وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأبارتهايد في الكونغرس الأمريكي

نشر بتاريخ: 06/08/2023 ( آخر تحديث: 06/08/2023 الساعة: 14:37 )
الأبارتهايد في الكونغرس الأمريكي

رئيس دولة إسرائيل يحكي لمجلسيّ الكونغرس الأمريكي قصة. هم متحمسون لتصديقه والتصفيق يملأ القاعة. لكنّ الرغبة في تصديق القصة، لا تجعلها حقيقية وواقعية.
من السهل، هذا الأيام تحديداً، كشف حجم التزوير والكذب في القصة التي رواها هرتسوغ: لا أساس للحديث عن "الديمقراطية الإسرائيلية المتينة" في الوقت الذي يملأ فيه مئات آلاف الإسرائيليين الشوارع لأنهم متخوفون وقلقون من حكومة تدفع نحو تكريس رؤية عنصرية، محافِظة واستبدادية. كثيرون من الإسرائيليين أصبحوا يدركون أن مستقبلهم مُغمَّس بقيم العنصرية والعنف التي يتبناها وزراء الحكومة، فيخرجون بأعداد غير مسبوقة إلى الشوارع دفاعاً عن حقوقهم وعن حريتهم. لكنّ قصة هرتسوغ كاذبة ليس فقط لأن إسرائيل لم تعد دولة ديمقراطية الآن، أو خلال السنة الماضية، وإنما لأنها تقيم وتمارس نظاماً عنصرياً تمييزياً منذ زمن طويل. لكي تصدّ النقد الذي يكشف هذا الكذب، تلجأ إسرائيل إلى استخدام تعبير اللاسامية بصورة حقيرة وتهاجم السيناتور بيرني ساندرز وعضوات الكونغرس براميلا جايابال، رشيدة طلب، إلهان عمر، ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وآخرين ممّن يصرّون على وصف الواقع الإسرائيلي كما هو على حقيقته: واقع من القمع والانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان. واقع أبارتهايد.
لقد طورت دولة إسرائيل، على امتداد سنوات وجودها، أدوات مختلفة لحفظ الفوقية اليهودية وتكريسها في المنطقة الخاضعة لسيطرتها: فبينما تُصان حقوقنا نحن، اليهود، في كامل هذه المنطقة، سواء كنا نقيم في تل أبيب أو في أية مستوطنة في الضفة الغربية، فإن حقوق الفلسطينيين رهنٌ بمكان إقامتهم، ضمن التقسيم الجغرافي الذي أوجدته وتكرسه إسرائيل: إسرائيل داخل الخط الأخضر، القدس الشرقية، الضفة الغربية وقطاع غزة. وبينما تسمح إسرائيل لأي يهودي في العالم أن يحظى بالمواطَنة الإسرائيلية، تحرم الفلسطينيين من ذلك، حتى لو كانوا آباؤهم وأمهاتهم قد وُلدوا هنا. وتبعاً لذلك، يحصل كل يهودي على حق التصويت للبرلمان، بينما لا يُعتبَر أمثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، في القدس الشرقية وفي قطاع غزة مواطنين، ولذا فهم لا يستطيعون المشاركة في الانتخابات العامة. تسيطر الدولة، سيطرة شبه تامة، على الأراضي في حدود الخط الأخضر (أكثر من 90% من الأراضي تحت سيطرة الدولة) حيث أقامت، منذ العام 1948، مئات البلدات لليهود بينما لم تُقم أية بلدة عربية جديدة. في مناطق الضفة الغربية، أقامت إسرائيل أمثر من 200 مستوطنة لليهود وتسمح باستغلال الأراضي لأغراض مختلفة، لليهود فقط، بينما تمنع، كلياً تقريباً، البناء والتطوير الفلسطينيين. المنطق السلطوي الإسرائيلي يتحقق بأبشع صوره في المناطق التي تحتلها منذ العام 1967: في الضفة الغربية، قتلُ الفلسطينيين أصبح روتينياً، تجمعات كاملة تضطر إلى الرحيل عن منازلها بسبب ظروف الحياة غير المحتملة جراء عنف الجيش والمستوطنين المسلحين الذين يخرجون لتنفيذ بوغرومات في القرى الفلسطينية. أما في قطاع غزة، فحياة أكثر من مليونيّ إنسان هي حياة غير إنسانية، من دون أية قدرة حتى على الرحيل أو الهرب. السجن المفتوح الأكبر في العالم.
هذه حقائق. ليست قصصاً ولا روايات ولا آراء.
مهما كان الاعتراف بها مؤلماً، لا يمكن التنكر وإنكار منطق دفع وتكريس الفوقية اليهودي الذي يوجِّه النظام الإسرائيلي، وهو منطق جليّ تماماً، لا يُبذَل حتى أدنى جهد لإخفائه أو التقليل من حدته: فقد رسّخته إسرائيل قبل خمس سنوات كمبدأ دستوريّ في قانون أساس: القومية. وفي الخطوط العريضة للحكومة الحالية، ترد هذه الأمور بصورة أكثر وضوحاً حتى: "للشعب اليهودي حق حصريّ لا سمكن الاستئناف عليه على كامل مناطق أرض إسرائيل".
نظام الأبارتهايد هو نظام تقوم في إطاره مجموعة واحدة بتكريس فوقيتها وسيطرتها على مجموعة أخرى، من خلال الممارسات السلطوية، القوانين والعنف المُنظَّم. هكذا هو النظام الإسرائيلي. نحن نتباهى بأننا "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". كذلك مواطنو جنوب أفريقيا تحت الأبارتهايد، والتي كانت مقسَّمة إلى مناطق حسب الانتماء العِرقي، كانوا يقولون لأنفسهم وللعالم إنهم "الديمقراطية الوحيدة في أفريقيا". هناك، أيضاً، كان أصحاب حق الانتخاب، البيض، يذهبون للتصويت في انتخابات "ديمقراطية" وحُرّة. ومرة أخرى ـ مهما كذبتَ على نفسك، الكذب لا يصبح حقيقة.
عندما يقف أعضاء الكونغرس الأمريكي ويصفّقون للأكاذيب حول "إسرائيل الديمقراطية"، "نصيرة المساواة والسلام" و"صاحبة الجهاز القضائي المستقل والقوي" فهم لا يساعدوننا على الحشد والدفع نحو مستقبل آخر، بديل، يقوم على المساواة والديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان. بدلاً من ذلك، هم يساهمون في استمرار القمع والعنف. هم يكرسون الأكاذيب التي تجعلنا مجتمعاً خائفاً، محطَّماً وقاسياً. من أجل تغيير هذا الواقع ـ ينبغي، أولاً، الاعتراف به. بدلاً من التصفيق والهتاف لقصص كاذبة، مُختلَقة، اعترفوا بالواقع وساعِدونا على تفكيك نظام الأبارتهايد. نحن جميعاً، جميع بني البشر الذين نعيش هنا، نستحق العيش في كنف الديمقراطية.