|
الفلسطينيون ضحايا وأكثر
نشر بتاريخ: 23/08/2023 ( آخر تحديث: 23/08/2023 الساعة: 10:49 )
أثار أستاذ العلوم السياسية الدكتور رائد موسى العلي قضية بالغة في الأهمية تتلخص فيما يلي: بعد صفقة بيع دولة الاحتلال الإسرائيلي لنظام "مقلاع داوود" بـ345 مليون دولار لفنلندا، تعقد هذه الأيام صفقة جديدة بـ4.3 مليار دولار لبيع ألمانيا منظومة "حيتس 3" لاعتراض الصواريخ. الحقيقة الثابتة هي أن دولة الاحتلال أصبحت في مصاف الدول المتقدمة عالميا بصناعة وبيع منظومات اعتراض الصواريخ أو ما هو معروف باسم "القبة الحديدية"، بالإضافة إلى صادرات أخرى من التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. ليس في الدول الأوروبية فحسب. بل من خلال مراجعة بعض الأرقام والبيانات لدول في القارة الأفريقية، نرى التغلغل الإسرائيلي من خلال صادرات إسرائيل العسكرية التي باتت تغزو القارة السمراء. وأكثر من ذلك في بعض دول آسيا وشرق أوروبا أصبحت لإسرائيل الريادة في أسواق الأسلحة المتعطشة هناك للتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، في ظل تصاعد المخاوف من نشوب حروب كامتداد سياسي واقتصادي للحرب الروسية – الأوكرانية. وأستقي هنا مباشرة من الدكتور رائد موسى العلي مع إضافات سياسية لاستكمال الفكرة: دولة الاحتلال ما كان لها هذا التفوق العسكري دون وجود "حقل تدريب مفتوح جغرافيا" والمسمّى قطاع غزة. ما كان لها هذا التفوق دون المسرحيات التي تقدمها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى بعض الكومبارس الذين تتركهم دولة الاحتلال يصنعون الصواريخ البدائية. بل ربما تساعدهم في امتلاكها، وتتركهم يستخدمونها رغم قدرتها الشاملة على مسحها في أرضها قبل استخدامها. القطاع ساحة مثالية من الناحية الجغرافية التي تستوعب كمّ وحجم القوة التدميرية للأسلحة التي استخدمتها إسرائيل لتسويقها فيما بعد لدول العالم المختلفة. أكرر، فصائل إيران في فلسطين وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد، جعلت من قطاع غزة "حقل تجارب" مثالي. بعد الهدوء المتفق عليه على جبهة جنوب لبنان في تبادل أدوار منسجم بين أدوات "نظام الملالي" في المنطقة. بل وأكثر من ذلك جعلت دماء سكان قطاع غزة تجارة رابحة لها ولإيران ولدولة الاحتلال كل حسب مصلحته، وبتلميع وإخراج سياسي وإعلامي من قناة الجزيرة التي قلبت المشهد، بوهم شعارات تمجيد المقاومة الفارغة، التي من شأنها تقزيم الأسباب الحقيقية من وراء هذه الحروب، لتصبّ نحو مصالح دولة قطر اللاهثة وراء امتلاك أوراق عبور سياسية تقدمها على أبواب محافل الإدارات الأميركية المتعاقبة. سياسيا، خلقت هذه الحقيقة تحديات نابعة من الواقع المرير الذي يستهدف عمق الوطنية الفلسطينية، فرفع الأصوات العاقلة لم يعد يكفي في وجه هذه الحماقات التي ترتكبها قوى وفصائل تدّعي المقاومة وما يلتف من حولها من جيوش الغوغاء في فضاءات التواصل الاجتماعي الذين يحرّفون البوصلة من خلال ترويج قصور رؤية المشهد الحقيقي من وراء هذه الحروب. فالوعي الجمعي السياسي الفلسطيني يجب أن يدرك الحقائق جميعها، فلا ينظر إلى جزء من المشهد فقط من خلال شعارات بالية ومستهلكة عن المقاومة أو السخرية من النداءات المتتالية التي أطلقها الرئيس الفلسطيني في المنابر الدولية من منطلق تحقيق مطلب الحماية للشعب الفلسطيني، الذي لم يتبق أحد في العالم إلا وتاجر به وبدمائه وبقضيته. لذلك طرح مسألة ما يسمّى بسلاح المقاومة لم يعد من المحرّمات، فالأحداث تثبت يوما بعد آخر أن هذا السلاح المقيت لم يجعل من الفلسطينيين مجرد ضحايا قتل من نظام عنصري استيطاني محتل، بل تعدى الأمر إلى جعلهم حقول تجارب لصناعات الأسلحة الإسرائيلية بشقيها الهجومي والدفاعي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تقل أهمية عمّا سبق، وهي إضافة محور جديد يجب أن تتبناه الرواية الفلسطينية على المستوى الرسمي من خلال طرح حقيقة أن الشعب الفلسطيني ليس ضحية الاحتلال فقط بعنصريته وبطشه وإرهابه، بل يجب تقديم الأدلة من خلال جهات معتمدة ذات شفافية دولية تساعد في إثبات أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الشعب الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية كحقل تجارب لصناعاتها العسكرية. الجريمة ليست جريمة واحدة بل جريمتان وأكثر من ذلك.
|