وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

خرم إبرة- لا ننسى الإبادة المعمارية

نشر بتاريخ: 19/11/2023 ( آخر تحديث: 19/11/2023 الساعة: 09:45 )
خرم إبرة- لا ننسى الإبادة المعمارية

قد يبدو أمرًا غريبًا في ظل فقدان آلاف الشهداء من أهلنا الأبرياء المدنيين في قطاع غزة بسبب بربرية الاحتلال أن أتوقف لأتحدث عن جنون تدمير المباني المختلفة من الهياكل المعمارية المعروفة بالأبراج ومنازل اللاجئين، المدارس، الكنائس، المستشفيات، المساجد، وحتى حضانات وروضات الأطقال، الميناء، المطار، المصنع.
ما أشاهده عبر شاشة التلفزيون وما يحدث بعد 7 أكتوبر هو زيادة في حجم الدمار يوما بيوم، وقيام قوات الاحتلال الإسرائيلية العسكرية بشكل متعمد_ بالتزامن مع التطهير العرقي _بمحو الأدلة الفعلية على أن شعبًا كان يعيش هنا، كأنه اغتيال للإنسان ومحو للمكان.
القذف الذي تعرضت له قذائف المساجد في العراق، وقصف الكاتدرائيات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، وسقوط أبراج التجارة العالمية في 11 سبتمبر، إلى القصف الجوي الذي تعرضت له دريسدن وطوكيو في الحرب العالمية الثانية إلى الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
في يوغوسلافيا السابقة، سعى الصرب والكروات لاستخراج خصومهم من تراب معين، مؤكدين في مواجهة الأدلة المعاكسة أن هذا التراب كان ويجب دائمًا أن يكون ملكًا حصريًا لمجموعة معينة، ولكن أيضًا لطمس أدلة قرون من الاحتلال من قبل مجموعات أخرى. في سبيل تحقيق إعادة كتابة تاريخ مثل هذا، استهدفت القوات بشكل متعمد المكتبات والمتاحف والأرشيف وغيرها من مستودعات الأدلة الوثائقية والهندسية. سمح تدمير الجملة في مناطق المساجد أو الكنائس الأرثوذكسية أو الكنائس المسيحية، بأن يدعي إحدى الأطراف أو الأخرى أن مجموعات أخرى لم تسكن أبدًا في تلك المناطق.
في حالة الاحتلال الألماني لمدينة وارسو في الحرب العالمية الثانية، تم بذل جهد متعمد لتحديد المباني الأكثر بروزًا في تراث وارسو بحيث يمكن تدميرها. في الوقت نفسه، خاطر المهندسون والمخططون والطلاب بحياتهم كجزء من جهد سري لتوثيق تراث وارسو المعماري حتى يمكن إعادة بناء المدينة بعد الحرب. بشكل كلي أو جزئي بسبب سياسة الرمزية، استهدف تنظيم القاعدة البنتاغون وأبراج التجارة العالمية، تمامًا كما دمرت طالبان تماثيل باميان ودمرت فصائل الجيش الجمهوري الأيرلندي عمود نيلسون والمحكمة الرباعية في دبلن.
عندما يتم تدمير رموز العمارة مثل هذه بسبب النزاعات وفتك الحروب والاحتلال، يكون الأمر أكثر من مجرد مبان، هناك ارتباط بين الأمم وتاريخها المعماري؛ أستطيع القول وبصوت مرتفع أن ما يتعرض له قطاع غزة بالتحديد ومناطق الضفة الغربية من تدمير لا يكون له أثر فقط على ثقافة الأمة وروحها، بل إنه عمل متعمد لاستئصال ذاكرة الثقافة وبالتالي وجودها.
ما تقوم به أدوات الاحتلال الإسرائيلية العسكرية المختلفة براً، بحراً، جواً هو تدمير الذاكرة من خلال الحرب الثقافية التي تعصف وراء الإبادة المعمارية، في هذا الهجوم يكمن الهدف المعقد لاستئصال شعب. بالتالي يجب عدم الاكتفاء بطرح فكرة الإبادة البشرية فقط، وإنما أيضاً الإبادة الثقافية المرتبطة بشكل أساسي في الحيز المكاني ومكوناته وأهمها المعمارية، لهذا يجب أن نطالب العالم بوضع الإبادة الثقافية كجريمة قابلة للعقوبة بموجب القانون الدولي.