قليلاً من التفكير خارج الصندوق وخارج البوتقة!
نشر بتاريخ: 09/10/2023 ( آخر تحديث: 09/10/2023 الساعة: 15:18 )
لا شك أن فرحة الشارع الفلسطيني بنجاح رجال المقاومة الفلسطينية في اختراق جدار الحصار حول قطاع غزة ومفاجأة دولة الاحتلال بعملية ضخمة، هي فرحة مشروعة بعد اقتحامات المستوطنين والمتدينين المتطرفين المتتالية للمسجد الأقصى المبارك. وفي نفس الوقت لا شك أيضاً أن قيادة غزة تعلم علم اليقين أن غزة، قيادة وشعباً وبنى تحتية، ستدفع الثمن غالياً لكنني أخشى أنهم لم يقدّروا الثمن الحقيقي والسياسي حق قدره.
الثمن، هذه المرة، وعلى ما نسمعه من تصريحات المسؤولين في حكومة الاحتلال، لن يقتصر على ضرب المدنيين والعسكريين في غزة دون تمييز كما عودنا الاحتلال في حروبه السابقة على غزة، ولا في تدمير البيوت والبنايات والأبراج الغالية على قلوبنا، وإنما في تدمير قوة المقاومة وإعادتها سنين طويلة إلى الوراء، كوادر وأسلحةً ومعداتٍ وقواعد وقيادات، إلى جانب الخنق الاقتصادي والتجويع وتشديد الحصار ومنع العمل في الداخل وربما الاستمرار في قطع الكهرباء ومنع الأموال القطرية. ولكن الأهم: إضعاف وإنهاك المقاومة التي كانت في فترة بناء من جديد. أعلم أن هذا الكلام قاسٍ على القول وعلى السمع، خصوصاً الآن، لكنه يجب أن يقال ويجب أن نفكر قليلاً خارج الصندوق لأن ما حدث لا يضر المقاومة فقط، ولا قيادة وأهالي قطاع غزة فقط، وإنما مجمل الشعب الفسطيني وقضيته – وهذا حجر الأساس.
لقد اصطدم شعبنا في مسيرته الكفاحية بالكثير من الكوارث والمآسي، الانتصارات والهزائم، وخرج في كل مرة لينفض عنه الغبار ويبدأ من جديد. لقد دفعنا ثمناُ غالياُ على ذلك وخسرنا فرصاً كثيرة كانت ستقربنا أكثر للاستقلال وحل قضيتنا المأساوية. وما تقوم به السلطة الفلسطينية من تفكير وتصرف سياسي عقلاني وناضج هو أكثر فائدة من التصرفات التي تُفرحنا لبضعة أيام لكنها تعيدنا وتعيد نضالنا سنين إلى الوراء، ونبدأ من جديد مسيرة جديدة نحو المجهول.
إن التطورات الإقليمية والعالمية لن تنتظر القضية الفلسطينية لسنوات طويلة، ومن يردد المقولة بأن الدعم العالمي لا يفيد وأن "الدول الصديقة" لا تجدي نفعاً، وعلينا فقط أن نقاتل، فهو يردد ترديداً مصاباً بالعمى السياسي. وجدير به أن يعيد تفكيره. فنحن نرى الدول الكبرى الثلاث: الولايات المتحدة وروسيا والصين تعيد حساباتها الأقليمية وفق التطورات السياسية والاقتصادية العالمية ورأينا إعادة حسابات إيران والمملكة العربية السعودية لعلاقتهما العدائية واستعداد السعودية للسلام مع إسرائيل، وعودة تركيا للصداقة مع إسرائيل، ورأينا استعداد الولايات المتحدة حتى لمقاطعة إسرائيل أو معاقبتها، فلماذا هذا الاستهتار بالتطورات الدولية وقدرة هذه التطورات على دعم أو منع قيام دولة فلسطينية مهما كانت التطورات المحلية مهمة؟ جدير بنا أن نفكر قليلاً خارج الصندوق وخارج البوتقة وننظر النظرة السياسية الصحيحة دون أن تقودنا المشاعر الجياشة.