|
إسرائيل تجهز نفسها لمواجهة الجنائية الدولية
نشر بتاريخ: 24/08/2023 ( آخر تحديث: 24/08/2023 الساعة: 09:06 )
نشر موقع «يديعوت أحرونوت» مطلع الأسبوع الحالي، تقريرا مطوّلا حول جلسة سريّة للجنة الدستور والقانون والقضاء التابعة للكنيست، عُقدت قبل أشهر، حول تداعيات مشروع «إصلاح القضاء» على إمكانية محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ويبدو أيضا أنه كانت هناك جلسات سريّة أخرى جرى خلالها بحث تعرّض ضباط الجيش، وحتى القيادات السياسية للملاحقة والمساءلة جراء ارتكاب جرائم حرب، إذا جرى الإقرار دوليا بأن القضاء الإسرائيلي لم يعد ـ «مستقلا وقويا وعادلا» ـ كما ارتسمت صورته المزيّفة حتى الآن. الجلسة السرية شارك في الجلسة المذكورة، التي نشرت تفاصيل عنها هذا الأسبوع، أعضاء كنيست ومسؤولون أمنيون من الجيش والشاباك والموساد ومجلس الأمن القومي، وأجمعوا في حديثهم، خلال الجلسة، على أن هناك خطرا فعليا وداهما، بأن يتعرّض ضبّاط إسرائيليون للاعتقال والمحاكمة في الجنائية الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تبعا للشكاوى التي قدّمت للمحكمة الدولية، ولقرار التحقيق في «الحالة الفلسطينية» الذي اتخذ عام 2021. وقال المسؤولون الأمنيون بأن المحكمة العليا الإسرائيلية في وضعها الحالي هي «درع واقٍ» للقيادات العسكرية والسياسية أمام «خطر» التعرّض للملاحقة والاعتقال والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم، وإذا جرى تنفيذ مشروع «تغيير القضاء» فهذا سيؤدّي إلى تغيير مكانة القضاء الإسرائيلي في المحافل الدولية، وبالتالي إلى خسارة «الدرع». وشكا المتحدثون في الجلسة السرية، من أنه إذا جرى إضعاف القضاء، سيصبح من غير الممكن تنفيذ سياسات والقيام بممارسات تدخل ضمن صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية، دون التعرّض للمحاكمة وللعقاب، الذي يصل حتى إلى السجن المؤبّد. وقالوا بأنّه في حال فقدان «استقلالية» القضاء، تفقد إسرائيل الحماية القانونية للاحتلال والاستيطان ومصادرة الأراضي وإطلاق النار على المتظاهرين وارتكاب جرائم الحرب. وتطرقت المداولات إلى أن بناة وحرّاس جدار الفصل العنصري، على سبيل المثال، قد يتعرّضون للمحاكمة في لاهاي، وشدّدوا على أنه لولا حماية المحكمة العليا، لوجد الجنرال هرتسي هليفي، رئيس الأركان الإسرائيلي نفسه في قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية، لأنّه هو الذي أصدر الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين على السياج المحيط بقطاع غزّة في السنوات 2018 – 2020، والقانون الدولي يحرّم إطلاق النار على متظاهرين عزّل. وقد أجازت المحكمة العليا هذه الممارسة الإجرامية وصادقت عليها وحمتها من تدخل المحكمة الجنائية الدولية. لا يستطيع أي رئيس وزراء أو وزير أمن أو أي مسؤول إسرائيلي تجاهل مثل هذا القلق في المؤسسة الأمنية، ولكن هؤلاء يستمعون إلى آراء مختلفة أيضا، ومنها مثلا التقرير الذي أصدره «منتدى كوهيليت» الذي يعد العقل المدبّر لليمين الإسرائيلي. وجاء فيه أنّ «اللغة المتداولة بشأن المحكمة الجنائية الدولية والإصلاحات القضائية، تعطي هذا الجسم تقديرا وسطوة أكثر بكثير مما يستحق. فخلال عشرين عاما منذ إقامته أدان ستة أشخاص فقط بارتكاب جرائم فظيعة، ولم يستطع فرض عقوبات جدّية على دول رفضت التعامل معه.. هذا لا يعني أن الأنشطة السلبية للمحكمة الجنائية الدولية ليس لها ثمن دبلوماسي، لكنّها لا تمثّل عقوبات صعبة تستلزم أخذها بعين الاعتبار في عملية اتخاذ القرار الديمقراطي في إسرائيل». ويشن اليمين الإسرائيلي هذه الأيام هجوما مضادا لدحض الادعاء بأن التغييرات القضائية تؤثّر جديا في مكانة القضاء الإسرائيلي في «عيون» الجنائية الدولية، وبأن الادعاءات الإسرائيلية ضد التحقيق الدولي قد ضعفت. ومن المهم الانتباه إلى أنّه لا فرق بالمرة بين اليمين واليسار، حين يتعلّق الأمر بحماية مجرمي الحرب الإسرائيليين، بل إن «اليسار» يدّعي أنّه أكثر حرصا عليهم، وأنّه أكثر قدرة على الدفاع عنهم. ادّعاءات إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، نُشر في إسرائيل كم هائل من الأبحاث والتقارير والمقالات عن المحكمة الجنائية الدولية وصلاحياتها، وعن إمكانية تعرّض إسرائيل وقياداتها للمحاسبة والمحاكمة في لاهاي. وجرى كذلك تشكيل لجان تخصصية مشتركة لطواقم قضائية وأمنية وسياسية لمواجهة «المخاطر» المحتملة. وتعتقد نخب الدولة الصهيونية بأن الجنائية الدولية قد تشكّل تهديدا جدّيا، ولكنّها تعتقد أيضا بأنّه يمكن «درء» هذا الخطر، باتخاذ تدابير وإجراءات وقائية وبالاجتهاد في تجهيز الادعاءات المضادة. ومن التدابير التي جرى تبنيها والعمل بموجبها إعطاء استشارة قضائية متواصلة للوحدات العسكرية القتالية لضمان ارتكاب الجرائم، من دون التعرّض لتهم جنائية، وهناك أكثر من «إبداع» إسرائيلي لافت في هذا المضمار. وتستغيث المؤسسة الأمنية للحفاظ على استقلالية القضاء كوقاية من تهم ارتكاب جرائم حرب. ومن أجل تقويض المزاعم الإسرائيلية قضائيا وإعلاميا ودبلوماسيا، يجب أن نعرفها أولا، ويمكن، وباختصار شديد، تلخيص الادعاءات الإسرائيلية بما يلي: كاتب وباحث فلسطيني |