الانسان لا يموت دون مقدمات . ينتهي أولا ومن ثم يموت
نشر بتاريخ: 12/08/2023 ( آخر تحديث: 12/08/2023 الساعة: 11:11 )
عادة لا يموت الانسان الفرد بشكل غامض ، بل ينتهي رويدا رويدا ومن ثم يموت بكل يسر وسهولة . تنتهي أعضاء جسده واحدا تلو الاخر ومن ثم ينتهي دوره الاجتماعي ودوره الوظيفي فيصبح غير قادر على التعبير عن ذاته . ثم تذوي رغباته وتنحصر بالوظائف الاساسية للبقاء ، كالتنفس والرؤية أو السمع والذوق . وحتى هذه تصبح مهمات صعبة عليه وتتطلب منه جهودا مضاعفة للقيام بها . تقل رغبته في الأشياء مثل الجنس والتكاثر والظهور بشكل لائق في الهندام والشكل . ويبدأ بالتخلي عن قائمة طويلة من الاهتمامات السابقة .
اول ما يتخلى عن الرأي العام والنفاق الاجتماعي ويرمي بالأقنعة في اول فرصة . ثم يتخلى عن طوابير العلاقات غير النافعة والزائدة عن قدرته . يتخلى عن المناسبات الاجتماعية التي كان يركض لها من بلد الى بلد ، ثم يتخلى عن كل ما يسبب له تعبا جسديا او ارهاقا اجتماعيا او ارهاق التفكير ويصل الى مرحلة لا يطلب فيها الاعجاب المتبادل من أحد ، وتنحصر علاقاته في مصالحه الأهم للبقاء بشكل لائق .
يبدأ دوره في التقلص داخل المجتمع ، ثم داخل العائلة الكبيرة ، داخل الحزب ، ثم داخل الاسرة نفسها . ويتركز اهتمامه على خدمة نفسه ليحافظ على البقاء بالحد الأدنى . ويصبح هدفه الوحيد هو الاكتفاء كيلا يحتاج مساعدة الاخرين للوقوف او الجلوس او الوصول الى الحمام .
الحكومات مثل الافراد . يتراجع دورها من التدخل في كل شيء الى لا شيء تقريبا .وتصبح بالكاد تستطيع ان تبقي ذاتها على قيد الحياة .
الثورات مثل الحكومات . ينتهي دورها العام وتنتقل الى دورها الخاص في الحفاظ على ذاتها او ذواتها . تنتقل من مرحلة التضحية والاعمال العظيمة الى المهمات الوظيفية الانانية التي تخص جماعتها . تحاول الإبقاء على الشعارات الكبيرة لكن إنجازاتها
تصبح صغيرة وذاتية وانانية أكثر فاكثر حتى تتحوّل الى خط انتاج للألم والعذاب بمسميات واقنعة كبيرة .
لكل انسان بداية ونهاية . ولكل حكومة بداية ونهاية . لكل ثورة بداية ونهاية ولكل قيادة ذات المبدأ . وتختلف البدايات وتختلف النهايات ولكن صيرورة الحياة واحدة لا عواطف فيها .
هناك من يتقبل النهاية بشكل طبيعي . وهناك من يبكي ويصرخ ويذرف الدموع ويملأ الدنيا عويلا ويزعج كل من حوله كنوع من أنواع الانتقام . هناك من يستعد للانتقال من مرحلة انتهت الى مرحلة جديدة ، وهناك من يتشبث بالماضي في حالة انكار تصبح مزعجة أحيانا ومقرفة أحيانا أخرى .لكن النتيجة واحدة : كل الكائنات الحية وكل حركة اجتماعية وكل دولة لها بداية ولها نهاية .
ندخل الان عصرا جديدا تغضب فيه البحار والصحارى والشموس والاقمار وطبقات الأرض واقطاب الجليد ، ويتغير المناخ . وتبدأ الطبيعة الام بتلقين البشر دروسا جديدة في الأدب والتأدب .عصر يمزج بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي . وفي العصر الجديد ينتهي القديم وتنتهي الفواتير السابقة وتبدأ فواتير جديدة ومحاسبات جديدة .
تموت إسرائيل على الهواء مباشرة .تنتهي أولا وظيفيا وفي المهمات والدور وتذوي أسباب البقاء وتصبح عالة على المجتمع الإنساني ، ثم حين يحضر موتها سيكون طبيعيا جدا . المثقفون العرب يصعب عليهم فهم ذلك لانهم تربوا على ثقافة الهزيمة وجلد الذات بقسوة . ولكن اذا قرأنا ما يكتب المثقفون اليهود ومثقفو الغرب سندرك ذل بسهولة .
وفي نفس الوقت لا يمكن ان يكتفي المثقف العربي بالإعجاب بموت إسرائيل لوحدها . فالثورات تموت ، تنتهي أولا وظيفيا واجتماعيا واقتصاديا وسلوكيا ثم تموت بسهولة . لتنشأ أفكار جديد تخص جيل جديد يفتح عيونه على الحرية وعلى المساواة ويبحث عن فرصته في الحياة .والحياة لا تقبل ان يبلغ الشباب الثائر عامهم التسعين وهم يقودون ثورة الشباب !!!!
وفي النهاية لدينا سؤال لا يمكن تقسيمه الى جزء يخصنا وجزء لا يخصنا .
هل ندخل العصر الجديد بالأفكار القديمة وبنفس الأدوات القديمة ؟ ام نستعد لثورة انسان وثورة مجتمع عارمة وكاسحة تواكب التغيير المناخي والاجتماعي والقيمي والاستهلاكي والتعليمي والسلوكي ؟