وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أيلون ماسك بين الحرمان وصكوك الغفران

نشر بتاريخ: 28/11/2023 ( آخر تحديث: 28/11/2023 الساعة: 08:34 )
أيلون ماسك بين الحرمان وصكوك الغفران


تذكرت وأنا أرى وجه أيلون ماسك الممتقع وهو يتجول في غلاف غزة مع نتنياهو، ووعوده بحذف المحتوى الذي يزعمون أنه متطرف من منصة إكس التي يملكها، ونكثه الوعد الذي قطعه على نفسه بتزويد منظمات الإغاثة في قطاع غزة بخدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك- تذكرت إمبرطور الدولة الرومانية المقدسة هنري الرابع الذي أصدر البابا جريجوري السابع ضده حرمانا كنسيا(أشبه بمعاداة السامية اليوم) يقضي بزوال عرشه، ورغم أن الإمبرطور حاول الخروج على سلطة البابا إلا أن حلفاءه خذلوه خاصة الألمان، وأنذروه بالخروج على سلطته إن لم يغفر له البابا، وهذا يشبه ما حصل مع شركات الإعلانات الامبريالية في أوروبا وأمريكا التي اتخذت خطوات مقاطعة منصة إكس الماسكية، وهي العصا التي يروض بها الامبرياليون وكالات الإعلام، فانعزل هنري إلى دير قريب، وفكر مليا، وقرر إنقاذ عرشه بالذهاب سرا إلى البابا مستغلا رحلته إلى ألمانيا، وكان هنري يعرف أن معادلته مهزومة أمام عدو لا يرحم، لا سيما إذا تكالب أعداؤه عليه، وهذا ما أدركه أيلون ماسك متأخرا فيما يتعلق بخصومه، فلقد أدرك أن هذه الشركات قد تؤذي منصته وتدمرها، وبمقياس المصالح والغلال فإن وقوفه مع الحق الفلسطيني أو الوقوف في غير المعسكر الصهيوني سيلحق به أضرارا لا مثيل لها؛ لأن الفلسطينيين لا قوة إمبريالية، ولا ثروة رأسمالية لهم.
علم البابا أن هنري جاء عبر جبال الألب ساعيا إليه، فاتخذ خطوة لئيمة، واحتمى في قلعة "كانوسا".
كان البرد قاسيًا عندما أخذ هنري الرابع يصعد الطريق الجبلي الوعر إلى قلعة "كانوسا" حيث بقي ثلاثة أيام واقفًا على الجليد مرتجفا أمام باب القلعة الموصد في وجهه، حتى تعطف عليه البابا، وسمح له بالمثول بين يديه على شرط أن يسلم للبابوية بكل ما تطلبه دون قيد أو شرط.
دخل الإمبراطور على البابا حافي القدمين مرتديًا ثوبًا من ثياب الرهبان المصنوعة من الصوف الخشن، حتى إذا ما وجد نفسه أمام خصمه ارتمي عند قدميه وانفجر باكيًا وهو يصيح "اغفر لي يا أبتاه المقدس".
الذنب الذي ارتكبه أيلون ماسك احتاج إلى حرمان كنسي من شركات كبرى قاطعته مما دعاه لركوب الطائرة، والوصول إلى البابوية الإسرائيلية، والرضوخ عند أقدامها مطرقا ذليلا، وزيارة منطقة الحرب الخطيرة حتى يحصل على صكوك غفران يبرئه من تهمة العداء للسامية، والتعاطف بالعالم الحقيقي أو الافتراضي مع الفلسطينيين، ولو تشددوا عليه أكثر قليلا للبس الصليب، وجهز حملة صليبية لبيت المقدس كما فعل فريدريك الثاني ملك صقليه.
لا أعلم إن كان أيلون ماسك قد تمسح بالبابوية الإسرائيليه، وطلب من بابا العالم الجديد المقدس الغفران بالطريقة التي طالب بها هنري الرابع، لكن التاريخ لا بد أن يبوح يوما بما يحمله من حاجات يتفطن لها الناس لاحقا، ولا بد كذلك أن يفرق بين المنابع التي تعطي من تلقاء نفسها، والمزابل التي تتراكم لتزكم من حولها .