وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بعد خيبة العلمين نحتاج إلى مشروع إنقاذ

نشر بتاريخ: 06/08/2023 ( آخر تحديث: 06/08/2023 الساعة: 10:02 )
بعد خيبة العلمين نحتاج إلى مشروع إنقاذ

لا تقتصر وظيفة الكُتّاب والمثقفين وصناع الرأي العام على وصف الواقع وتحليله واستقراء المستقبل، بل إنهم يتحملون مسؤولية جسيمة في بث الأمل، وتربيته كما قال شاعرنا الكبير محمود درويش، مهما كان هذا الأمل صغيرا أو خافتا وضئيلا. غير ذلك يدخل عمل الكُتاب في دوائر التيئيس والتبشير بالخراب. وفي حالتنا الفلسطينية لا يحتاج القارئ ولا المواطن العادي عموما إلى من يحدثه عن السلبيات أو إلى من يطنب في شرحها وتحليلها، لأن المواطن يرى هذه السلبيات رأي العين ويعايشها بل يكابدها ويتجرع مرارتها في مختلف شؤون حياته صباح مساء.

نقول ذلك تعليقا على اجتماع الأمناء العامين في العلمين تحت الرعاية المصرية المحدودة، لأن مصر لم ترم بكل ثقلها في هذا الاجتماع لمعرفتها الجيدة بمقدماته وظروفه. لم يكن من المناسب التبشير بالفشل قبل وقوعه مع أنه كان مرئيا ومتوقعا في نظر الغالبية من المتابعين والمراقبين، لأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تتطلب تعزيز الأمل والتحذير من مخاطر الفشل، وهكذا مثّل الاجتماع في رأي كثيرين خيبة إضافية في مسلسل الخيبات التي ترافقنا منذ سنوات طويلة، ولا يخفف من هذه الخلاصة القول بأن الاجتماع انتهى إلى تشكيل لجنة لا أحد يعرف حتى الآن تركيبتها ولا صلاحياتها ولا المهلة الممنوحة لها للعودة بنتائج عملها وتوصياتها لهيئة الأمناء العامين.

وإذا كانت هذه النتيجة ليست مفاجئة إلا لأولئك المفرطين في تفاؤلهم، فقد بات من الواجب تحليل هذا الفشل وردّه إلى أسبابه الحقيقية وقراءة ما بين سطوره، واستنباط خلفياته وعدم الاكتفاء باجترار المقولات التي يرددها المجتمعون الذين فشلوا في الوصول لاتفاق يضع حدا لحالة الانقسام والتشظي المأساوية التي نعيشها منذ سنوات طويلة.

أهم الخلاصات التي ينبغي إبرازها هي أن قضية الحوار الوطني يجب ألا تختزل في حوار الفصائل التي اجتمع قادتها لعشرات المرات من دون ان يصلوا إلى نتيجة تستجيب لمطالب الشعب، وترقى إلى المستوى الذي يمكّن شعبنا من مواجهة المخاطر والتحديات وفي مقدمتها برنامج حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل لحسم الصراع بالقوة المسلحة وعلى قاعدة العناصر الرئيسية التي شملتها صفقة نتنياهو ترامب المسماة بصفقة القرن. وقد باتت جلسات الحوار هذه مع الصور التذكارية المرافقة أقرب إلى اسطوانة قديمة مكررة، سئمنا حضورها ولم يعد لدى أبطالها ما يضيفونه في اجتماعاتهم.

هذه الفصائل ومع الاحترام الواجب لتاريخها الكفاحي ولشخوص قادتها هي جزء من الشعب وليست هي الشعب ولا هي كل الشعب، فبعض هذه الفصائل لم نعد نسمع بها إلا في جلسات الحوار، بينما تغيب في الواقع والميدان عن الفعاليات الكفاحية والجماهيرية السلمية منها والمسلحة، بعضها لم يتمكن من تشكيل قوائم لخوص الانتخابات التشريعية التي ألغيت، وبعضها الآخر أشارت كل استطلاعات الراي التي أجريت بأنها لن يتمكن من اجتياز نسبة الحسم. توجد في الواقع حراكات سياسية ومطلبية فرضت حصورها في الميدان بوزن ليس اقل من الفصائل، وهناك تجمعات ومنابر وقوائم انتخابية تشكلت لخوض الانتخابات التي ألغيت بحجة منع الاحتلال إجراءها في القدس، وتوجد كذلك نقابات واتحادات شعبية ومنظمات مجتمع مدني وأطر نسوية وشبابية فاعلة في الحياة العامة، في الأنشطة والفعاليات الثقافية والتنموية والاجتماعية كما في النضالات اليومية التي تلتئم لقضية معينة مثل قضايا الأسرى وجثامين الشهداء المحتجزة، أو رفضا للقمع والاعتقالات السياسية ودفاعا عن الحريات العامة.

الحوار الوطني إذاً يجب أن يشمل الأطر والتجمعات الفاعلة خارج نطاق الفصائل وقوالبها الجامدة، وكلنا يعلم أن عدد مغادري بعض الفصائل وخاصة اليسارية هم أضعاف أضعاف الباقين في أطرها الحالية، فمشاركة هذه الأطر تغني الحوار من جهة مضامينه السياسية والاجتماعية، وتشكل أداة رقابة شعبية على مجرياته ونتائجه وعلى حسن تطبيق قراراته لاحقا.

من المسائل التي يتوجب إثارتها ومحاسبة القائمين عليها، قضية الاتهام والتخوين التي تطغى على خطاب بعض الفصائل، وتجدها تسبق اي حوار، ولكن هذه الاتهامات تُطوى خلال الحوار وتحل محلها المجاملات والابتسامات والعناق والمصافحات وكأن شيئا لم يكن، ثم تعود لغة الاتهامات لتنهال على أسماعنا وتسمم اجواءنا كما يحصل الآن بعد انتهاء الاجتماع من دون نتائج عملية واضحة، هذه لغة باتت منفرة وتحمل في شكلها ومضمونها تناقضا هو اقرب للكذب والخداع، كما تنم عن عدم احترام وعي الناس واستهانة بذاكرتها وقدرتها على التمييز. الخلاف طبيعي ومشروع بل يمكن أن يكون التنوع عامل إثراء للمسيرة الوطنية، وشتان بين الاختلاف في الرأي والاجتهاد وبين اتهام المخالفين بالخيانة والعمل لخدمة أجندات خارجية مشبوهة، مواصلة اعتماد هذا الخطاب هي استمرار في الاستهانة بوعي الناس وهي دعوات صريحة لإذكاء الفتنة وإدامة الانقسام بل إن بعضها يصل إلى ما يشبه الدعوة لحرب أهلية.

من الواضح أن الفشل في الوصول لنتائج ملموسة لا يعود إلى خلافات وتباينات حول بعض البنود العالقة، وما نعلمه أنه لم يجر هذه المرة نقاش جدي لقضايا الخلاف التي أشبعت نقاشا وبحثا في الجولات السابقة، ولكن من السهل دائما افتعال ذرائع وأسباب تحول دون الاتفاق أو دون تطبيقه. التفسير الوحيد المنطقي لهذا الفشل المتكرر يكمن في المصالح والحسابات الفئوية التي ترسخت على حساب المصلحة العليا للشعب والقضية، فالمصالحة والشراكة الوطنية هي أعباء لها استحقاقاتها في تفعيل أدوات الرقابة وأخذ راي الآخرين بعين الاعتبار، والتوقف عن منهج الاستفراد والاستبداد والمحسوبية ومحاباة الموالين.

لكل ما سبق من الصعب خروج نتائج مختلفة في أي جولة أخرى قادمة للقاء والحوار، إلا في حال تفعيل ضغوط مؤثرة. يمكن لهذه الضغوط أن تنبثق عن حراكات ومراكز وشخصيات وازنة ومحترمة، ومراكز وهيئات مجتمعية، وقد تترك أثرا على هيئات ومؤسسات إقليمية شقيقة تساهم في الضغط على الفرقاء. نحن بحاجة لمشروع إنقاذ يخرج شعبنا من هذه الورطة، سبق طرح مبادرات جدية في هذا السياق ولكن المطلوب الآن تشكيل هيئات وأجسام تمارس ضغطا متواصلا على أطراف الأزمة وعلى المستفيدين من الانقسام.