|
من أين يأتي نتينياهو بأقلامه الحمراء؟
نشر بتاريخ: 27/09/2023 ( آخر تحديث: 27/09/2023 الساعة: 14:08 )
بقلم: د. صبري صيدم
أكاد أجزم أن أحداً لن يدلنا على المصنع الذي ينتج الأقلام الحمر لرئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي اعتاد على أن يأتي بها سنوياً ليعطي الكراسي الفارغة لمندوبي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، محاضرة حول «مبادئ وقيم وأخلاق الإنسانية» المزعومة، تماماً كما حصل قبل أيام مع غياب مندوبي الدول الأعضاء الذين هجروا خطاب نتنياهو بمن فيهم حلفاء إسرائيل. أقلام نتنياهو الغليظة تلك لم تصنع إلا لادعاءاته وأكاذيبه فقط.
فيحدثك عن التاريخ والجغرافيا والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والتطبيع والازدهار والتكنولوجيا والرقي، ومفهومه المجنون لحل الصراع العربي الإسرائيلي. محاضرات نتنياهو تبلغ ذروتها مع استلاله لقلمه التقليدي الأحمر، فيرسم خطوطاً، ويرسي قواعداً، ويصنع وهماً، وينسج أكاذيباً، ويشطب شعوباً، ويغتال أحلاماً، ويبرر ظلماً، لكن قلمه الأحمر الحقيقي ليس في ما يرسم، بل في ما يقول، فيعين نفسه سلطاناً على البشر والزمن وسائر الكون والقدر. وعليه لا بد من مراجعة ما قاله في مجمل خطاباته لنرى أين تكمن الخطوط الحمر.
الخط الأحمر الأول هو في رفضه إعطاء الشعب الفلسطيني حقه: فلدولته العنصرية كامل الحقوق في التمدد والتوسع والازدهار كما يريد هو، ولا حق للفلسطينيين بدولة، حتى إن وصل به الأمر إلى اختراع أكذوبة جديدة مفادها أن الفلسطينيين لا يريدون دولة لذاتهم وإنما دولة لإيران! وهو ما قد يبرر ضمناً غض جيشه الطرف عن تهريب السلاح إلى الضفة الغربية بغرض تعزيز هذا الادعاء. إذن دولة للإسرائيليين وخط أحمر للفلسطينيين، بل إن الخريطة التي حملها هو أمام الأمم المتحدة قبل أيام، إنما أظهرت نواياه الحقيقية بوضوح وصراحة كافيين، وبما يشمل ضمه للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان ومزارع شبعا.
الخط الأحمر الثاني هو في رفضه للقدرات النووية لمن يريد التطبيع معهم، فنتنياهو الذي تمتلك دولته ترسانة نووية ضخمة، تصل إلى ألف صاروخ نووي حسب محللين، ومنظومة سلاح جرثومي وكيميائي أباحها هو وغيره لدولتهم الظالمة تحت ادعاء «الدفاع عن النفس»، إنما دأب تاريخياً على منعها عن إيران، بل قال ورددها بعده الرئيس الأمريكي بايدن مؤخراً: بأنهما لن يسمحا لإيران أن تمتلك السلاح النووي.. ماذا عن السعودية التي تريد التطبيع معها وتتغنى بذلك يا «أبو يائير» وهي التي لم تضع فرصة لتؤكد أن مشروعها النووي المنشود إنما يأتي لأغراض سلمية؟
الخط الأحمر الثالث يأتي في مربع التطبيع. فنتنياهو يريد تطبيعاً دون أن يكون للفلسطينيين حق الفيتو، كما قال في خطابه الأخير. وهو ما يؤكد على أن تطبيعه المنشود مع السعودية لا يقيم اعتباراً للمملكة والفلسطينيين، فلا هي تمتلك الحق في تعطيل التطبيع، ولا الفلسطينيون لهم أن يمنعوه، بل على الطرفين أن يقبلا بوصفة نتنياهو، وأن يقولا وبملء الفم: سمعاً وطاعة!
خط نتنياهو الأحمر الرابع، رسمه للشعب العربي المغلوب على أمره وخبزه وحقوقه، خاصة وهو يستعرض بطولات دولته ونجاحاتها وإبداعاتها، مستثمراً من دون أن يقول، دعم الإدارة الأمريكية اللامحدود له، وتأثير اللوبيات الصهيونية، وهوان المستوى الرسمي العربي، وانبطاح البعض من أبناء جلدتنا وقائمة من المصائب التي حلت بنا.
خط نتنياهو الخامس، كان للأمم المتحدة، ليقول ضمناً وبعد استعراض كامل خرائطه و»خربشات» قلمه الأحمر، بأن إسرائيل المحتلة إنما هي فوق الكون وفوق الشرعية الدولية وفوق القانون الدولي، وأن المؤسسة الأممية تستطيع تنفيذ قراراتها على الجميع، إلا على إسرائيل التي وحسب نوازع طاووس تل أبيب، تمتلك الحق بالضم والنصب في عالمٍ مفعول بأمره، ومكسور بكرامته ومجرور بتواطئه، على أمل أن يبقى الفلسطيني ممنوعاً من الصرف والتصرف بأرضه وحقه، مستتراً، معتلاً غير قابل أن يصبح مفعولاً لأجله بما يستحق من نصرة وإسناد.
هذا الحال دعاني لاستحضار قائمة من أولئك الذين وقفوا على المنبر ذاته، الذي تشدق أمامه نتنياهو مؤخراً في الجمعية العامة مطالبين بحرية فلسطين، من فيديل كاسترو الكوبي في القارة الأمريكية إلى مهاتير محمد الماليزي في قارة آسيا وما بينهما من زعماء، لكن الاستحضار الأكبر كان للزعيم الراحل ياسر عرفات الذي قال في الجميعة العامة ذات يوم ومن على المنبر ذاته: جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون في يدي، وبندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.
نتنياهو ومن آزر دولته المحتلة على مدار عقود من ظلم فلسطين، لم يسقط الغصن الأخضر فحسب، بل استل قلمه الأحمر ليبيع الأمم «مواعظ وأخلاقيات» لا علاقة له ولا لدولته بها، ولينصب نفسه طاووساً كاسراً متجبراً، وليشطب شعباً بأكمله ويتجاوز جغرافيته وحقوقه ومقدساته وممتلكاته. المحزن ليس في تهريجات نتنياهو، بل في قدرته على تجاوز القانون الدولي والقرارات الأممية الصادرة عن المحفل، الذي وقف أمامه متغطرساً، واستطاعته التطاول على السعودية والفلسطينيين وبقية العرب والمسلمين والمسيحيين وحتى اليهود في ما يسوقه من أكاذيب واختلاقات وإجراءات، واستغلاله لحالة الهوان العربي، والتزامها الصمت المطبق أمام تشدقه وعنترياته، فيقف ليقول ما قال، من دون أن يردعه أو يصده أحد.
أقلام نتنياهو أعطته حق الفيتو أمام المؤسسة التي صنعت الفيتو ذاته، فوقف معتداً بنفسه مصادراً لحقوق الآخرين ومنصباً نفسه صاحباً للفيتو الأول على العالم. فهل تفرض أقلامه الحمراء الهوان على العالم، أم تستفيق البشرية من ثباتها وتنتصر الأمم لقراراتها المحجوبة وتتحلى السعودية بالقوة التي نريد؟ ننتظر ونرى!
|