|
تل أبيب ليست عاصمة
نشر بتاريخ: 15/07/2023 ( آخر تحديث: 15/07/2023 الساعة: 18:16 )
تل أبيب ليست عاصمة، فمنذ متى تقام العواصم على أرض مسروقة؟ وكيف يصبح للغزاة كيانًا ودولة؟ أعرف أن العالم يعي ذلك، وربما لا حاجة لنسأل عن السبب في ظل عولمة كاذبة، ودول لقيطة أقيمت في العقد الأخير كانت عونًا بل واداة مباشرة للاستعمار كي تسقط عواصم التاريخ من بغداد وبابل إلى دمشق وحلب، بيروت وصنعاء، ولولا أن يقظة الشعب المصري كانت حاضرة، لسقطت القاهرة، غير أنها نجت بأعجوبة في اللحظة الأخيرة. إن العالم العربي اليوم، يرتهن للدول الحديثة التي أقيمت على قاعدة اقتصادية تظهر التطور وتواكب الحداثة، بينما أفقرت عواصم التاريخ، وعمها الكساد والخراب، فبيروت التي تعود بتاريخها إلى أكثر من 5000 عام، نجدها اليوم تعيش واقعًا محطمًا، كما بغداد وصنعاء ودمشق والقدس التي تئن على وقع احتلال لا يزال يسعى لاجتثاث سكانها من خلال عملية تطهير عرقي منظم ومستمر، وتهويد لكل شيء فيها. العواصم الحديثة الطارئة تزدهر في ظل انتكاس وخراب عواصم التاريخ، وعلى غير وعي نجد البعض يتساوق مع هذا السقوط، ونجد البعض يرى بعين الدهشة الفاقدة للمنطق، اللاهثة نحو ماديات مؤقتة، على حساب الحفاظ على الموروث التاريخي والحضاري، وهذا فشل محدق في فهم الحضارة الإنسانية، وسقوط مدوي للوعي، مثير للحزن والاغتراب. في السنوات الأخيرة نشهد حالة الاعتلال، ونرى الخلل في يوميات حياتنا واضحًا، ونرى كل ما يحدث تحت شعار التطور الكاذب، ووهم الحداثة، فلم يأت الغرب بالحداثة على حساب سقوط باريس وروما ولندن، بل حافظ عليها متخذًا منها ركيزة التطور والحداثة، ولم يقتصر الأمر على الرمزية مثلًا، بل أداة فعل وعصب التطور، وهذا ما أغفله عالمنا العربي، حين صدّق الاستعمار، بأن دولًا حديثة تأتي لتهزم عواصم التاريخ، فعمد على اكسابها كل عوامل البناء وأفقد عواصم التاريخ عوامل البقاء وعناصر الرخاء، وانكر بعضها، وأتاح للغوغائيين فرصة ومساحة حرة للعبث، وبث القلاقل، وأعطاهم سطوة ومكانة، بلا إرث ولا مضمون ولا فكرة، ومدهم بالتطرف وفوضى الاجتهاد القائم على عبث لتسهل عمليات الخراب، وحرصوا أن لا تتعافى أوطاننا كي تكون تل أبيب عاصمة عصرية لغزاة سارقين، وتعم عواصم التاريخ الهجرات، حين يصبح الرحيل ملاذًا والمنفى نجاة، وحين يصبح البقاء انتحار أحمق في وجه الحياة.
|