل الاحتلال انتحار 58 جندياً إسرائيلياً، لذلك، أنشأت "إسرائيل" سراً، قرية خاصّة لمعالجة جنودها أطلقت عليها اسم "ايزون" وتعني التوازن، تُسجّل في هذه القرية نحو 900 جندي ممن شاركوا في الحرب.

ووفق الحالات التي وصلت إلى القرية العلاجية "ايزون"، فإنّ هناك العشرات ممن حاولوا الانتحار، ولا سيما بعد حرب تموز، وخصوصاً من جنود الاحتياط.

"الجيش" الإسرائيلي، أخفى الأرقام الحقيقية لعدد جنوده الذين يُعانون من حالاتٍ نفسية صعبة، كونها تُعد من الأسرار العسكرية، ولكن، كان هناك العديد من الحالات التي انتحرت أو التي تحدّثت للإعلام عن اضطراباتها النفسية بعد الحرب.

حرب تموز و"اضطرابات ما بعد الصدمة"

وفي دراسةٍ أجراها باحثون من معهد "ماتيف"، المركز الإسرائيلي للصدمات النفسية، شملت 1053 جندياً إسرائيلياً، تبيّن أنّ الجنود المقاتلين، وغير المقاتلين، يُعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أثناء خدمتهم العسكرية وبعدها.

واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، هو نوع من اضطرابات الهلع (القلق) الناتجة من تجربة صادمة نفسياً حدثت لمرةٍ واحدة، وكذلك يُعاني الجندي خلال هذه الحالة أيضاً، من أعراض جسدية مثل الضعف، الغثيان، والتبوّل اللاإرادي خلال الليل، لكن هناك في الواقع حواجز تمنع الجنود من تلقي العلاج الذي يحتاجون إليه، وأحد العوائق هو الشعور بوصمة العار، وفق الدراسة.

وخلال الحروب المختلفة التي خاضها الاحتلال سواء ضد لبنان أو قطاع غزّة، فإنّ نسبة المُصابين باضطراب ما بعد الصدمة تصل إلى 30%، وتدفع بعضهم إلى الانتحار، وذلك ما حصل مع الجندي إسحاق تشين الذي طعن نفسه 20 طعنة، وهو يصرخ "أغلقوا النوافذ.. حزب الله يتنصّت علينا".

مع العلم أنّ هذه الاضطرابات التي تنتشر بين جنود الاحتلال تؤدي إلى تهشيم صورة الجندي الإسرائيلي، وكذلك، تعزز حالة القلق والخوف عند جنود آخرين.

لماذا تزايدت أعداد طالبي الإعفاء من الخدمة بعد حرب تموز؟

ليست الأمراض النفسية هي الثغرات الوحيدة التي عانى منها جنود الاحتلال بعد حرب تموز، بل يُعاني "الجيش" من ظاهرة الإعفاءات من الخدمة العسكرية، بسبب الاضطرابات النفسية التي واجهها الجنود.

هذه ليست المرة الأولى التي تعبّر فيها قيادة الجيش عن قلقها من ظاهرة الإعفاء من الخدمة العسكرية. وكانت الذروة بعد حرب تموز 2006.

ففي حينها، كُشف عن حالاتٍ كثيرة لجنود يُعانون مشكلات نفسية بسبب الحرب وآخرين قدّموا تقارير طبية يُطالبون فيها بإعفائهم من الخدمة بسببها.

ولا يعدّ رفض الخدمة في "الجيش" أو التهرّب ظاهرة جديدة، فقد ارتفعت نسبة من لا يخدمون في الأعوام الـ40 الفائتة بشكلٍ مُتسارع، وفيما بلغت عام 1980 قرابة 12%، فقد ارتفعت إلى 32% في 2020.

واعترف قياديون في "الجيش" أنّهم يُواجهون صعوبةً في تفسير هذا الارتفاع، غير المتوقع، فيما قال ضبّاط يعملون في أقسام القوى البشرية في "الجيش"، إنّ قلقهم يكمن في أنّ قسماً كبيراً من هذه الحالات يحصل على الإعفاء بسهولة بالغة وحتى من دون وثيقة طبية، الأمر الذي أثار نقاشاً حول حقيقة دوافع التملّص من الخدمة.

وأيضاً، برز في النقاش، التهرّب على خلفية الخوف من تصعيدٍ أمني يُلزمهم المشاركة في حرب، بحسب ما يعلن المسؤولون، ستكون قاسية وتختلف بنوعيتها وأبعادها عن الحروب السابقة.

"الجيش" الإسرائيلي ورغم التفوّق التسليحي، يفتقر إلى الدافعية القتالية التي تُعدّ إحدى أبرز الثغرات في "الجيش"، وهذا ما أكّده خبراء عسكريون إسرائيليون، حين قالوا إنّ "المشكلة التي يُواجهها "الجيش" تكمن في عدم جاهزيته للمعركة القادمة، وليس مردّها إلى نقصٍ في المعدّات أو شُحٍ في الإمكانيات، وإنما في عدم وجود الحافزية عند الجنود والضباط لخوض القتال".

المصدر: الميادين