وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لا تمش جنب الحيط.... سيقع عليك حتما

نشر بتاريخ: 28/07/2023 ( آخر تحديث: 28/07/2023 الساعة: 22:47 )
لا تمش جنب الحيط.... سيقع عليك حتما

قتل شادي أبو قوطة، مواطن غزي، يبلغ من العمر 48 عاما، زوج وأب لطفلة وحيدة، صباح الخميس، الموافق 27 تموز2023، على يد أحد عناصر شرطة حكومة الأمر الواقع التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة، وأحد موظفي بلدية خانيوس، بعد أن قام الأول بدفعه أرضا، والثاني بإسقاط جدار بيته على جسده قبل أن يغادر كلاهما المكان بهدوء دون أي محاولة لانقاذه، أو استدعاء سيارات الدفاع المدني أو الإسعاف، وذلك تحت مبرر حملة إزالة تعديات تقوم بها بلدية خانيونس جنوب قطاع غزة، وفقا لما وثقته العديد من المؤسسات الحقوقية، بما فيها الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني " حشد"، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ومؤسسة الميزان لحقوق الإنسان، وحركتي الجهاد الاسلامي، والمبادرة الوطنية، والهيئة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة، وغيرهم، بل أن بعض المؤسسات الحقوقية أشارت في تقريرها المنشور إلى شبهة جنائية تحوم حول الحادث.

يشير الدكتور عز الدين أبو قوطة شقيق الضحية في مقابلة منشورة عبر وسائل إعلامية أن هناك قضية لدى المحكمة تحمل الرقم 1038-2023 وقرار قضائي بتاريخ 3/7/2023 يقضي بعدم جواز الإزالة, وقرار آخر من الوكالة يؤكد على عدم الإزالة، علما بأن ما تقول بلدية خانيونس أنه مخالفة، والتي قتل في إطارها المواطن ابو قوطة قائمة منذ عام 1982, وفقا لتصريحات والدته المنشورة عبر وسائل الإعلام.

على الرغم من ثقل الوجع، وكبر الخسارة، لأب، وزوج، ومواطن صالح، إلا أن ما يدعو لمزيد من الغضب والوجع وما يجعل الجريمة بحاجة ماسة لوقفة عميقة، لاستجلاب العبر والعظات والتقييم، هو الطريقة التي تمت بها إدارة الحدث ما بعد الجريمة، إذ أشارت عشيرة الضحية في بيان لها نشر عبر وسائل إعلام مختلفة إقدام الجهات الأمنية في قطاع غزة على استدعاء واعتقال عدد من أبناء العشيرة بعد الحادثة دون أدنى حق وبدون أدنى مبرر.

كما أن النيابة العامة في قطاع غزة أصدرت إعلانا تم نشره عبر وسائل الإعلام، تهدد فيه بتطبيق إجراءات قانونية صارمة، تصل إلى الحبس مدة ثلاث سنوات لكل من ينشر أخبار عبر وسائل الإعلام الاجتماعي حول الحادث، لادعاء النيابة العامة في قطاع غزة أن ذلك من شأنه تعكير السلم الأهلي في القطاع، فيما حاولت حركة حماس القفز عن تحمل مسؤولية الجريمة، عبر تحميل المسؤولية لبلدية خانيونس، متجاهلة أنها الجهة المسؤولة عن تعيين رؤساء البلديات في قطاع غزة، إثر منعها تنظيم الانتحابات المحلية في قطاع غزة منذ عام 2007, بل أن ممثل حركة حماس في كلمته المسجلة والمذاعة عبر موقع الرسالة الإخباري قال لعائلة الضحية قبل تشييع جثمانه، " هذه البلد بلدنا، وبوعدكم تكونوا مبسوطين"، إذ لا أفهم كيف يمكن أن يفرح من قتل ابنه، أو قتل أباها ظلما، وعلى مرأى من زوجته ووالدته، وربما ابنته أيضا، مهما كانت الحلول والتعويضات، بل أن بعض المواقع الإعلامية المحسوبة على حركة حماس، عملت على تحويل جريمة قتل مواطن إلى إنجاز للجهة المسؤولة ضمنا عن مقتله، عبر تجنيد عشرات الاعلاميين، والنشطاء، لتحويل الحدث من قضية رأي عام، وجريمة مستنكرة، إلى مناسبة للإشادة بحكمة حركة حماس في التعاطي مع الجريمة، ومثال ذلك ما افردته صحيفة الرسالة عبر موقعها الإلكتروني بتاريخ 27/7/2023 بعنوان" نشطاء يشيدون بالموقف المسؤول لحماس والعمل الحكومي في حادثة أبو قوطة"، في محاولة لحرف الأنظار عن الجريمة الأساسية المتمثلة بمقتل مواطن على يد شرطي يتبع لحكومة حماس، ولموظف في بلدية رئيسها معين من قبل حركة حماس.

جريمة مقتل المواطن أبو قوطة تعيد للصدارة قضية منع حركة حماس تنظيم الانتخابات البلدية والنقابية والطلابية في قطاع غزة، فلو كان مجلس بلدية خانيونس منتخب من قبل المواطنين، لكان أكثر حرصا على الالتزام بقواعد العمل القانوني، وعلى نبض المواطنين القادرين على معاقبته عبر صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي يجعل من كل دعوات حركة حماس لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية خالية من أي مضمون، ومتخمة بالشك المشروع من قبل المواطنين، فمن يمنع تنظيم الانتخابات الطلابية والنقابية والبلدية خوفا من النتائج في قطاع غزة، ويشارك في انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في الضفة الغربية بشكل انتقائي، إذ تشارك حماس على سبيل المثال في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات النجاح وبيرزيت والخليل والبولتكنك لتوقعها الفوز أو المنافسة، بينما تقاطعها في جامعات بيت لحم، والقدس، ولا تطالب بتنظيمها في الجامعة العربية الاميركية، وغيرها من الجامعات لعدم وجود فرص لها بالفوز أو المنافسة، وهو الأمر الذي يجعل سؤال المواطن حول حقيقة إيمان حركة حماس بالديمقراطية، والتعددية، والتنوع مباحا وشرعيا أيضا.

كما أن قيام أجهزة حركة حماس الأمنية ، باستدعاء واعتقال عدد من أبناء عشيرته وفقا لبيان العائلة، وتجنيد وسائل إعلامها للقفز عن الجريمة، أو محاولة تحويلها إلى إنجاز للحركة، يعيدنا بالذاكرة إلى تعاطي حماس، وميليشياتها المسلحة مع المواطنين المشاركين في الاحتجاجات السلمية في قطاع غزة، والتي حملت عنوان "حراك بدنا نعيش" عام ٢٠١٩، احتجاجا على الفقر، والبطالة، وانعدام مقومات الحياة الانسانية في قطاع غزة، وهجرة الشباب عبر قوارب الموت، ورفضا لفرض حركة حماس ضرائب على عددٍ المواد الاساسية بما فيها الخبز والبقوليات والخضروات، إذ أطلقت حركة حماس، ووسائل إعلامها في حينه وسم " التطهير ثم التحرير" والذي ترجم من خلال استخدام حركة حماس، ومليشياتها المسلحة، القوة المفرطة ضد المواطنين، ومنع الاعلاميين من توثيق الأحداث، واعتقال صحفيين وحقوقيين، وممثلي عدد من المؤسسات الأهلية، وهو الأمر الذي ووجه في حينه برفض شعبي ووطني واسع، كونه جاء في ذات الفترة التي كانت تطرح بها داعش ونظيراتها من الحركات التكفيرية والعنفية شعارات " العدو القريب ثم البعيد" " وجاهلية المجتمع"، " وإدارة التوحش وتحقيق التمكين"، التي جاء بها أبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، وأبو بكر الناجي، وأبو عبد الله المهاجر، أو استحضار فتاوى ابن تيمية، بعد إخراجها من اطارها الزماني والمكاني، وهو الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة على النسيج المجتمعي في قطاع غزة بشكل خاص وفلسطين عموما.

لن تنجح حماس بتحقيق المهمة المستحيلة، وهي الظهور بمظهر الحريصة على الديمقراطية والتعددية والحريات، في ظل سلوك شمولي أحادي يمنع المواطنين من حقوقهم الأساسية باختيار ممثليهم في مختلف المؤسسات، ولن تنجح بالتنصل من المسؤولية من دم المواطن شادي أبو قوطة، ما دامت هي المسيطر الأول والأخير على محددات رسم وتوجيه القرار العام والشأن العام في قطاع غزة.

لكي لا يكون لدينا شادي أبو قوطة جديد، يجب أن لا نمشي جنب الحيط، فقد يقع السور علينا ونصبح ضحايا إضافيين، آن الأوان لكي نتسلق السور، ونرفع صوتنا، ونغادر سلبيتنا القاتلة.

*محاضر بقسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية