وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شرفت يا نيكسون بابا!

نشر بتاريخ: 18/10/2023 ( آخر تحديث: 18/10/2023 الساعة: 11:47 )
شرفت يا نيكسون بابا!


بقلم: د. صبري صيدم

أكتب هذه الكلمات للتاريخ حتى يحفظها أبناؤنا جيداً، لا لأن أحداً لن يكتب التاريخ، بل لأن البعض سيحاولون كتابة التاريخ على مزاجهم، ليعفوا أنفسهم من المسؤولية التاريخية تجاه دماء الشعب الفلسطيني ونكبته ونكسته، ونزوحه وهجرته ومذابحه ومآسيه، ومعاناته ومجازره، بما فيها ما يجري في غزة مع كتابة هذه الكلمات.
وكما وقف الرئيس الأمريكي نيكسون ملاماً في يوم من الأيام ليغني له الشيخ إمام: شرفت يا نيكسون بابا، ووقف بعده كلينتون وبوش وأوباما وترامب سيقف بايدن اليوم وهو يزور المنطقة لترنو إليه عيون الملايين حول العالم، لتذكره بأنه هو من أطلق متطوعاً ومبادراً خطته السداسية لحل الصراع، مع بداية عهده عام 2020، ليتركها أمام ضغط حلفائه في تل أبيب وليلتفت إلى خطوات ترامب وصفقته البائسة ويركز فقط على تطبيع علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب، وهو الذي قال للرئيس الفلسطيني في اتصاله الأول به بأنه ليس ترامب، وإدارته ستبرهن على أنها بمثابة عهد جديد لا علاقة لها بخصمه ترامب ومغامراته ونزواته.
بايدن المبادر كما رآه البعض، بات بايدن المثابر في إرضائه لإسرائيل، فنسيت أفعاله حل الدولتين، ووقف الاستيطان، ومنع الخطوات أحادية الجانب، ورفض العنصرية والتنكيل، وليركض وراء دول إسلامية وعربية للضغط عليها لاسترضاء تل أبيب، وتطبيع علاقات العرب مع دولة الاحتلال. بايدن وإدارته لم يصغيا جيداً لتحذيرات الفلسطينيين التي صدرت عن قيادتهم ومجتمعهم المدني وقطاعهم الخاص بأن الأمور ستنفجر، وأن إهمال القضية الفلسطينية لن يمر، وأن دفع الفلسطينيين إلى الزاوية لن يجعلهم يستسلمون للواقع.

وعليه انفجرت الأوضاع مرات ومرات وستستمر في الانفجار بين الحين والآخر ما لم تحل القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، لا على أرضية التهجير والإزاحة والإحلال، وتصدير الفلسطينيين إلى دول أخرى، ولا على أرضية أحلام نتنياهو وقوة جيشه ومعتقداته الخاطئة بأن تلك القوة ستشطب إرادة الشعب الفلسطيني، بل على أرضية رد الحقوق للشعب الفلسطيني. بايدن اليوم وأمام زيارته للمنطقة ومعرفته بموقف الفلسطينيين والدول العربية، يتحدث عن رفضه لإعادة احتلال غزة وتهجير الفلسطينيين، لكن القول شيء والفعل شيء آخر. فإذا ما تساوق مع نوايا نتنياهو ورضخ، فإنه سيكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه رئيس وزراء دولة الاحتلال ذات يوم ديفيد بن غوريون الذي قال بأن كبار الفلسطينيين سيموتون وصغارهم سينسون. فالكبار ماتوا بعد أن زرعوا في صدور أبنائهم حباً متصاعداً لفلسطين، وهياماً بها يتزايد كل يوم، وعليه فإن حديث بايدن عن إغاثة غزة لا يكفي، بل يجب وقف حمام الدماء والقتل والقصف والتشريد فوراً، فالشعب الفلسطيني ليس أقل آدمية من أحد، وليس عدداً فائضاً عن شعوب الأرض، كما أن دماء أطفاله ونسائه وشيوخه ليست إلا وصمة عار على جبين كل من صمت وخطط وسهل الانقضاض عليهم، وقطع المياه والغذاء والدواء عنهم وقصف مشافيهم ومدارسهم وجامعاتهم في مذبحة ستبقى تقض مضاجع كثيرين. لقد ارتكب نتنياهو مذبحة ستبقى تلاحقه وتلاحق كل من سانده وأيد سياساته التي خلقت حالاً محتقناً ملتهباً عبر تحالفاته العنصرية وخطواته الاستفزازية التي أرادت شطب الشعب الفلسطيني وتقسيم مقدساته المسيحية والإسلامية، زمانياً ومكانياً وتلويثها بالبصاق والتدنيس. إننا نعشق الحياة ونبغض الموت والقتل والعنصرية ومعاداة السامية، بل نسعى لنجلب الحياة لفلسطين والميلاد لدولة مستقلة عاصمتها القدس، وهو ما يجب أن يتساوق معهم العالم، خاصة بعد أن شاهد وعايش ويلات الأيام العشرة الماضية والعقود الطويلة الفائتة. لا بد من وقف العدوان على غزة وصد خطة نتنياهو للتهجير وإغاثة الناس وعودتهم وإعادة إعمار منازلهم وإنهاء الصراع لا دق طبول الحرب والمزيد من الموت واستعراض القوة والجبروت.
لقد أثبتت تجربة الأيام الماضية بل العقود الماضية أن الحروب لا تزيد الشعب الفلسطيني إلا عناداً وإصراراً وتفانياً في نضاله لاستعادة حقوقه والتمسك بإرادته بالحرية والاستقلال. كما أثبتت مجريات الأيام الماضية بأن لا وجود لحرية التعبير ولا لحقوق الإنسان ولا الديمقراطية ولا الإنسانية في العالم، خاصة في تلك الدول التي زاودت علينا بحرياتها المزعومة، خاصة بعد ممارسات الدول التي حاولت تكميم حناجر الداعمين لفلسطين وحقهم في التظاهر والاحتجاج، وهو ما جاء متساوقاً مع دور الشركات التي تدير الفضاء الإلكتروني، التي أوغلت في استخدام مقص الرقيب، فمنعت وحجبت وحذفت كل ما ارتبط بفلسطين، دعماً لإسرائيل وروايتها وأكاذيبها واختلاقاتها. إن كل من شارك في خنق فلسطين وأهلها وصوتها وأصوات داعميها ومحبيها، ومن وفر الغطاء لقتل أطفالنا ونسائنا وتدمير بيوتنا ومد الاحتلال بالسلاح والمال والقرار، هو شريك في جريمة العصر جريمة تدمير البيوت على رؤوس النساء والأطفال والتي وجب معها أن يلاحق في محاكم العالم لمنع تكرار الظلم الذي عشناه. وعليه فلا جدوى من دق طبول الحرب في الوقت الذي يتحدث فيه بايدن وغيره عن الإغاثة، فلن يكون للإغاثة من جدوى دون وقف الحرب ومخططاتها الشيطانية من تهجير وضم واحتلال، ولا جدوى من استمرار الصراع وهو ما يجب أن يرى في حله العالم فرصة لتجنب كارثة جديدة ومتجددة، ولا فائدة من التطبيع والنظام العالمي الجديد ما لم تكن فلسطين حرة مستقلة. فهل يقتنع بايدن بموقف الشعب الفلسطيني، أم يكتب أحفاد الشيخ إمام أغنية جديدة عنوانها: شرفت يا بايدن بابا؟ ننتظر ونرى!