عندما يختار الاحتلال الجنون طريقا للخلاص
نشر بتاريخ: 14/07/2023 ( آخر تحديث: 14/07/2023 الساعة: 13:23 )
ترى ماذا يعني أن يجتمع مسؤول "أمن داخلي إسرائيلي: بمسؤول أممي؟
يقول الخبر: رئيس الشاباك رونين بار يجتمع بمسؤولين في الأمم المتحدة لتبرير عمليات الاحتلال شمالي الضفة، مبررا تصعيد الاحتلال الإسرائيلي لعملياته زاعما "ضعف السلطة الفلسطينية وفقدانها السيطرة، ما يحتم على الجيش الإسرائيلي التحرك بقوة أكبر، محذرا من "انهيار السلطة الفلسطينية.
مهزلة فعلا، تنظيم هكذا لقاء (أمني-أممي)، ولا ندري كيف تقبل الأمم المتحدة عقد هكذا اجتماع، ألم يكن وفقا للسياسة الدولية، جعله اجتماعا سياسيا؟
عقدة الأمن، لدولة لا تعترف باحتلالها، فكيف يمكن عمل اختراق سياسي هنا؟ أليست هكذا عقلية هي من تحرّض المستوطنين؟ ألا يثير ذلك غضب الفلسطينيين؟
المعنى واضح: الاحتلال يختار غير العقلانية وغير الحكمة.
لم يكن اختياره جديدا، بل قديما..
فما الذي يقابل هذا الجنون؟ فعل لا ينتهي، ورد فعل لا ينتهي، والتاريخ دليل على نفوس الأفراد والجماعات والشعوب؛ سيصعب استسلام الشعوب الأصلية، فقط بالإبادة يمكن ذلك، فما العمل؟
العمل هو إعمال العقل، فهل سينقذ الإسرائيلي عنوة دولة بعيدة تدعم حكومته؟ من سيضمن له أمنه، أكان هنا في الضفة أو في أي مكان من فلسطين؟ وهل سيطول نومه القلق وقربه سلاح ناريّ؟ وما الذي سيورّثه لأبنائه وبناته غير كل هذا الخوف والقلق والارتباك!
في تأمل الفعل ورد الفعل، ثمة توازن منطقي أخلاقي يدعو لعدم التجاوز، ترى ما ذنب المواطنين الآمنين؟ ما ذنب الشجر!
ليتأمل الإسرائيليون إن أرادوا، وهم الذين يرصدون حياتنا منذ عقود قبل إقامة الدولة حتى الآن، كيف أنه في نزاعاتنا لا تدخل النساء والأطفال والشجر في نطاق الفعل ورد الفعل؛ فلم نشهد متنازعين يسطون على أمن النساء وأطفالهن، لم نشهد حرق أرض، ولا خلع شجر، ولا تخريب جدران استنادية، ولا السطو على الثمار. أما من يفعل ذلك، فقد كان لا يجد من يحميه من احتقار الفلاحين ولومهم الشديد، وإيصاله رسالة ألا أمان له.
تلك أخلاق الكنعانيين، الذين ننتسب لهم جينيا أو ثقافيا؛ فنحن الفلسطينيون نشأت ثقافتنا من الزرع والخصوبة، ومن يمارس مهنة الزراعة، فإن همه وأمله أشجاره، ونحن بهذا المعنى العميق شعب عريق ينشد السلام دوما.
من الحكم الشعبية التي نقدرها، "اللي طلبه كله فاته كله"، هذا ينطبق على الاحتلال الذي يطمع بكل ممتلكات الشعب الفلسطيني، خاصة الأرض في كل انحاء فلسطين. اما في أرض الضفة الغربية فإن ما تفعله إسرائيل فهو أنها تود الاستيلاء على معظم الأراضي، والسيطرة على الفضاء، تاركة الشعب في معازل محصورة، حيث يصعب العيش فيها، فيضطر الفلسطينيون هنا من مناطق ألف وباء وجيم، بالهجرة، لأن وضعها جميعا متشابه، بل ان الانتقال من جيم الى ب او ألف مكلف إنسانيا واجتماعيا وعاطفيا واقتصاديا. لذلك فإن الإصرار الإسرائيل حكومات ومؤسسات استيطان، ستجد نفسها في مأزق أكثر تعقيدا مما حدث عام 1967 إثر سيطرة الاحتلال على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، بوجود شعب كامل فيها.
الآن، المشكلة أكبر وأكثر تعقيدا: شعب ومستوطنون، ففي هذا الوجود المريب، ليس هناك ضمان حقيقي للعيش الكريم والآمن، بل يزداد الأمر سوءا، وبدلا من الحل، فإن الإسرائيليين يزيدون النار اشتعلا، بسبب غياب الحكمة وسوء النفوس.
الخطاب للإسرائيليين:
- إذا كان الحديث في خارطة الطريق، سيقود الى دولتين، فإن ما يفعله الإسرائيليون في الضفة الغربية، يقود الى جعل ذلك مستحيلا.
- في ظل ذلك، فإن إسرائيل ليس في واد التفكير بدولة واحدة للجميع على أسس العدل والكرامة.
إلام يدل ذلك؟
"من طلبه كله فاتو كله"؛ فلا يمكن أن يأخذ أحد طرفي النزاع كل المزايا الإيجابية دون ضريبة.
والآن، لتفكر الدول العربية في مسالة واحدة وهي تفكر بالتطبيع مع إسرائيل:
إذا كانت إسرائيل سيئة التعامل مع الشعب الفلسطيني، الذي هو جزء من القومية العربية، فهل فعلا وصدقا يمكن الاطمئنان لنوايا الإسرائيليين؟
نرجع للمثل الشعبي، إسرائيل تريد فلسطين لقمة سائغة، وتريد سلاما مع الدول العربية التي سيصعب غليها فعلا القبول بظلم فلسطين شعوبا وحكومات.
المعنى انه إذا ضغطت الولايات المتحدة على بعض الدول العربية لتنفيذ التطبيع، فلن يكون ذلك مجديا، بل إن ذلك سيضاعف من هواجس إسرائيل الأمنية.
لا يمكن نجاح تطبيع بالعصا والكرباج!
في يوم الأيام، روى لي المرحوم صبري غريب من بيت إجزا، القرية الجارة لبيت دقو قريتي، انه وهو أمام بيته، اقترب منه مستوطن من "جيفعون حدشا"، وقال له نحن جيران، لنتعامل من منطق الجيران بسلام. فرد عليه الحاج صبري بعبارة ما زلت أتذكرها. قال له: لكن أنت جار بالعصا!
لا يحتاج الأمر المزيد من التوصيف، فهو واضح المعالم، لكن طغيان القوة المتغطرسة والمغرورة ليس حلا. وعليه، فإنني لا أدري ما يقوله لها حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا عن هذا الحال، أم أن الغرب يريد هذا الحال فعلا، والذي يحمل في الأصل كرها لهم لا محبة، وان التحالف قائم على الاستعمار لا على المحبة والاحترام.
الأيام القدمة أبدا لن تكون في مصلحة من يريد أخذ كل الإيجابيات والميزات، فهذا أسلوب غير إنساني وغير عملي أيضا.
للأسف منذ عقود وإسرائيل مصرة على تجنب الحكمة؛ فماذا نحن فاعلون؟
وليس في الأفق وضوح ما يدل على نية إسرائيل بالإصغاء لصوت الحكمة.
أي أنها في مجملها، يمينا ويسار ووسطا قد اختارت الجنون؛ فماذا هي صانعة بفعل الجنون عليها؟
لا أظن ان فعل الجنون غير المتزن ولا الحكيم يمكن أن يحل الأمور، بل ان ذلك يزيد الأمر سوءا.
والآن: لن يكون الشعب الفلسطيني مجنونا بالطبع، بل هو دوما عاقل ومسيطر على أفعاله بشكل عام، وهو فقط ينتظر من يبدأ طريق سلام حقيقيّ.
أما الشعب الإسرائيل، فهو يدرك وصف الواقع، لكن شعب خائف تسهل قيادته الى غير مصلحته، ولا يبدو أن هناك من سيعمل على توعيته، خصوصا أنه في لعبة الانتخابات لم نجد اليوم من يقترح حلولا للتسوية المرضية، فقط يتم التركيز على قضايا المجتمع الإسرائيلي الاقتصادية، بالرغم من أن ما هو أكثر أهمية هو السلام الحقيقي.
تقوم إسرائيل بالقتل، والتدمير، يرد الفلسطينيون، فيزداد فعل البطش غير المنضبط من الدولة ولا من المستوطنون، فيصبح فعل الدولة إرهابا دولة بمعنى الكلمة.
لم يكن الطريق واضحا كما اليوم، والعاقل يختاره، ويكون في وضع نفسي تصالحي لدفع الاستحقاقات للطرف الآخر، وهو مالك الأرض الأصلي.
مسلسل من الدم، المفروض أن تتم مساءلة دولة الاحتلال عليه، فهلا استمعت لصوت العقل وفتحت صفحة جديدة مع الشعب الفلسطيني، تكون كلماتها احترام كرامة شعبنا وحقوقه؟
ذلك هو فعل الحق والخلق، وهو مفتاح سر التغيير هنا.
تبقى الأمم المتحدة والدول الكبرى، والدول الشقيقة، يبقى الكل تحت طائلة المسؤولية، حيث لم يعد تنفع أساليب القوة ولا الدبلوماسية الكاذبة!
[email protected]