|
إسرائيل هي المتهم الأول بالجريمة في مناطق 48
نشر بتاريخ: 07/09/2023 ( آخر تحديث: 07/09/2023 الساعة: 10:02 )
ساد الثلاثاء الماضي، الإضراب العام التجمعات السكنية العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، احتجاجا على عدم قيام الشرطة بمحاربة الارتفاع الخطير في حوادث القتل على خلفية جنائية، التي وصلت إلى أكثر من ضعفين، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، والتي هي مرشّحة للارتفاع اكثر وفق كل التوقّعات. وعلى الرغم من خطورة الوضع، إلّا أن الشرطة الإسرائيلية لا تحرّك ساكنا لوضع حد لاستفحال الجريمة والعنف. وقد كان السبب المباشر لإعلان الإضراب هو سلسلة من أعمال القتل الفظيعة، التي عصفت بمدن وقرى الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني، والشعور العام بأن الدولة الصهيونية لن تحرّك ساكنا، بمحض إرادتها إن لم يحدث تصعيد جدّي في النضال والمواجهة لفرض معادلة تجبرها على الفعل. وفي اجتماعها مطلع الأسبوع الحالي، أعلنت لجنة المتابعة العليا، التي هي مظلة كل الأحزاب والسلطات المحلية في الداخل الفلسطيني، عن تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة الموضوع، وقررت القيام بتصعيد متدرّج، بدأ بالإضراب العام وتتبعه خطوات وصولا إلى القيام بعصيان مدني، للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتفعيل الشرطة ضد الإجرام والمجرمين، وهو ما لا تقوم به حاليا، فهي تتحرك بخطى متثاقلة وكسولة وغير مبالية بمصير المواطنين العرب الفلسطينيين، الذين يحملون رسميا الجنسية الإسرائيلية. معطيات مذهلة منذ مطلع العام الحالي، وصل عدد القتلى على خلفية جنائية في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر إلى 165 قتيلا، أي بمعدل 20 قتيلا في الشهر، ويتوقّع أن يرتفع العدد إلى ما يقارب 250 قتيلا حتى نهاية السنة. وهذه أرقام عالية جدّا في مجتمع صغير نسبيا، يصل عدده إلى مليون وخمسة وستين ألف نسمة. ومن المتّبع في الإحصائيات الدولية حساب عدد القتلى لكل 100 ألف، وعليه فإن النسبة تقارب الـ15، وهي من أعلى النسب في العالم، ووفق معطيات الأمم المتحدة، لا تفوقها سوى معدّلات القتل الجنائي في أمريكا اللاتينية، التي تصل إلى 20 من كل مئة ألف. وللمقارنة فإن النسبة العالمية الكلية هي 6 قتلى في العام لكل مئة ألف، وهي 2.5 في أوروبا و6 في الولايات المتحدة و2.3 في مجمل آسيا. والمقارنة القريبة هي مع مناطق السلطة الفلسطينية، التي تصل نسبة القتلى سنويا فيها إلى 1 من كل 100 ألف والأردن كذلك الأمر 1. ما يعني أن المجتمع الفلسطيني في الداخل، الذي هو المجتمع نفسه والأعراف والتقاليد والعادات والمعتقدات نفسها، تصل معدلات القتل فيه إلى ما لا يقل عن عشرة أضعاف مقارنة بالمجتمع نفسه في الضفة وغزة والأردن. هذا ينسف تماما الادعاء الإسرائيلي المركزي والعنصري بأن ما يحدث هو نتاج لثقافة مجتمعية عنيفة. فلماذا إذن هذا الفرق الشاسع في معدّلات الجريمة وأعمال العنف بين أبناء الشعب والمجتمع نفسه؟ لا بدّ من أن يكون ذلك مرتبطا بسياسات وممارسات الدولة الصهيونية تجاه «مواطنيها» العرب الفلسطينيين. أسباب الجريمة تلقي الإحصائيات الضوء على جذر المشكلة. فمعدلات الجريمة في إسرائيل وفي مناطق السلطة الفلسطينية متقاربة، وتبقى المعدلات عالية جدّا عند فلسطينيي الداخل. وبناء عليه فإن السبب المركزي لهذا الانفلات في الجريمة يعود إلى النظام الإسرائيلي، الذي له خصائص الأبرتهايد والاستعمار الاستيطاني، وكلاهما في أنحاء العالم كافة، دفعا السكّان الأصليين إلى دوائر الجريمة والعنف، إمّا بالتخطيط المباشر أو بالإهمال المقصود. وهناك عدد كبير من الأبحاث تثبت العلاقة المباشرة بين العنف المجتمعي ونظام الأبرتهايد وأنظمة الاستعمار الاستيطاني. النظام الإسرائيلي تحديدا، يقصي ويهمّش ويضطهد ويقمع ويحاصر ويصادر ويبطش ويميّز، وفي البداية والنهاية يدفع قسما من ضحاياه إلى دوائر العنف والجريمة، التي تحاصر أبناء المجتمع كافة، ثم يتركهم يغرقون فيها وبعدها يلقي التهم عليهم بأن الجريمة هي مكوّن من «ثقافتهم المجتمعية». مجموعة فرعية من الخطأ تصوير الوضع وكأنّه انهيار مجتمعي في الداخل الفلسطيني. المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر يتطوّر ويقوى باستمرار بأبنائه وبناته، والمجرمون الأفراد وأعضاء منظمات وعصابات الإجرام هم مجموعة فرعية صغيرة نسبيا، لكن ضررها وتأثيرها وسطوتها أكبر بكثير من حجمها الفعلي. وقد أنشأت هذه المجموعة ثقافة فرعية لها لغتها ورموزها وطرق تواصلها الخاصة، ولها كذلك قوانينها الداخلية وأعرافها. وتقوم منظمات الإجرام باصطياد الشباب، الذين فشل جهاز التعليم في تأهيلهم، وفشل أهلهم في تربيتهم ويبحثون عن الربح السريع والمريح. والطامة الكبرى أن الدخول إلى عالم الجريمة «سهل» لكن الخروج منه صعب جدّا، إمّا لأن منظمات الإجرام لا تسمح لمن يعرف أسرارها بالخروج منها، أو لأن من اعتاد على المال السهل، يصعب عليه الاجتهاد في العمل لكسب لقمة العيش، التي تحتاج إلى عمل أكثر بكثير لجني مبالغ أقل بكثير. ما العمل؟ لقد هزّت حوادث القتل المتكررة وجدان ومشاعر أبناء وبنات شعبنا في الداخل، وأصبح هذا الموضوع الشغل الشاغل للناس، وطغى على القضايا الأخرى. ويدور نقاش في أوساط النخب الثقافية القيادية، وفي القاعدة الشعبية نقاش حل «ما العمل؟»، تطرح فيه مقترحات كثيرة، بعضها يأتي تعبيرا عن اليأس والإحباط، وبعضها منفصمة عن الواقع، والبعض الآخر يرفض الاستسلام للواقع ويسعى لتحقيق الهدف وهو ضمان الأمان للناس. يجب الانطلاق في الإجابة على سؤال ما العمل؟ من التفاؤل الواقعي بأن المجتمع الفلسطيني في الداخل، الذي استطاع تجاوز التحديات في الماضي، قادر الآن أيضا على تخطّي هذه المصيبة التي ألمّت به، ويلزم هذا محاذير وأفعال كثيرة منها: |