|
الطريقُ الأقرب إلى سوق العمل
نشر بتاريخ: 05/08/2023 ( آخر تحديث: 05/08/2023 الساعة: 16:29 )
مع إعلان نتائج الثانوية العامة من كل عام، يقفُ الطالب حيراناً في أمره أمام كم التخصصات المهول والتي تطرحها الجامعات للتسجيل والالتحاق؛ بحيث يبنى قرارهُ في اختيار تخصصه بين رغبةٍ منهُ وحاجة، بحيث تتمثل الرغبه: في التأكد من أن هذا القرار سيساعدهُ في تطوير مواهبهُ، وتعزيز اهتماماتهُ ومُيولهُ، وتحقيق طموحاتهُ بكل شغفٍ وثقة، وأما الحاجة: فتتمثل بالحصول على فرصةِ عمل (وظيفة) سريعة بعد التخرج، يُحققُ من خلالها رغباتهُ وحاجاتهُ تلك. إضاءة على تخصصات المُستقبل، ومجالات التشغيل فيها. في دراسة استقصائية عالمية جَرَتْ لمعرفة ماهيَّة التخصصات الجامعية والتي سيزداد الطلب عليها في العقد القادم على أقل تقدير، برزت في الصدارةِ بشكل مُلفت تخصصات كالحاسوب وعُلومه، والبرمجيات، وأمن المعلومات، وتحليل النُظم، وتطبيقات الذكاء الإصطناعي، والطاقة النظيفة "المُتجددة"، والتسويق الرقمي، وإنترنت الأشياء، إضافة إلى الإدارة والتكنولوجيا المالية، كما بقيت تخصصات أُخرى شائعة ومعروفة أيضاً هي الأخرى في صدارةِ الطلب عليها مُستقبلاً ومنها: المُحاسبة، والتمريض والذي يشهد نقص حاد في كثير من دول العالم، وبالتالي يُعتبر أكثر تخصصات المهن الصحية طلباً. مُراعاة الحاجات الفعلية لسوق العمل المحلي. ألمانيا ليست فلسطين، وفلسطين ليست في أوروبا أو في أمريكا الشمالية؛ بمعنى آخر سوق العمل الفلسطيني هو سوق محدود الجغرافيا والامكانيات المادية، فالصناعات محدودة، والمُجتمع استهلاكي، والاستثمار محفوف بالمخاطر التي تُحْدِق به من كل جانب سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، هذا فيما يتعلق بالقطاع الخاص "الشركات" والذي يُعتبر الأكثر تشغيلاً للأيدي العاملة وفق احصائيات رسمية، أما بخصوص القطاع العام "الحكومي" فيعاني هو الآخر من فائض في التوظيف، فهو قطاع مُثقل ومُشبع بأشكال التشغيل. ووفق آخر احصائية لمركز الاحصاء الفلسطيني فقد بلغت بطالة (الخريجين) من حملة الشهادات الجامعية، ما يقارب النصف 48%، وبأن هنالك تخصصات تقليدية كالادارة، والعلوم بأشكالها الطبيعية كالفزياء والعلوم الاجتماعية والسلوكية الأعلى بطالة، اضافة للتخصصات الأكاديمية التقليدية، وبأن الخريج يمضي ما يُقارب (13-12) في بحثهُ عن عمل بعد التخرج. وعليه يُفترض بالجامعات أخذ ذلك بعين الاعتبار، وبناء تخصصاتها بدراسات حقيقية ووازنة لحاجات سوق العمل الفعلية، وعدم طرح تخصصاتها بطريقة عشوائية، لغيات الاستقطاب الكمي لا النوعي للطلبة، وبناء جسور عمل مُمَنهج مع القطاعات الاقتصادية المُختلفة (الصناعية، والتجارية، والزراعية، والخدمية)، بحيث تتلمس احتياجات التشغيل بدقة، وتُبنى وِفقها "الكفايات المهنية" المطلوبة للتشغيل بتوصيف وظيفي واضح ودقيق، مع تأكيدي كمُختص بأن الحالة الصحية هي (قيادة الجامعات لسوق العمل) وليس العكس؛ فالجامعات في مُجتمعاتنا مع الأسف قد تحولت من دور القائد إلى دور المقود، والسبب في ذلك ضعف هياكلنا الاقتصادية وهشاشتها، ناهيك عن الثقافة الاستهلاكية لا المُنتجة لمُجتمعاتنا، وبالتالي تراجع جودة مُخرجات التعليم ذاتها. التعليم المهني والتقني الطريق الأقرب لسوق العمل والأكثر تشغيلاً. يُعتبر قطاع المهن عزيزي القارئ ذو أهمية كبيرة منذ الأزل، فالسباكة، والحدادة، والنجارة، والبناء، والحرف المختلفة أعمالاً ليست وليدةُ اليومِ فحسب، كما أنها ليست مُقتصرةٌ أيضاً على سوق عملٍ دون الآخر، فهي أساسُ أيُّ اقتصادٍ سواءً كان ناشئاً أم نامياً أم مُتقدماً، كما أن التوجه إليها بمثابة مهنة نهاية المطاف والطريق الأقصر إلى سوق العمل، يقول سيدنا عُمر بن الخطاب في ذلك: "تعلموا المهن فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنته يوماً ما"، ويقول المثل: "صاحب الصنعة يداه مُغلفتان بالذهب". لقد برزت أهمية التعليم والتدريب المهني والتقني كمسار أكاديمي مُستقل اليوم في سائر أنواع التنمية: الاجتماعية، والبشرية، والاقتصادية، والمجتمعية، وذلك لأهميته في توجيه وتخصيص الجُهود في جوانب مُحددة بالاستناد إلى بناء المهارات المُتخصصة، فالتعليم المهني والتقني هو أقصرُ الطُرقِ للحصول على عمل، من حيث مُدته الزمنية القصيرة نسبياً، وكُلفته التعليمية المُناسبة للأفراد ذوي الدخل المحدود، كذلك من حيث تنوع برامجه المطروحة في مسارين: الدُبلوم المهني المُتوسط (سنتان)، والدُبلوم المهني المُتخصص (سنة) فأقل، إضافة إلى المُحفزات التشجيعية للالتحاق به، كما يُعد بمثابة التعليم الذي يُطلق العنان للهوايات، والمهارت، والاستقلالية في العمل، نتيجةً لاعتماده على اختيار الفئة المُستفيدة، بناءً على قُدراتِ الأفرادِ ومهاراتهم المُختلفة والمُتباينة. كما أن التعليم المهني والتقني تطور مفهومه هو الآخر، ليمتد للمهن التقنية، فنجد مثلاً فنيين في مجال صيانة المباني الذكية وأنظمة المُراقبة والتحكم، والبرمجيات، وتطوير تطبيقات الهواتف الذكية وصفحات الويب، والتصميم الجرافيكي وتقنيات التصوير والمونتاج، والتسويق الرقمي وأدوات التواصل الإجتماعي، والسيارات الهجينية والكهربائية، وغيرها العديد من مهن وتقنيات العصر الحديث "عصر الرقمنة والثورة الصناعية"، والتي تجاوزت مثلاً في ألمانيا (370) مهنة مُصنفة في مجالات مُتخصصةٍ عدّة. مُعطيات ومُتطلبات اختيار التخصص الأمثل. عزيزي الطالب والطالبة المُقبلين على اختيار تخصصكم الجامعي بعد النجاح في الثانوية العامة، ولأجل رَسمِ مُستقبلكُم المهني بشكل أفضل، عليكم بداية باستشعار هُواياتِكُمْ واهتماماتِكُمْ الشخصية والفنية، وتلمس ذلك بجدية في خياراتكم تلك فهي مصدر إبداعكُم، وتميزكُم، وشغفكُم، وتطوركُم المهني في المُستقبل، يقول المثل الفرنسي: " من لا يُحب مهنتهُ فمهنتهُ لا تُحبه"، ثم عليكم باستشارة ذوي الاختصاص والخبرة في ما وقع عليه اختياركم ممن تميزوا في اختصاصهم الشبيه وخَّطُوا قصصهم نحو النجاح في حياتهم الشخصية والمهنية، لأنهم بذلك مصدر إلهام وقُدوة لا إحباط ونفور، كما عليكم باختيار الجامعة التي تطرح الاختصاص وتُقدمه بأفضل خُطة أكاديمية مشهود لها بها محلياً وعالمياً بين نظيراتها من المُؤسسات التعليمية (الجامعات والكليات) الأخرى، وعليكم أيضاً بتطوير معارفكُم ومهاراتكُم باستمرار أثناء الدراسة وبعدها على مدى الحياة؛ من خلال البحث عن كُل ما هو مُستحدث من دوراتٍ تدريبيةٍ مُتخصِصَةٍ ومُتقدمة ترتقون بها نحو الأفضل، لكي تكونوا سباقين في مجالات اختصاصاتكم مُقارنة بأقرانكم، وذلك لمزيد من خلق الفُرص واقتناصها في سوق العمل المحلي والعالمي، فنجاحك في نهاية المطاف هو رِهانُ جُهدك الشخصي نحو تنمية وتطوير ذاتك باستمرار وإثارة شغفك تجاهها. |