وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"غزاوي .. سردية الشقاء والأمل"

نشر بتاريخ: 13/09/2023 ( آخر تحديث: 13/09/2023 الساعة: 12:35 )
"غزاوي .. سردية الشقاء والأمل"

تواصل معي الصديق والمناضل الفلسطيني جمال زقوت قبل حوالي عام، وتحديداً بعد انتهائه من كتابةعشرات التدوينات التي تتعلق بطفولته وشبابه وصولاً إلى مراحل النضال التي لم تنته بأوسلو، بل امتدتحتى يومنا هذا، من خلال دوره كمثقف عضوي يأخذ زمام المبادرة ويفتح نوافذ الأمل والتغيير نحو الأفضللقضيتنا الوطنية.

كانت تلك التدوينات مدرجة ضمن كتاب ضخم، تم اختزاله مع صدور الكتاب مؤخراً عن مؤسسة الدراساتالفلسطينية في بيروت، حيث حمل عنوان "غزاوي.. سردية الشقاء والأمل"، وفي غلاف من تصميم ماياشامي وصورة صديقي الشاب عمر القطاع. حيث يقود في الصورة طفل من مخيم الشاطئ دراجته الهوائيةداخل البحر، خلفه طفلة جميلة تتشبث بهذا الطفل كما نتشبث بالحياة.

في تقديم صديقي الروائي والقاص الكبير محمود شقير، ذكر عن ذاكرة جمال المتوقدة، وحماسة تدوين هذاالتاريخ النضالي العريق، وكيف كان يعمل ليكمل دراسته بعد قمع العواصم العربية لجمال، متنقلاً من بلدإلى آخر، وصولاً إلى بلغاريا التي تعرف خلال الدراسة على رفيقة دربه نائلة، العظيمة التي أفرد لها فصلاًكاملاً، إذ لم تتردد سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اعتقالها بعد ثلاثة أشهر من زواجها، حيث مارسالاحتلال التعذيب النفسي والجسدي لهذه المرأة المناضلة حتى أسقطت حملها وأجهضت جراء ذلك التعذيب.

كما يقول محمود شقير: "جمال وهو يكتب سيرته، يسرد كثيراً من قضايا الوضع العام الفلسطيني، وكذلكالوضع العربي، وبعض تطورات الوضع العالمي، وخصوصاً في بلغاريا بعد انهيار نظامها الاشتراكي. ولعلميزة هذا السرد، أنه يتم بأسلوب بعيد عن الرصد التوثيقي الجاف، فيكون السارد في قلب الحدث أو علىمقربة منه، فيصبح كما لو أنه جزء من رؤية السارد ومن تجربته".

هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره سيرة روائية أو يوميات تخللها الكثير من التفاصيل حول الظروف الراهنةوالتي أسست لهذا الواقع المرير تضعنا أمام تحديات الهوية، إذ إن الفلسطيني المغترب في وطنه، والمحاصرفي غربته، والمنقسم على نفسه، الباحث عن الحرية وهو مكبل بأصفاد التبعية والحزبية والأيديولوجية،بحاجة لأحد يطرق جدران الخزان، لذلك يمكن اعتبار هذا الكتاب أهم الأعمال التي صدرت مؤخراً في إذكاءروح الانتماء لفلسطين، والبحث عن حلول لهذا الواقع المرير بعيداً عن الشعارات الكبيرة.

يقول جمال في غزاوي: عدت وسأروي حكاية الغزاوي فيّ الذي ولد بين الرمل ومياه البحر، وها هو في كتابهيسرد لنا في عدة فصول حكايته التي بدأت بالمخيم، ثم بشير وشتات العواصم، وفي الفصل الثالث: نائلةوأنا، ثم الرابع حول الانفجار الكبير، وأخيراً بين السجن والإبعاد.

كتاب يعتبر سيرة حافلة لحياة لاجئ ومناضل من جيل النكبة في مخيمات اللجوء، جاء في ثلاثمائة وتسعةوسبعون صفحة من القطع المتوسط، يمثل أهمية كبيرة لكل الأجيال الجديدة كي يتعرفوا على تاريخهمالمنسي على قارعة الانقسام، خصوصاً بعدما وصلنا إلى مرحلة تجاوزنا فيها فكرة الثورة الحقيقية ضدالاحتلال، وانشغلنا بهموم المواطن العادي وقضايا هامشية تسببها وجود احتلال غاشم يرزح على الأرضمنذ عقود.

هذا الكتاب الذي يتحدث عن هزيمة حزيران واندفاع جمال زقوت للدفاع عن وطنه، وانضواؤه تحت رايةالجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، ويرصد فيه العمل على تأسيس الجبهة الوطنية ولجنة التوجيهالوطني، وتسليط الضوء على الرجل الفلسطيني العظيم حيدر عبد الشافي رحمه الله، ثم الحديث عن تآكلالمرجعيات والموقف الفلسطيني المفاوض، والغوص في تجارب السجن لجمال ونائلة ثم الإبعاد والهرب، كتابيتحدث عن الوطن والموت في سبيله كما جرى مع الشهيد بشير، الأخ الأكبر لجمال. يخوض في تاريخنا منذالانتفاضة الأولى وما نجم عنها، إلى هذه الحقبة التي طالب الكاتب ألا نسلم بها، بعد الإنجازات التيراكمها الفلسطيني الثائر.

لقد كانت توصية الراحل فيصل حوراني للكاتب جمال زقوت بتوثيق سيرته ناجعة، إذ إن الكتاب يشير إلىأننا أمام رجل سياسي ومناضل وكاتب بارز، أظنه سيستمر ليكتب لنا أجزاء لاحقة، لتوثيق تاريخ فلسطينبرؤية مغايرة.

"غزاوي، سردية الشقاء والأمل" كتاب مهم جداً، أنصح باقتنائه وقراءته.