|
حول ثقافة وكلفة الأحتلال العنصري و "الغطاء الدولي" لأستمراره
نشر بتاريخ: 22/08/2023 ( آخر تحديث: 22/08/2023 الساعة: 18:53 )
لكن "الاقتلاع والمحو والتطهير والأحلال " ليس السياسة المادية الوحيدة لمحاولاتهم الغاء وتغييب وجود فلسطين والفلسطينيين فحسب ، بل ويتم ايضا من خلال السياسات الغير مادية المتعلقة بثقافة الأحتلال الاستعماري ذات الفوقية اليهودية والعنصرية الهادفة الى تزوير رواية التاريخ وإعادة سرد أحداث الماضي وفق ادعاءاتهم وسرقة وتزوير حقائق التراث الثقافي وتشريع القوانين العنصرية ومحاولة إعادة صياغة شكل نظامهم الأستعماري بمنحى ديني . وتلعب ثقافة الحركة الصهيونية ومؤسسات دولة الاحتلال الإسرائيلي دورًا نشطا في هذا الجهد الثقافي الأستعماري بمساندة حلفاؤها وخاصة في روايتهم حول الهولوكوست واشاعة فزاعة معاداة السامية ، رغم ان الصهيونية هي العدو الأساس للسامية التي ننتمي نحن الكنعانيين لها . وتعود ملامح هذه الخطة في الرؤيا الصهيونية الهادفة إلى السيطرة على كامل أرض فلسطين إلى تيودور هيرتسل ، وهي خطة أميركية – إسرائيلية تتحدى مبادئ تقرير المصير المبني على العدالة. كما أنها تعكس الانحياز الأميركي الكامل في دعم الأهداف الإسرائيلية التوسعية العنصرية ، في مخالفة مفضوحة للأعراف الدولية ومعاهدات و قرارات الأمم المتحدة. فالغرب المنحاز بنفاقه والدول الاستعمارية لا يزعجهم كثيرا استمرار الأحتلال الأستيطاني في فلسطين كما استمرار أي شكل من أشكال الأستعمار الجديد المتبقي في عدد من الدول كأفريقيا مثلا التي ينهبون ثرواتها ، طالما هذا الأستعمار الذي عاد لها بثوب اقتصادي ، او الأحتلال الذي لا يشكل نوعا من الخطر او التهديد أو الكلفة على مصالحهم المتعددة دون دفع الثمن . فمنذ فترة من الزمن ورغم تقارير ممثلي دول الأتحاد الأوروبي بالقدس ورام الله المرفوعة لحكومات دولهم ولبروكسل حول جرائم الاحتلال ، وقرارات البرلمانات الأوروبية بضرورة الاعتراف بدولتنا المستقلة الأمر الذي لم تنفذه الحكومات ، الا ان في معظم المناسبات يتسابق مسوؤلين الاتحاد الأوروبي الرسميين من معظم دوله التي يصعد اليمين واليمين الشعبوي السياسي فيها على تعزيز الشراكات مع إسرائيل في قطاعات مختلفة وأحياء الأحتفالات في "ذكرى تاسيسها ال ٧٥ " مؤخرا . كما وفي إدانة كفاح شعبنا بأشد العبارات ، الذي يستهدف مستوطنين او جنود الأحتلال أن كان بالقدس المحتلة أو بمدننا ومخيماتنا الأخرى ، وبكل معاني ازدواجية المعايير والتنكر لمواقفهم هم أنفسهم في زمن كفاح شعوبهم ضد الوحش النازي والإرهاب وبعض مظاهر الديكتاتوريات العسكرية في عدد من دولهم الأوروبية اوائل سبعينات القرن الماضي وفي مقاطعة نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا سابقا، وفي التنكر لقيم المقاومة باشكالها المختلفة التي وفرتها لشعب مُضطَهد ومُحتَل كافة المواثيق الدولية كحق طبيعي ، كانوا هم انفسهم طرفا بالتوقيع عليها . في تصريحات هؤلاء المسؤولين الأوروبين الذين تغيب مواقف ادانتهم الواضحة لجرائم الأحتلال اليومية ضد ابناء شعبنا واجراءات القمع الوحشي ضد الأسرى في مخالفات واضحة لاتفاقيات جنيف ، باتوا يساوون بين الجلاد والضحية ويوفرون لدولة الأحتلال نوعا من الغطاء و "الشرعية الدولية" بتبرير ما يسمونه ، "حقها بالدفاع عن نفسها " ويقدم بعضهم الحماية الدبلوماسية لها بالمحافل الدولية بعدم تقديمها للمحاسبة او عقابها ، وهم قد كرروا وما زالوا مواقفهم بأهمية أمن إسرائيل الذي يشكل بالنسبة لهم اولوية قصوى ، غير مدركين أو لا يريدون أن يدركوا عمدا وهو الأصح باعتقادي ، أن أمن إسرائيل لا يتوفر من خلال ممارسة احتلال بشع وتميز عنصري وجرائم يومية ترتقي إلى شكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني الذي يتوق للسلام القائم على الحرية والعدالة في أرضه التي أصبح يحكمها نظام الفصل العنصري الاستعماري . لكن الشعوب ومناصري الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان في هذا العالم وتحديدا بالقارة الأوروبية التي انتصرت سابقا على كل أشكال الاستعمار و النازية وحققت أهدافها بالتحرر الوطني والاستقلال ، يقفون اليوم تضامناً مع فلسطين ، ويدعمون حق شعبنا الفلسطينيين في استخدام كل أشكال الطرق المشروعة في مقاومة الاضطهاد والتمييز العنصري، بما في ذلك المقاومة الشعبية وفي النضال من أجل المقاطعة الاقتصادية ، الأكاديمية، الثقافية وغيرها من الأشكال. وسحب الاستثمارات ، وفرض العقوبات على إسرائيل كدولة احتلال وفصل عنصري ، الأمر الذي يجب البناء عليه من جانبنا وتطوير أشكال الشراكة الشعبية والرسمية معهم خاصة مع تطور ادائهم وادوارهم اليوم . فهذه الطرق شكلت أدوات نضالية استخدمها بنجاح الإيرلنديون والهنود وشعوب جنوب أفريقيا في نضالهم العادل ضد الاستعمار والطغيان والابرتهايد ، كما وتُستخدم هذه الوسائل النضالية اليوم من جانب الأميركيين السود في دعوتهم إلى مقاطعة المؤسسات التي تساهم في اضطهادهم وقمعهم وفق عنصرية الفوقية البيضاء. إن من دعم ويدعم هذه الحركات حول العالم يفترض به دعم كفاح الشعب الفلسطيني وحقه في استخدام كل الطرق المشروعة في نضاله ضد توحش الأحتلال الإسرائيلي المستمر ونظام الفصل العنصري كمكروه انساني في سلب أراضيه والاستيطان فيها ومنعه من ممارسة حقوقه القومية . هذا الغرب الأستعماري عِبر تاريخه وهؤلاء الأوروبين بالغرب لا يريدون النظر إلى واقع الأمور الحقيقية بعدالة ويصرون على عدم تحمل مسوؤلياتهم الاخلاقية والسياسية بل والقانونية في انهاء هذا الأحتلال الأستعماري الذي لا يستهدف شعبنا الفلسطيني وحقه في تقرير المصير كمبداء سامي للشعوب فقط ، وانما لميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي وحتى مبادئ نشؤ اتحداهم الأوروبي نفسه ، كما يستهدف ايضا الأمن والسلم الدوليبن خاصة في منطقتنا ، ويبدوا انهم لا يريدون العمل الجاد من أجل الأمن والاستقرار الذي يتحقق فقط من خلال إنهاء هذا الأحتلال الإرهابي وتداعياته اليومية التي يجب أن تحظى باولوية ادانتهم العملية وفرض عقوباتهم كما فعلوا مع عدد من الدول ويفعلون الآن مع روسيا التي يحاولون محاصرتها وتقويض دورها ومؤخرا بحق النيجر ودول أخرى . لكنه انحيازهم والنفاق السياسي الذي تستوجبه مصالحهم وتبعيتهم لسياسات الهيمنة الأمريكية وثقافتهم الاستعمارية القديمة بل وما تسببوا هم فيه من عدم حل المسألة اليهودية بمجتماعاتهم وتصديرها من خلال موجات الاستيطان الى وطننا . هذا في وقت ترفض الشعوب الأوروبية واحزابها التقدمية واليسارية الصديقة ، بل وحتى منظمات امريكية تقدمية وكنائس كثيرة ويهودية ايضا تلك السياسات والمواقف الرسمية الاميكية والأوروبية الاطلسية التي تكاد أن تكون منحازة بشكل فاضح أن لم تكن كذلك فعلا منذ البدايات أمام تلك الوقائع . من جهتها الولايات المتحدة الامريكية كأدارة بالبيت الابيض او بالكونغرس وهم الداعم الأساس لدولة الاحتلال بل وصاحبة مشروعها الاستيطاني منذ نشاتها تساند وتعطي الغطاء الدولي لنظام الأحتلال الاستيطاني بكل المعايير المالية ، العسكرية ، الامنية الاقتصادية والدبلوماسية . وهي اي الولايات المتحدة لم تنسحب من المنطقة كما يعتقد البعض ، فبالإضافة إلى مهمتها الاستراتيجية في حماية اسرائيل على الارض وبمجلس الأمن والاعتماد عليها في تنفيذ رؤيتها ، فهنالك ما تبقى من محاولات لها لترتيبات في مواجهة التمدد الصيني والروسي ولتنفيذ مشروعها القديم حول الشرق الأوسط الجديد من جهة . لقد استفادت دولة الأحتلال الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقيات أوسلو التي تنكرت هي نفسها لها لاحقا ، من ما اتيح لها بتقديم نفسها امام المجتمع الدولي كشريك في عملية سلام "جارية" ، واستعادت بذلك العديد من العلاقات الدبلوماسية مع دول كانت قد قطعت معها تلك العلاقات سابقا كدولة أحتلال . لقد كان من الخطاء بأننا لم نعترض نحن بشكل جوهري على ذلك أمام تلك الدول اعتقادا من البعض منا بأن عودة تلك العلاقات ستشكل عامل ضغط على إسرائيل للألتزام بالقرارات الدولية وستساهم في احياء عملية السلام المفترضة ، مما ساهم في تدني كلفة الأحتلال واستمرار بقاء دولة الاحتلال فوق القانون الدولي كدولة مارقة ايضا دون كلفة حقيقية . أن مراجعة وتقييم هذا الأمر بشكل موضوعي ونقدي أصبح اليوم ضروريا امامنا للمساهمة في تحديد رؤيتنا الإستراتيجية وخطوات عملنا التي تحتاج إلى برنامج وادوات واضحة تفضي الى عزل ومقاطعة دولة الأحتلال وملاحقتها بالمحاكم الدولية والجنائية وعقابها ، ولاعادة صياغة شكل العلاقة مع الأحتلال من طرفنا ، كما ولمطالبة المجتمع الدولي من جهة ثانية بمراجعة واعادة دراسة تلك العلاقات معها وما تؤدي له من نتائج سلبية على مسار الضرورة لانهاء الأحتلال ونظام الفصل العنصري اولاً ، ومن أجل الاعتراف بدولة فلسطين من خلال العلاقات الثنائية مع تلك الدول كما وفي هيئة الأمم كدولة كاملة العضوية التي نسعى الى إنجازها قريبا . فقط هذا النوع من الإجراءات والاَليات سينجح في فرض تكلفة باهظة على دولة الاحتلال وفي جعل استمرار الأحتلال مكلفا سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا ، وسينجح ربما في مجابهة المخاطر التي تهدد السلام والأمن الدوليين والمتأتي من الرؤية الصهيونية الامريكية ومناصريها حول العالم ، خاصة مع ما يجري من نهاية للنظام الدولي احادي القطب . فهنالك أمثلة كفاحية مضيئة واتفاقيات لأنهاء مراحل الأستعمار متعددة ماثلة أمامنا بالتاريخ قد خدمت هدف حرية شعوبها وتحررها او قد حققت سلاما بين الشعوب يجب الاسترشاد بها رغم اختلاف الظروف ، طالما نحن ما زلنا في معركة تحررنا الوطني الديمقراطي ، وهو ما يجب أن يكون معيار رؤيتنا وثقافتنا التحررية ذات البعد الانساني والمضمون الكفاحي حتى نحقق الحرية والأستقلال الوطني . ولِنكن أنفسنا ، فقد أتخذ الجميع أدوارهم . |