|
مسرح الحرية في مخيم جنين.. الشاهد على الحكاية
نشر بتاريخ: 03/08/2023 ( آخر تحديث: 03/08/2023 الساعة: 12:50 )
مسرح الحرية، تعددت الأسماء ولكل اسم قصة وحكاية، ولد وهو يحمل اسم "بيت الطفولة" فكان البيت الأمن لأطفال مخيم جنين، ليخفف من معاناتهم، ويوفر التعليم لمن حرموا منه، ولأن الأطفال يكبرون سريعا في المخيم، فتغير اسم المسرح ليحمل اسما اقترن بالفلسطيني الثائر،اقترن بنضالنا وانتفاضتنا الاولى فبات يحمل اسم " مسرح الحجر" وهل هناك أجمل من هذا الاسم الذي حمل اسم فلسطين عالميا ليصبح الحجر مقترنا بالانتفاضة، ولتدخل هذه الكلمة معجم اللغات " انتفاضة الحجارة ". فالطفل كبر وحمل الحجر ليحرر الارض ومن عليها، وتغير اسم المسرح ليصبج " مسرح الحرية " ويبقى هذا الاسم خالدا ومحفورا في عقول وقلوب الفلسطينيين الى أن يروا يوم التحرر، ويحتفلون معا وسويا في المخيم والمدينة والريف والبادية والخرب وفي كل مكان في فلسطين . كان لناشطة السلام الاسرائيلية أرنا مير خميس الفضل في تأسيس المسرح في العام 1990، فهي الناشطة اليهودية التي ناضلت كثيرا من أجل حقوق الانسان، وتزوجت من المناضل والصحفي والكاتب الفلسطيني صليبا خميس، وأنجبت جوليانو المخرج والممثل الفلسطيني الذي شارك ومثل في العديد من الأفلام الأمريكية والاسرائيلية والكندية وغيرها، وهو من قام بانتاج واخراج أول فيلم وثائقي يحكي قصة "أولاد أرنا" ويدور حول أمه التي عملت لتأسيس مسرح الأطفال – مسرح الحرية – في مخيم جنين، وقرر بعدها جوليانو أن يواصل مسيرة والدته، حيث اعتبر أن المسرح يدعم المقاومة الثقافية . وبدأ المسرح يشتهر، ليصبح بعد فترة وجيزة من أهم المعالم الثقافية في الضفة الغربية، ويبدأ رحلة غرس الثقافة وعقد الندوات وورشات العمل الخاصة في مجال الدراما والموسيقى للأطفال والشباب، وأنتج العديد من المسرحيات مثل مسرحية "الحصار" التي تتحدث عن قصص المقاومين أثناء حصار كنيسة المهد لمدة 39 يوما ، وكذلك مسرحية عائد الى فلسطين ومسرحية عائد الى حيفا ورجال في الشمس لغسان كنفاني وغيرها العديد من المسرحيات التي عرضت في الكثير من دول العالم . وبعد أن اشتد عوده، وغرس بذوره في أنحاء العالم، وخرج جيلا من الأطفال والشباب المثقف والواعي والمنتمي لقضيته ووطنه ، جاءت جرافات الاحتلال وهدمته، لتتركه خرابا بعد أن كان منارة ومن أهم معالم مخيم جنين . ولأن الاحتلال يهدف لقتل الرواية الفلسطينية، وتثبيت روايته المزيفة، والتي تتحدث عن تاريخه وثقافته وتطمر ثقافتنا وهويتنا ، فكان التدميرالأول في الاجتياح في العام 2020، وكان التدمير الثاني صباح الاثنين الثالث من تموز 2023 أي صباح اليوم الأول لاجتياح جنين ومخيمها، فهذا لم يكن تدميرا عشوائيا، بل تدميرا ممنهجا ومخططا له منذ حين. فأول ما يخيف اسرائيل هو الجانب الثقافي للمقاومة الفلسطينية، فدمر المسرح لأنه أجاد توثيق الرواية الفلسطينية، ويرمز الى أن المقاومة الفلسطينية لها جذور وتاريخ وتسري في عروقنا، فالأعمال الثقافية التي تتحدث عن جذورنا وثقافتنا وتاريخنا وهويتنا، قد وصلت العالم وتعاطف معنا الملايين بعد أن سمعوا وشاهدوا قصصنا ومسرحياتنا وحقائقنا التي كان يخفيها الاحتلال ويمنع توثيقها ونشرها، وها هي قصة الشهيدة الاعلامية شيرين أو عاقلة أصدق دليل على محاولة الاحتلال طمس الرواية، وقتل الراوي، وتغييب العدالة. بدأ الاجتياح ، وأول ضحاياه كان مسرح الحرية ، فدكت الطائرات المسيرة بالقذائف الصاروخية المسرح الذي بني في عهد الانتداب البريطاني، وهو أحد أهم المعالم الثقافية في فلسطين، فدمرت مدخله وأسواره وصرح الشهيد، وألحقت دمارا للبنية التحتية والشوارع وشبكات المياه والكهرباء والمجاري المحيطة بالمسرح، ناهيك عن تدمير شامل حصل بالشوارع كافة. مصطفى شتى- المسؤول الاداري عن المسرح ، يقول وهو ما زال يعيش الصدمة بعد أن شاهد كل الدمار في المخيم ومنازل المواطنين والشوارع والبنى التحتية، وكيف تحولت الى ركام "كان الله في عون الناس، فنحن في المسرح أخف من تضرر، فهناك ضرر عام غير محدد بأضرار جسيمة لمست بنيان المسرح بفعل القنابل التفجيرية، أما المكاتب فتم احداث ضرر بالغ بالمكتب الرئيسي، ونتج عنه خراب عام بالباب وشبابيك المكتب وتكسير للزجاج، وقنص وتفجير لكافة كاميرات المراقبة بالمسرح" . ويضيف شتى وهو يتحدث بحسرة عن المكان " لقد قام الجنود باحتلال المبنى بالكامل، وفتح أبواب المسرح الرئيسية دون استخدامها، الى جانب تحويل مكان المسرح الى نقطة عسكرية لقوات الاحتلال والجيبات العسكرية والجرافات ، ولم يكتفوا بكل هذا بل قام الجنود بحرق سيارات سكان حارة المسرح بالكامل". لم يكن مسرح الحرية هو المسرح الوحيد الذي تم استهدافه، فهذه السياسة الاحتلالية بتدمير الثقافة الفلسطينية واجتثاثها، هي نهج متواصل باستمرار، وأكبر مثال على هذا قصف مسرح المسحال في غزة في العام 2018 والذي كان بمثابة حاضنة لأحلام وتطلعات وطموح شباب غزة، ولكل المثقفين والمبدعين والكتاب والفنانين، فالمسارح دوما قادرة على فضح جرائم الاحتلال، وايصال صورة واضحة وحقيقية للمعاناة الفلسطينية والمقاومة الفلسطيني، والمسارح دوما تجسد قصص الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال وسياساته، وهي تظهر صورة المثقف المشتبك مع الاحتلال، وتروي حكايته وتوثق لها. شاهد اخر على فاجعة المخيم، وهو طفل في الرابعة عشر من عمره، يقول لنا " بعد أن غادر جيش الاحتلال وألياته المخيم، ذهبت مع أولاد الحي لتفقد الدمار، فلم أجد شوارع ولا أعمدة كهرباء ، وجدت المخيم مليء بالحجارة والصخور، ومنازل محترقة بالكامل، واخرى ما زال الدخان يصعد من نوافذها، لقد تغيرت معالم مخيمنا، والان لا عطلة صيفية ولا مخيمات صيفية، ولكني أثق أن شعبنا الفلسطيني بكافة المناطق لن يتركنا وحدنا، فغزة تعرضت للدمار والقصف والقتل ولكنها صامدة ونحن ان شاالله سنصمد ونصبر" . وصدقا لقد أوجزهذا الطفل حالة التضامن الكبيرة جدا داخل المجتمع الفلسطيني بكافة قطاعاته لمخيم جنين، وعوض الشعب ما حرم منه من تضامن وتعاضد مع غزة والتي كان يصعب جدا الوصول لها ودعمها ومؤازرتها ، ولكن جنين ومخيمها استقبلت عشرات الاف المتضامنين من كافة المناطق من فلسطين بما فيها الداخل المحتل ، ووصلت المساعدات العينية والنقدية لتدعم ولو مؤقتا من تضرر ومن اضطر للرحيل خارج المخيم من الاطفال وامهاتهن ومن كبار السن والمرضى . نحن الأن في أمس الحاجة لتوثيق كل ما حدث ، وعلاج ما نتج عنه، وبحاجة لتكاثف الجميع وتدخلاتهم، فأطفالنا هناك شاهدوا القصف والدمار والقتل، وشاهدوا كمية الخوف والحزن والدموع، فقدوا بعض أهلهم أو جيرانهم أو أصدقاء وزملاء الدراسة، وهم في هذا الوقت بالتحديد بحاجة للمسرح، وبحاجة للفن والابداع والرسم للتفريغ النفسي، وبحاجة لورش العلاج بالدراما، وبحاجة لتتكاتف جهود الجميع لاعادة بناء الانسان والاستثمار به، فقد ينتصر المسرح والفن على الدمار والقصف والاحتلال . والمسرح ما زال بحاجة للدعم، بحاجة لاعادة بنائه وصيانته وتأثيثه، بحاجة ليعود للحياة ويبث الحياة ويوثق لنضالنا وقصصنا وهويتنا ومستقبلنا .
|