|
فلسطين والتنمية: الإدماج والعدالة بدل الإقصاء والتهميش -جهود دون التوقعات
نشر بتاريخ: 17/08/2023 ( آخر تحديث: 17/08/2023 الساعة: 12:47 )
دكتوراه في الإدارة الإستراتيجية
جاءت هذه القراءة في تقرير التنمية العربية الذي جاء تحت شعار ازدهار البلدان كرامة الإنسان بعنوان تقرير التنمية الاجتماعية الثالث عدم إهمال أحد: إدماج الفئات المهمشة في بعض البلدان العربية، وخلص إلى أن عملية الإقصاء أو التهميش الاجتماعي عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تنطوي على إهمال الموارد ونقص السلع والخدمات والحرمان من الحقوق، وعدم القدرة على المشاركة في العلاقات والأنشطة العادية في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية. وناقش التقرير كيف يؤثر الإقصاء على نوعية حياة الأفراد وعلى التماسك المجتمعي وبالتالي يعيق تحقيق العدالة. وفلسطين ليست استثناءا من الدول العربية حيث تعاني المناطق الفلسطينية الجنوبية الأشد فقرا حسب الإحصاءات الرسمية وخاصة جنوب الضفة الغربية من التهميش المزمن في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية، وتعاني من عدم المساواة في فرص العمل والتمثيل في المؤسسات والوظائف في القطاعين العام والخاص وفي الحصول على الخدمات الرئيسية مثل المياه التي تصل مدينة فلسطينية كبرى في الجنوب مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، وتعاني من بنية تحتية صحية واجتماعية ومعدلات فقر صعبة جدا، يلقي بظلاله على زيادة مشاعر التهميش لدى غالبية المواطنين الفلسطينيين هناك تجاه دور الحكومة. ولا يخفى على احد أن خطة التنمية الدولية المستدامة 2030 وأهداف التنمية المرافقة لها تتمحور حول مبدأ عدم إهمال أحد، وأهمية أن تشمل عملية التنمية جميع الفئات المجتمعية التي تعاني من الإقصاء والتهميش، وتختلف مقاربات التنمية المتعددة حول كيفية ترجمة مبدأ عدم إهمال أحد إلى الواقع، فهل يكفي اعتماد النهج التضميني لمعالجة مسألة التهميش؟ هل يكفي ضمان المشاركة الفاعلة في السياسات العامة للقضاء على التهميش؟ أم أن المقاربة الحقوقية في عملية التنمية المستدامة هي الكفيلة بضمان عدم إهمال أحد؟ هل هناك سياسات عامة مطبقة فعليا لمعالجة الإقصاء والتهميش؟ للإجابة على بعض تلك التساؤلات، فقد اكتسب موضوع العدالة والإدماج الاجتماعي أهمية متزايدة في العقدين الماضيين خاصة، مع انطلاق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ومع بدء ما يعرف بـالربيع العربي الذي أظهر مدى اللامساواة والتهميش اللذين تعاني منهما فئات واسعة من المجتمعات العربية، وما تبعه من حروب وقمع وتهجير وسجن وفقر في بعض البلدان العربية ومحاولات للعبور إلى الديمقراطية في عدد قليل منها، في حين أصبحت التنمية والعدالة الاجتماعية ضرورة ملحة لضمان الاستقرار والأمن، وتمثل العدالة والإدماج الاجتماعي أبرز أعمدة الاستقرار والتنمية والسلام في المنطقة. ومع ازدياد التحديات التي تواجهها فلسطين في هذا المجال وإعادة التفكير فقد أصبح من الملح أيضا معالجة أسباب ذلك دون تأخير. ولقد أولت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(الإسكوا) أهمية لموضوع التنمية والعدالة الاجتماعية في السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص، تجلت في مجموعة من الدراسات والتقارير حول التنمية الاجتماعية في المنطقة العربية، وتناولت جوانب معينة من التنمية والاستدامة، كالاقتصاد والفقر والتكنولوجيا والقضاء والحوكمة والهجرة، وركزت على شرائح المجتمع التي تعاني من الإقصاء. وعلى الرغم من بعض الجهود لإشراك الجميع إلى أن المهمشين في جنوب الضفة الغربية لم يلمسوا ذلك في المجال التنموي، ويعبرون عن ذلك في تراجع الخدمات ويقولون ما قاله الأخ الرئيس أبو مازن أمام الأمم المتحدة في تحديه لكيل العالم بمكيالين، إن كان غير ذلك (حطوا عند عينينا) لمن يدعي غير ذلك، إلا أنه وحسب تقرير عام 2013 بعنوان المواطنة والمشاركة المدنية في مسارات التحول الديمقراطي، الذي ألقى الضوء على مسارات الانتفاضات الشعبية ومآلات التحول الديمقراطي في بعض البلدان العربية بمقارنة المخاضات السياسية آنذاك بتجارب مماثلة من العالم. وفي تقرير عام 2015 بعنوان مسار طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقة العربية، الذي تضمن بحث العدالة الاجتماعية في المنطقة، لاسيما في فترة ما بعد التغييرات السياسية التي شهدتها المنطقة، وقد حدد التقرير أربعة مكونات للعدالة الاجتماعية هي: المساواة والإنصاف وحقوق الإنسان والمشاركة. وفي تقرير عام 2018 للإسكوا بعنوان " اللامساواة والاستقلالية والتغيير في العالم العربي " حول تأثير انعدام المساواة ومحدودية الاستقلالية الذاتية على التسوية السياسية السائدة في المنطقة، دعت إلى تحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص الحصول على وظائف لائقة، ومواءمة الاستقلالية الذاتية للفرد مع شعوره بالسيطرة على حياته، بالإضافة إلى تعزيز التماسك الاجتماعي. على الرغم أن دول العالم عامة حققت تقدما غير مسبوق في العقود القليلة الماضية، فقد خفضت مستويات الفقر انخفاضا ملحوظا في مختلف أنحاء العالم، وبات الناس يتمتعون بصحة أفضل، وبمستوى تعليمي أفضل، وباتوا أكثر تواصلا، ولكن هذا التقدم متفاوت، فاللامساواة الاجتماعية والاقتصادية لا تزال قائمة، لا بل تفاقمت. ولا تزال المجموعات المهمشة تواجه عقبات جمة تحول دون مشاركتها الكاملة والحقيقية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وعلى الرغم أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها 193 دولة عضو في الأمم المتحدة في عام 2015 ركزت على الشمولية وتحقيق الازدهار المشترك، مع التعهد بضمان "عدم إهمال أحد" وبالوصول أولا إلى الفئات الأكثر تهميشا وفقرا، وتعكس خطة 2030 مضامين العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ أكدت ضرورة إشراك الجميع في عملية التنمية، وتمكين وتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجميع، بغض النظر عن مكان السكن او العمر أو الجنس أو الإعاقة أو الانتماء العرقي أو الإثني أو الأصل أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك، وقد انطلق تقرير التنمية الاجتماعية من مبدأ "عدم إهمال أحد" الذي ترتكز عليه خطة2030كما يستند إلى الإطار الذي اقترحته الأمم المتحدة الإنمائي في ورقة عام 2018 بعنوان "ما معنى عدم إهمال أحد"، للمساعدة في تحقيق خطة 2030 .وقد حدد ذلك الإطار خمسة عوامل رئيسية تؤدي إلى الشعور بالإهمال أو الإقصاء وهي: التمييز، والموقع الجغرافي، ونظام الحوكمة المعتمد، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والصدمات كالصراعات والحروب. ويسلط الضوء على نماذج من الفئات والمجموعات المقصاة في المنطقة العربية و سُبل شملها بالتنمية المستدامة بإشراكها وتمثيلها وتفعيل دورها المدني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد اختيرت لهذه الغاية فئات سكانية ومناطق تشبه الى حد كبير المناطق الفلسطينية التي تعاني من التهميش والفقر في ثلاث دول عربية هي تونس ولبنان ومصر كحالات ميدانية لتقصي أوجه الإقصاء وأسبابه والسياسات والمبادرات المحلية التي هدفت إلى معالجته،ونظريات المفكرين حول التنمية الاجتماعية وما تتضمنه من مفاهيم الإقصاء والإدماج والعدالة الاجتماعية، والمقاربات المختلفة لدراسة التنمية الاجتماعية والمسائل المتصلة بها، لتوضيح النهج الذي يعتمده هذا التقرير في دراسة المهمشين والتنمية الاجتماعية بما يتلاءم مع التحديات التي تواجه المنطقة العربية، وقد بين التقرير ان الاقصاء والتهميش ناجمة بشكل أساسي عن الموقع الجغرافي للفئات الاجتماعية قيد الدرس، وأيضا عن ترابط الأسباب الأساسية لحالات الإقصاء التي حددها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا سيما الحوكمة الضعيفة، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والصدمات كالحروب والصراعات التي تؤدي النقص في السكن اللائق وفي الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها وارتفاع وتيرة التشهير بهم. وقد خلص التقرير الى انه لا يزال الطريق إلى التنمية العادلة يمر بالكثير من الصعوبات. ولا تزال فئات اجتماعية عديدة تعاني من التهميش على أصعدة مختلفة إدارية وقانونية ومؤسسية وثقافية، وتفتقر إلى فرص الحصول على الخدمات الأساسية. ويعود تاريخ التهميش إلى أكثر من نصف قرن، مما يظهر فشل محاولات التنمية التي شهدتها المنطقة على مدى العقود الماضية. وقد أظهرت الدراسات أن الوضع ازداد سوءا وخاصة مع توجه معظم أنظمة الاقتصاد إلى اعتماد سياسات ليبرالية ثبت أنها تعمق تفاوت الثروات بين فئات المجتمع الواحد، بينما شحت التقديمات الاجتماعية التي توفرها الدولة. ومع تدهور الأوضاع السياسية وتزايد صعوبة معالجة جذور اللاعدالة من قوانين وسياسات. وتتطلب أي معالجة للتهميش التزاما بقيم الديمقراطية ًمن الدولة ومؤسساتها والتزاما بالعدالة الاجتماعية. وتصعب معالجة التهميش في المناطق العربية من خلال سياسات السوق الحرة، وخاصة في ظل شيوع الفساد والمحسوبيات وغياب تكافؤء الفرص. وتظهر الدراسات أن مساحات المشاركة السياسية في المنطقة العربية في تقلص دائم وخاصة في الخدمات الأساسية. فالفقر والتهميش والحرمان في ازدياد ونسب البطالة بين الشباب في ارتفاع. ورغم تحقيق بعض التقدم في حقوق المرأة ومشاركتها في سوق العمل الا انه لا تزال صعوبات جمة تواجه النساء والمسنين. وتجدر الإشارة إلى أن التوصيات أجمعت على أهمية اتباع مقاربة تنموية تشاركية ترتكز على العدالة الاجتماعية وتشمل جميع الفئات المهمشة، وأهمية اعتماد مفهوم للتنمية يرتكز على مبدأ عدم إهمال أحد، لمعالجة أسباب التمييز ونتائجه، مع الاهتمام بالبعد الجغرافي للتنمية وخاصة مناطق الأطراف وتؤكد نتائج دراسة الحالات على استحالة تحقيق التنمية العادلة من دون سياسات وأنظمة حكم تعتمد مبدأ العدالة والمساواة.
|