|
على أعتاب كارثة حرارية
نشر بتاريخ: 03/08/2023 ( آخر تحديث: 03/08/2023 الساعة: 10:27 )
صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش، في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، بأن «حقبة الاحتباس الحراري شارفت على الانتهاء، وبدأ عصر «الغليان العالمي»، درجة الحرارة صارت لا تطاق، ومستوى أرباح الوقود الأحفوري غير معقولة، والعمل المناخي أدنى من المطلوب بكثير». وأضاف أن هناك إجماعا لهيئات الرصد الجوي بأن «شهر يوليو 2023، هو الأكثر سخونة على الإطلاق منذ مئات السنين. وموجات الحر أصبحت مرعبة». وقال كبير مستشاري شؤون الموجات الحرارية في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية المتفرّعة عن الأمم المتحدة: «موجات الحر في تزايد مستمر وعلى العالم تجهيز نفسه لموجات أكثر وأطول وأشد». ليست الكارثة الحرارية مجرد تنبّؤات بالمستقبل، بل أضحت واقعا تعيشه البشرية وتدفع ثمنه غاليا، ولكن الأضرار لا تتوزّع بالتساوي، فالمنطقة العربية تحديدا تعاني من تفاقم متواصل في شح المياه، وهي من أكثر المناطق في العالم تعرّضا لأضرار تغيّر المناخ، وفيها ترتفع معدّلات درجات الحرارة أكثر من غيرها، وينخفض هطول الأمطار باستمرار وبشكل مقلق، وهي اليوم أكثر جفافا من الماضي، وتواجه موجات متزايدة من الفيضانات والحرائق واتساع رقعة التصحّر. جفاف في العراق نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» على رأس موقعها على الإنترنت، هذا الأسبوع، تقريرا مثيرا بعنوان «إنذار مناخي من مهد الحضارة»، استعرضت فيه الأحوال الصعبة، التي يعاني منها الناس في العراق نتيجة الآثار المدمّرة للاحتباس الحراري وآثاره في شح المياه والتصحّر وتدمير الزراعة. ويفيد تقرير للأمم المتحدة بأن العراق في الموقع الخامس دوليا من حيث الحساسية والعرضة للتضرر بدرجات الحرارة المتطرّفة وشح المياه ونقص الغذاء. ولكن الصحيفة لم تتطرق إلى الآثار المدمّرة للاجتياح الأمريكي للعراق قبل عشرين عاما، وكيف ساهم في إضعاف الدولة العراقية وشل قدرتها على التعامل مع مشاكل التصحّر والجفاف، وتبذير الماء في الري التقليدي، وجعلها عاجزة عن الدفاع عن حقوق الشعب العراقي «المائية» في وجه النهب الإيراني والتركي، ولعل ما حدث بشأن دجلة والفرات، كان دليلا إضافيا على الوهن العربي، ما قد يكون قد ساهم في فتح شهية إثيوبيا في مياه النيل. ما من شك بأن العراق بحاجة إلى خطة إنقاذ للخروج من أزمته البيئية والزراعية، ولمواجهة أزمة المناخ التي تضرب به قويا. لا يعقل أن يكون «مهد الحضارة» في آخر قائمة الدول القادرة على حماية نفسها وشعبها في مواجهة التقلبات المتطرّفة في المناخ، والعراق تاريخيا بلاد الزراعة والخصب ومهد فكرة الخصوبة. أضرار هائلة وحلول ممكنة لا تظهر الأضرار التي تسببها موجات الحر الشديد، إلّا بعد مضي أسابيع وحتى أشهر، وعليه فإن نتائج موجة يوليو غير معروفة بعد. لكن التجارب تدل على أن كل حالة حر شديد تسبب أضرارا صحية بالغة تبدأ بالإجهاد الحراري وصولا إلى ضربات شمس قد تكون فتّاكة، كما تُفاقم موجات الحر حالات مرضية قائمة وقد تؤدي إلى وفاة بعض المرضى، كما أن لها آثارا سلبية جدا على الجهاز التنفسي لأنّها تزيد من إمكانية الإصابة بالربو وبمرض الانسداد الرئوي المزمن، إضافة إلى زيادة مخاطر أمراض القلب والدورة الدموية. وهناك أيضا حاجة للانتباه إلى كبار السن والأطفال، فهم أكثر حساسية للحر من غيرهم. وبلا مبالغة يمكن القول بأن موجات الحر الشديد، وعدم الوقاية منها، قد تسبب مباشرة بموت عشرات الآلاف من الناس، إضافة إلى آثار بالغة غير مباشرة. أزمة المناخ غير قابلة للحل بلا تعاون دولي وتخطيط مجتمعي شامل. لكن من الخطأ القول بأنها أزمة من صنع البشرية، فهي في حقيقتها من صنع الرأسمالية. والمتضرر هو البشرية جمعاء، لكن الفاعل هو النظام الرأسمالي، بل الدول الرأسمالية المتطوّرة، التي تتحمل المسؤولية الكبرى. وفي حين أن فقراء العالم هم أكثر من يدفع الثمن، فهم ليسوا من خلق المشكلة. ويبقى السؤال الكبير: هل تستطيع الرأسمالية، التي قامت بثورتها الصناعية انطلاقا من الوقود الأحفوري، حل أزمة المناخ التي أنتجتها عبر التعامل مع الطبيعة كمجرد سلعة؟ لقد وصل التغيّر المناخي إلى مرحلة الخطر الشديد، والسقف، الذي وضعته المنظمات الدولية، بعدم ارتفاع الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية، غير قابل للتحقيق إذا لم تتخذ إجراءات صارمة فورية. فهل يمكن للدول أن تفرض على الرأسماليين فطاما عن الغاز والبترول؟ هذا صراع بين مبدأ الربح الرأسمالي ومبدأ حماية البشر والطبيعة. وعلى البشر أن ينحازوا فيه لأنفسهم. |