وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إطلاق سراح القائد المناضل مروان البرغوثي أمر الساعة فتحاويًا ووطنيًا، فهل من مُجيب؟

نشر بتاريخ: 31/08/2023 ( آخر تحديث: 31/08/2023 الساعة: 12:08 )
إطلاق سراح القائد المناضل مروان البرغوثي أمر الساعة فتحاويًا ووطنيًا، فهل من مُجيب؟

انخرط المناضل الدكتور مروان البرغوثي في مقاومة الاستعمار الإسرائيلي في سنّ الطفولة، وطوال نصف قرن وحتى الآن كرّس حياته من أجل حرية شعبه ووطنه، ولم يتوقّف عن النضال لحظة واحدة فهو ليس من نوع المناضلين الموسمين، الذين ناضلوا في مرحلة من المراحل ثم تصرّفوا باعتبارهم متقاعدين عن النضال. والحقيقة أن الانخراط في النضال والمقاومة أمرًا سهلاً وممكنًا ولكن الأصعب هو الذي يحتاج إلى إيمان عقائدي وإلى صلابة الانتماء وصدقه هو الاستمرارية والصمود وعدم الاستسلام للإحباط واليأس أو إغراءات الحياة وامتيازات السلطة والمناصب. وفي كل مراحل النضال ظلّ أبو القسّام حارسًا أمينًا على المبادئ والقيم النضالية وقواعد السلوك الثوري، وظلّ شامخًا على قمّة الجبل عندما غادره الكثيرون سعيًا ولهثًا وراء الغنائم. ومنذ انخراطه في المقاومة في سنّ الطفولة وطوال مراحل حياته يشهد له رفاقه على صلابته وصدقه وثباته ومهاراته القيادية وروح التضحية العالية التي ليس لها حدود، وكذلك روح المبادرة والإبداع وتقدّم الصفوف الأولى، وقد رأى في حركة فتح أقصر الطرق للحرية والتحرير والتحرّر ولكن أيضًا أصعبها، واعتبرها دومًا حركة الشعب الفلسطيني بكل طبقاته وفئاته وشرائحه وتياراته، وأصرّ دومًا على أنها حركة التنوع والتعدّد ورفض اختزالها بلون أو تيار أو جماعة أو شخص، وتدرّج في صفوفها من عضو في خلية عسكرية مرورًا بكل محطّات النضال والمراتب التنظيمية وصولاً إلى الخلية الأولى وعضوًا في اللجنة المركزية منذ المؤتمر السادس عام 2009، مرورًا بعضويته في المجلس الثوري منذ العام 1989 بعد إبعاده ونفيه بقرار عسكري استعماري من قِبَل الحكومة الاستعمارية آنذاك.

واللافت أن المناصب التي شغلها المناضل مروان البرغوثي كانت بالانتخاب الديمقراطي سواء في اللجنة المركزية والمجلس الثوري أو اللجنة الحركية العليا أو قيادة الشبيبة ومجلس الطلبة أو التشريعي وغيرها، مما جعله أكثر قادة فتح دفاعًا عن الديمقراطية مُعتبرًا إياها أحد أهم مصادر قوة الحركة وقوة الشعب الفلسطيني، واعتبرها دومًا أحد أعمدة الكفاح والنضال الفلسطيني ووسائله، ودافع دائمًا عن التعددية والتنوع في إطار وحدة الحركة والوحدة الوطنية، ورأى دومًا أن حركة فتح قائدة للوحدة الوطنية وعمودها الفقري، وكان له الدور الريادي في تأسيس وقيادة المنظمة الجماهيرية والشعبية الأكبر في تاريخ حركة فتح وفي تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، منظمة الشبيبة بفروعها الطلابية والاجتماعية والنقابية والنسوية والعمّالية، وفي بناء التنظيم داخل الوطن الذي كانت تفتقد له الحركة قبل ذلك، والشبيبة التي قامت على أساس ديمقراطي غدت في سنوات قليلة العمود الفقري للانتفاضة الشعبية الأولى وقاعدتها الجماهيرية الأكثر تنظيمًا والتي كان أبو القسام أحد أبرز رموزها ومُلهميها وقادتها داخل الوطن وخارجه.

بعد تعرّضه للإبعاد عمل جنبًا إلى جنب مع أمير الشهداء خليل الوزير أبو جهاد حتى استشهاده، وواصل طريقه إلى جانب الرئيس الشهيد ياسر عرفات حتى لحظة اعتقاله في العام 2002 حيث نشأت بين الطرفين علاقة من الثقة النادرة والمتبادلة والتفاهم الكبير والقواسم المشتركة، ولكن لم تخلو من بعض الاختلاف في وجهات النظر في بعض المحطّات إلّا أنها لم تترك أي أثر على هذه العلاقة المتميّزة التي دفعت ياسر عرفات إلى أن يضع صورة المناضل مروان البرغوثي على رأسه ويرفعها عاليًا أمام الجماهير الفلسطينية بعد اعتقاله وهو الأمر الذي لم يفعله في حياته مع أحد.

في الانتفاضة الثانية كان أبو القسّام المهندس والقائد والموجّه، وشكّل ثنائي متناغم مع الشهيد ياسر عرفات، وكان المبادر إلى جانب عدد من القيادات الميدانية في تأسيس وقيادة كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، والتي عبّرت عن ضمير فتح المقاوِم وشكّلت رأس الحربة في الانتفاضة الثانية، فهي حركة ينبض قلبها بالمقاومة دومًا. وكان النائب المنتخب والبارز والفاعل في عضوية المجلس التشريعي، وقائد التنظيم ومن قاد وأعاد بناءه بجدارة منذ العام 1994 بعد عودته من المنفى وأعاد توحيده وفق أسس ديمقراطية، ودافع بشجاعة عن حقوق المواطن وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكان الإطار الفلسطيني الوحيد الذي تمثّلت فيه المرأة بما يزيد عن 30% من الأعضاء هو اللجنة الحركية العليا لفتح في الضفة التي ترأسها وهو من قرّر ذلك وبمبادرته، كما كان قد قدّم المبادرة لعضوية النساء على نطاق أوسع في لجان الأقاليم وفي المؤتمرات وفي الأُطر المتعدّدة والمختلفة، لأنه دومًا نظر إلى المرأة باعتبارها شريك كامل في مسيرة التحرّر الوطني والديمقراطي، وتقدّم الصفوف في مكافحة الفساد وفي مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، وحافظ على نظافة يده وتواضعه وحياته البسيطة والعادية، ولم تُثنيه عشرات محاولات الاغتيال والمطاردة من أن يظلّ القائد الأول للانتفاضة والمقاومة، وهو الذي رفع شعارًا خالدًا في أسابيع انتفاضة الأقصى الأولى "شركاء في الدم شركاء في القرار" إيمانًا منه بحتمية الشراكة وأهميتها في مرحلة التحرّر الوطني والديمقراطي، وتقديره للدور الفاعل والأساسي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية ولمختلف الفصائل والقوى.

ولم تتمكّن عتمة الزنازين ووحشية التحقيق على مدار 100 يوم في ثلاثة مراكز (مقابر) بما فيها مركز التحقيق السرّي 1391 من كسر إرادته، ولم ينحني أو يضعف رغم التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي على مدار الساعة، كما لم ينال من عزيمته وإرادته وعزله الانفرادي لما يزيد عن ألف يوم وحيدًا ولا العزل الجماعي طوال ما يُقارب 22 عامًا حتى الآن، فكان صوته أعلى من الأسلاك الشائكة والأسوار مهما علت، وظلّ نوره ساطعًا في قلوب الفلسطينيين والعرب والأحرار في العالم، وظلّت مواقفه صلبة وعقيدته الوطنية أكثر رسوخًا وقوة، وطغى حضوره على غيابه وغدت صورته في المحكمة الاستعمارية رمزًا لتحدي المستعمِرين في عقر المستعمَرة، وتحوّلت قبضة يديه وإشارة النصر رمزًا جديدًا للأجيال الفلسطينية، ومن زنزانته رقم 28 في سجن هداريم صنع وثيقة الأسرى للوفاق الوطني مع رفاقه من قادة حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وحركة فتح والتي حظيت بإجماع وطني وسياسي وفصائلي وشعبي لم تحظَ عليه أية وثيقة في تاريخ الفلسطينيين الحديث، ومن زنزانته ظلّ يعمل ويُعلي صوته لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية لإيمانه المُطلق بوحدة الشعب ووحدة الأرض ووحدة القضية ولإيمانه العميق بالشراكة الوطنية الكاملة. ومن عزله الجماعي صنع ثورة التعليم الجامعي النوعية ذات الجودة العالية من خلال جامعة القدس أبو ديس- فرع سجن هداريم تحت إشرافه وتدريسه المباشر التي تخرّج منها المئات من الأسرى المناضلين.

إن هذا السجّل النضالي الغني وهذه التجربة النضالية والعسكرية والتنظيمية والفكرية والسياسية والبرلمانية والوطنية والقيادية الثرية والغنية تجعل من المناضل أبو القسّام كنزًا ثمينًا للفلسطينيين في كل مكان، والذي تحوّل بجدارة إلى رمز لنضال الفلسطينيين ورمزًا للحرية في العالم. ولأن القضية الفلسطينية تمرّ بمأزق خطير والنظام السياسي الفلسطيني منقسم وضعيف وهشّ، ومنظمة التحرير غائبة تمامًا، وحركة فتح تعيش أزمة عميقة؛ فإن أمر الساعة فتحاويًا ووطنيًا، فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا يستدعي العمل للإفراج الفوري عن القائد الوطني الفلسطيني مروان البرغوثي، كونه المؤهّل لاستنهاض حركة فتح وإعادة توحيدها بكل تياراتها وتوجّهاتها والقادر على إنهاء سياسة التهميش والإقصاء والتفرّد، وقادر على إعادة الاعتبار لحركة فتح كحركة تحرّر وطني ولخطاب التحرّر الوطني وشروطه وقواعده، كما أنه القائد القادر على قيادة الحركة للفوز في أي انتخابات رئاسية أو تشريعية قادمة لا مناص منها ولا يُمكن التهرّب منها وباعتبارها ضرورة وطنية، كما أنه المؤهل لإنجاز الوحدة والمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام للأبد، فهو يحظى بثقة الشعب وكافة الفصائل، كما أنه القادر على قيادة الشعب الفلسطيني نحو الحرية باعتباره من صاغ مبدأ المقاومة الشاملة.

إن على قيادة حركة فتح ممثلة في اللجنة المركزية وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والرئيس والحكومة والفصائل كافة بما فيها حركتي حماس والجهاد أن تعمل على تحرير القائد المناضل مروان البرغوثي باعتبار ذلك حاجة وضرورة فلسطينية وعربية، وضرورة لفتح وللوحدة الوطنية وللديمقراطية الفلسطينية، ولأنه القادر على إعادة الاعتبار لقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأولى وإعادتها لصدارة الاهتمامات الدولية. وعلى البعض في قيادة فتح أن يترفّع عن الحسابات الشخصية والضيّقة وبعض الحساسيات وأن يُدرك أن الحاجة للمناضل مروان البرغوثي كبيرة جدًا وهو رافع للحركة ومصدر قوة لها، وأن تحريره يجب أن لا يخضع لحسابات المواقع والمناصب، فقد باتت رمزيته فتحاويًا وفلسطينيًا وعربيًا ودوليًا أكبر من كل مسمّيات السلطة والمناصب بعد أن أمضى أكثر من نصف قرن من حياته يُضحّي ويتعذّب في مشوار من المقاومة أمضى منها حتى اللحظة 30 عامًا في الزنازين، ولن يُعوّضه شيء سوى حرية وطنه وشعبه، وهو من قال في أول جلسة في المحكمة الاستعمارية التي قاطعها "لا يهُمّني أن أفقد حريتي وحياتي في سبيل حرية شعبي".

فهل هناك من يُصغي ويسمع ويُدرك ويلتقط هذه اللحظة التاريخية ويعمل ما يجب قبل فوات الأوان ويُنفّذ أمر الساعة؟