|
التعبير الكتابي الإبداعي مهارات اتصال وتواصل
نشر بتاريخ: 22/07/2023 ( آخر تحديث: 22/07/2023 الساعة: 19:24 )
أولا: الكتابة الإبداعية مهارة اتصال وتواصل. اللغة بمهاراتها المتعددة الاستماع والقراءة والمحادثة والكتابة تعد كائنا اجتماعيا يتطور ويتغير، يحيا ويموت، يؤثر ويتأثر، وإننا نعبر بها عن أفكارنا وأحاسيسنا ووجداننا، ونتواصل بها مع الآخرين، في علاقة إرسال واستقبال بين مرسل ومخاطب، ورسالة؛ فتحدث عمليات القراءة والكتابة ضمن سلسلة متصلة من الكتابة الأولى، والكتابة على الكتابة، في علاقة اتصالية وتواصلية تهدف إلى التأثير في منظومة المخاطب الفكرية والثقافية والوجدانية ضمن آليات خطاب كتابية وشفوية تتعدد وفق السياقات التداولية والتواصلية المتجددة. والكتابة الإبداعية تلك التي تعبر عن النفس والذات الفردية والجمعية، بإبداع وانطلاق، من خلال اتصالها وتواصلها وعلاقتها مع المجتمع والحياة، والتاريخ والزمن، والإنسان والمكان والجغرافيا، في علاقة توافق وانسجام، أو تخالف وتشابك واصطدام، يرفض فيها الكاتب القيم والأفكار والمعتقدات السائدة، ويعيش حالة اغترابية مكانية زمانية مجتمعية..، علاقات تعتمد على التشخيص والتجسيم، يتحد فيها الإنسان مع أخيه الإنسان، أو يتوحّد مع الطبيعة، أو يهرب منها، فرارا من قيودها المجتمعية والإنسانية التي تثقل النقس، وتورث الهموم، وتلد الانتكاسات، في علاقة تشخيص وتجسيم تجعل فيها الحيّ جامدا، والجامد حيا في علاقة شعورية أو فكرية انفعالية، تحدث المتعة وإغراء القراءة والتأثير في المتلقين وإيصال رسالته الأدبية الإبداعية بآليات متعددة منها: المقالة التعبيرية والقصة والشعر والرواية والخاطرة وغيرها من الفنون الإبداعية.
ثانيا: الكتابة الإبداعية ماهيتها ومعاييرها: في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان إلى تفريغ شحنات أو طاقات إيجابية يعبر فيها عن أفكاره وأحاسيسه ومشاعره وانفعالاته تجاه الفرد والمجتمعات والقيم؛ فإنه يفزع للكتابة الإبداعية، فهي ابتكار لا تقليد، وانطلاقة لا جمود، وتحرر من قيد الفكر وسطوته وسلطة السياسة وتعنتها وقهرها للكتّاب، إلى حرية الفكر والكلمة، في مفهوم حرية التعبير الواسع، والبعد عن تكميم الأفواه، والثقافة المقموعة. ويفزع القارئ بدوره إلى حرية الفهم والتحليل والتفسير والتأويل في علاقة إبداعية وعملية اتصالية يتمّم فيها القارئ الكاتب الأول ليصبح كاتبا ثانيا، في الكتابات المفتوحة، يفتح أفقها لكتابة أخرى وميلاد كتّاب آخرين وكتابات متصلة لا تنهي. ثالثا: مقومات التعبير الكتابي الإبداعي من الكلمة إلى بناء النص: أسلفنا سابقا أن اللغة كائن اجتماعي تحكمه الأنساق الداخلية النصية، والسياقات الخارجية الاجتماعية والنفسية والتاريخية والسياقية؛ فهي بناء مترابط الأجزاء، متشابك العلاقات، تشد الكلمات بعضها برقاب بعض، والنص اللغوي الكتابي الإبداعي بفنونه المختلفة القصصية والمقالية والروائية وفن الخاطرة وغيرها هو أحد مكونات هذا النسيج يبدأ بالكلمة والجملة والفقرة ثم يتوّج بالنص المنتظم بعلامات الترقيم، المنسجم بروابطه اللغوية في علاقة (تكامل لغوي بين مستويات اللغة العربية): المعجمية والصوتية والصرفية والنحوية والإملائية .. تتكامل بعضها ببعض وتؤثر وتتأثر، وتتكامل وتتضافر من مثل: التكامل بين النحو والبلاغة في قضيا التقديم والتأخير، وتكامل علم الأصوات مع الدلالة، وتكامل الإملاء مع النحو في الكتابة، فكثير من قضايا الإملاء تنبني على قواعد النحو الوظيفي والسياقي، لتشكيل الدال والمدلول، أرأيت معي أن الهمزة تكتب على السطر والنبر تارة وعلى الواو تارة أخرى استجابة لوظيفتها في الإعراب؟ فنقول: حضر أبناؤه، ورأيت أبناءه، ومررت بأبنائه. مراحل الكتابة الإبداعية: الكتابة فن إبداعي وعملية مخاض يولد فيها ذلك الطفل الجميل، تحتاج إلى عصف ذهني، ومحرك عاطفي، وصدمة شعورية، وثورة فكرية يدفع إليها، وذلك من خلال عملية منظمة مرتبة يطلق عليها الشكل والمضمون. كما هي شبيهة بفن الرسم والتمثيل والنحت، تحتاج إلى مشهدية وحدث أو حادثة تعبير عنه وهو المضمون، ومحيط خارجي يؤثر بها وهو السياق، ومتلقين يحللون ويفسرون ويؤولون، فالكاتب لا يكتب ليعبر عن حالته الشعورية وآرائه الفكرية فحسب؛ بل ليجسد ما يشعر به للمتلقين، يرسل لهم رسالة توقظ الحسّ عندهم وتحرك الشعور، وتثير الجدل وتوقظ الأذهان، كما تستجيب هذا الكتابة لتساؤلات لتحقق مرادها المنشود، متفق عليها عند الدارسين والباحثين والكتاب وهي: لمن أكتب؟ لماذا أكتب؟ ماذا أكتب؟ كيف أكتب؟
وفي الاتجاه الموازي، تمرّ العملية الكتابية الإبداعية في مراحل لتؤدي رسالتها لتكون عملية منظمة مؤثرة، تتلخص في مراحل هي: مرحلة ما قبل الكتابة، ومرحلة الكتابة، ومرحلة ما بعد الكتابة،وهي عمليات: -عملية التخطيط. - عملية التأليف: وهي مرحلة الكتابة الأولية. - عملية المراجعة: وهي إعادة قراءة النص من وجهة نظر القارئ قراءة متأنية، - عملية التحرير والتنقيح.
خامسا: المقالة الإبداعية المفهوم والأنواع والبناء وآليات التحليل. المقالة فن ومهارة؛ فن لأنها إحدى الفنون الكتابة النثرية الحديثة والمعاصرة من مثل: الحكاية والقصة والرواية والمسرحية والخاطرة والرسالة.. ، ومهارة فهي تحتاج إلى دربة وممارسة ترتبط بالمهارات الأخرى: الكتابة والقراءة والحوار والتحليل، يمكن من خلالها معالجة القضايا التي تربط بذات كاتبها أو بالجماعة، تلامس الواقع الثقافي والأدبي والعلمي، وتتعايش مع الحياة وتطورها وقضايا المجتمع ومشكلاته. ويمكن تحديد ماهيتها بأنها معالجة نثرية تتسع لكل شيء في الحياة وقضاياها الاجتماعية والثقافية والسياسية والأدبية والفنية .. تعرض لفكرة وقضية ما، تنشر أفكارا وقضايا ثقافية منوّعة، اقتصادية في عرضها وفكرتها ولغتها، منظمة ومتسلسلة، تتكون من أقسام وأجزاء مهمة مكونة لها، تعبر عن أفكار وآراء أو عواطف وأحاسيس، تعالج وتتصادم مع القضايا والمشكلات التي تعرض لها، تحمل رسالة للمتلقين، وتدفعهم لتأملها والتفكير فيها وتحليلها أو الكتابة عليها في مفهوم الكتابة على الكتابة موافقة أو مخالفة، بناء أو هدما لأفكارها وآرائها. ويمكن تقسيم المقالة إلى أنواع مختلفة نعتمد في ذلك على معيار الأسلوب منها: المقالة الذاتية والمقالة الموضوعية: 1.المقالة الذاتية: تخاطب الوجدان، وترتبط بشخصية الكاتب، وأسلوبه ولطافة معانيه. تأملية، شخصية، ذاتية، تعرض لموضوع ما، قد تخاطب العاطفة والعقل أو كليهما معا، تظهر فيها شخصيته وأسلوبه الرفيع، تترجم ميوله ومهاراته الأدبية والجمالية والفنية، وقد قسمها الباحث محمد نجم في كتابه فن المقالة في أنواع عدة نذكرها بإيجاز: الصورة الشخصية، مقالة النقد الاجتماعي، المقالة الوصفية، وصف الرحلات، مقالة السيرة، المقالة التأملية 2-المقالة الموضوعية: ويمكن تسميتها بالعلمية، فالأسلوب العلمي طريقها في الكتابة والعرض والاستدلال، والحوار والمناقشة بالأدلة والشواهد، منطلقها الفكر، ومحورها العقل، والحقل العلمي، ومنهجها الحقائق، تبتعد عن الذاتية والانفعالية والعواطف في لغتها وموضوعها وأسلوبها. بناء المقالة وأجزاؤها: المقالة فن ومهارة، منظمة ومتسلسلة، والفنون عادة لا تكون جزافا بمعنى؛ أنها تبنى وفق هيكلية تميزها عن الفنون النثرية الأخرى من: الرواية والمسرحية وأدب السيرة واليوميات. فالمقالة لها نظامها الداخلي " المضمون"، والخارجي " الشكل"، ولها مكونات ترتبط بها، وتسير في ضوئها، وهذه الأجزاء هي: العنوان، والمقدمة والعرض، والخاتمة. 1-العنوان: عتبة النص، ورأس النص المقاليّ الصغير، أول ما يقع نظر القارئ عليه، فالعنوان الناجح في المقالة الذاتية الإبداعية عادة ما يكون مشوقا فيه صفة جمالي يجذب القارئ للقراءة، ويدفعه أن يبحث عن المقالة بكليته، لقراءته، وتحليله، وله من المقالة نصيب كبير؛ فالكلمات المكونة له هي مفاتيح البحث عنه، الدّالة عليه في قواعد البحث المكتبية والالكترونية، ومن هنا يعتني كتّاب المقالة بعنوان مقالاتهم الدّال عليها المرتبط بمضمونها، المخلّد لها في قواعد البحث عند الباحثين والدارسين، فهي مسمى وليده الفكريّ الذي يهتم بتسميته بعد ولادته 2-المقدمة: فاتحة المقالة، وجهته الأولى للعبور إلى ساحة النقاش والموضوع، الممهدة للقارئ ليكمل مع الكاتب معترك المقالة 3-العرض: ساحة النقاش، ومعترك المقالة وأفكارها المتسلسلة في عرضها، المستند إلى الأساليب المتنوعة، والفقرات المترابطة. 3-الخاتمة: هي آخر مكونات المقالة، والأمور والأعمال بخواتيمها كما يقال، هي فرصة الكاتب الأخيرة لإقناع القارئ بما يريد أن يذهب إليه، وإرشاده إلى ما يؤمن به من أفكار وآراء، وإثارة ما يريد أن يثره، أو يفجر ما يهدف إلى تفجيره من دفقات عاطفية وجدانية أو يستثير أفكاره وآراءه وتوجهاته، والخاتمة لها أنواع وألوان؛ فقد تكون ملخصة شاملة لما ورد في المقالة ابتداء من عنوانها وانتهاء بخاتمتها، أو تكون عارضة لنتائج المقالة، وقد تكون خاتمة مفتوحة لا نهاية محددة ولا نتائج صريحة، تنهي بتساؤلات تجعل القارئ يفكر بعمق فيما قرأ، ويحاول هو أن يجيب عمّا سُئل عنه، ويتمّم المقالة ويتخيل ويشارك في صنعها، وكتابتها لتنفتح الكتابات بعضها على بعض، أو كما أشرنا سابقا في هذه الوحدة الدراسية إلى مصطلح " الكتابة على الكتابة، لتستمر مسيرة الأدب والعلم من كاتب لآخر، ومن جيل إلى جيل. آليات تحليل المقالة الإبداعية الأدبية: عندما تكتمل المقالة في مستواها الأول الكتابة الإبداعية على يد كاتب يحقق لها الأثر والتأثير، ويُحمّل الدّال مدلولاتها ومعانيها، ويوشحها بموسيقى داخلية تحقق لها التجانس والتطابق، ويلونها بمشهدية جمالية تصويرية من ألوان التشبيه والاستعارة، تصبح الكتابة رسالة إلى المتلقي يجري عليها عمليات التفسير والتحليل والنقد ضمن عمليات الفهم القرائي، وهي عملية لا تقلّ أهمية عن الكتابة الأولى، وهنا يمكن طرح تساؤلات عدة تساعد على تحليل المقالة الإبداعية وفهمها استنادا إلى أجزائها المكونة لها في الشكل والمضمون التي تحتوي على العنوان والمقدمة والعرض والخاتمة. يمكن أن نجمل هذه التساؤلات: أولا-نوع المقال من حيث الأسلوب: هل قدمها بأسلوب ذاتي، أم موضوعي؟ ثانيا-المضمون: - ما نوع المقالة من حيث مضمونها: ثقافي، اجتماعي، تاريخي، ديني، أدبي، تربوي؟ - ما الأفكار الرئيسية والفرعية التي تجسدها المقالة؟ ثالثا-العنوان: - هل نجحت المقالة في العنوان باتصافه بالتكثيف اللغوي والإيجاز؟ وهل هو مرتبط بالمضمون دالّ عليه؟ رابعا-المقدمة: كيف كانت المقدمة في بنائها، هل تعتمد على جملة محورية وفكرة رئيسية، أم هي تساؤلات تقود للتفكير في العرض ومناقشته؟ هل هي موجزة مكثفة تدخل القارئ للموضوع؟ خامسا-العرض: - الأفكار العامة والخاصة: كيف تتنوع الأفكار الرئيسة والفرعية، وكيف يحقق لها التسلسل والانسجام بينها؟ -أدوات الربط: ما مدى حسن الترابط بينها بأدوات الربط الحرفية والاسمية والفعلية؟ - التفصيل والإجمال: هل قدمت المقالة الأفكار بآليات التعميم والإجمال أم التبيان والتفصيل والشمولية؟ - التفقير: ما مدى توزيع الأفكار في فقرات متصلة؟ - الأدلة: ما مدى الاستعانة بالأدلة والشواهد والخبرات الذاتية؟ - التقسيم للعنوا نات: هل حملت المقالة عنوانات فرعية داخلية؟ - علامات الترقيم: هل استعانت المقالة بعلامات الترقيم لتوضيح المعاني وتعميقها؟ - الأسلوب واللغة: كيف تراوح الأسلوب بين السهولة والوعورة؟ هل تنوعّت الأساليب بين الإنشائية (الاستفهام والنداء والأمر والتعجب..) والخبرية؟ كيف تراوحت المقالة بين أساليب الحوار والنقاش أو الوصف أو السرد؟ هل اتصفت الألفاظ بالسهولة أم الوعورة؟ كيف كانت الجمل بين الوضوح والغموض؟ هل طغت الأساليب الجمالية التصويرية أم الواقعية الشفافة؟ سادسا-الخاتمة: كيف نجحت الخاتمة في تأكيد المعنى وتلخيصه؟ أي نوع تلك الخاتمة المغلقة أم المفتوحة؟ هل طرحت حلولا وتفسيرات واضحة لما عالجته في عرضها، أم أنها أثارت الموضوع وفتحت الأبواب لنقاشات أخرى يكتبها كتّاب آخرون؟
|