|
ممر لا يفتحه إلا التطبيع!
نشر بتاريخ: 20/09/2023 ( آخر تحديث: 20/09/2023 الساعة: 09:37 )
تقاطر بعض زعماء العالم والبسمة تعلو وجوههم، على وسائل الإعلام العالمية ليزف كل واحد منهم لشعبه وجمهوره خبراً مفاده التالي: وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمّة العشرين التي عقدت في نيودلهي في 9 – 10 أيلول/ سبتمبر 2023، مذكّرة تفاهم لإنشاء ممرّ اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ليشتمل هذا الممرّ على بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة، وكابلات لنقل البيانات. ويتكوّن المشروع حسب الأخبار المتعاقبة من ممرّين: هما الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممرّ الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن ودولة الاحتلال. لكن نشوة الفرح التي ارتبطت بهذا المشروع والذي قيل بأنه ينافس طريق الحرير الذي عاودت الصين إحياؤه في السنوات الأخيرة، ما لبثت أن تجمدت بعد توارد الأخبار عن قرار العربية السعودية، وقف محادثات التطبيع مع الكيان الصهيوني بسبب ما قيل بأنه جاء نتيجة تعنت نتنياهو في التنازل لصالح الفلسطينيين. البعض شكك بالخبر فحاول نفيه بطريقة دبلوماسية حذرة، بينما سعت أطراف أخرى للقول بأن التطبيع يواجه تحديات جمة، لكن الحوار مستمر. أياً كانت الحقيقة، فإن واقع الحال يؤكد أن انعدام التطبيع سيعني غياب الأفق لبقاء مشروع الممر الاقتصادي الجديد على قيد الحياة. ولعل تعميم السعودية مؤخراً لخريطة جديدة للشرق الأوسط لا تظهر فيها كلمة إسرائيل، قد أكد صعوبة مسار التطبيع وتعقيده. ومع تعثر الممر الاقتصادي الجديد يتعثر ممر الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو البيت الأبيض من جديد، كيف لا وهو الذي اعتبر مشروع التطبيع بين السعودية وإسرائيل بمثابة جواز سفره الأساس نحو ولاية رئاسية جديدة في البيت الأبيض، خاصة بعد أن يمنحه هذا التطبيع مصداقية كبيرة أمام الناخب اليهودي ولوبيات الضغط المرتبطة به. السعودية ليست في عجلة من أمرها رغم قناعة الملك سلمان وولي عهده الشاب بأهمية البعد التجاري وعائداته، وأهمية أن يكون للسعودية موطئ قدم في النظام العالمي الجديد، الذي ُتستكمل عناصره يوماً بعد يوم. الرجلان يعلمان أن مسار السعودية نحو التطبيع إنما يختلف عن غيرها. فالسعودية هي صاحبة مبادرة السلام العربية، التي تصر على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم قبل أن تنفذ الدول العربية والإسلامية البند الثاني من المبادرة ألا وهو التطبيع. بايدن في المقابل وهو المثخن بإدانة نجله هنتر قضائياً قبل أيام، بات على قناعة أكبر بأن التطبيع هو منصته الوحيدة للفوز بالانتخابات، ما سيجعله يكثف مساعيه التطبيعية خلال الأيام والأسابيع المقبلة. لكن السعودية وبمواقفها المشجعة إنما تعيد إحياء الجدال الذي رافق عقدي السبعينيات والثمانينيات الماضيين، والقائم على أن العرب يبحثون عن السلام مقابل الأرض، بينما تصر إسرائيل عبر كل حكوماتها على تحقيق مفهوم السلام مقابل الأمن. غطرسة إسرائيل وجشعها لن تغلق ممر المال الجديد فحسب، بل ستغلق ممر الأوكسجين على ذاتها لإصرارها وكما يقال بالإنكليزية: على الحصول على الكعكة والتهامها بالكامل. التهام لن يفضي إلا إلى المزيد من الصراع والمواجهة والدماء والدمار. أملنا أن يستمر الموقف السعودي في التماسك المعهود، فلا التاريخ ولا الشعوب ولا الفلسطينيون سيرحمون أحداً، ما لم تتحقق آمالهم بالحرية والخلاص.. فهل ينفتح ممر الحقوق؟ أم يبقى ممر الجشع المرتبط بحكومة الصهاينة هو الوحيد السائد في حياتنا؟ ننتظر ونرى!
|