|
سيناريو إسرائيل القادم لـ"غزة الجديدة"
نشر بتاريخ: 10/12/2023 ( آخر تحديث: 10/12/2023 الساعة: 00:55 )
في ظل الحديث المتواصل عمن سيحكم قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي من قبل أطراف دولية مختلفة وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل وحلفائهما من الغرب والعرب على الرغم من عدم التكهن بنتائج ومآلات ما ستفضي اليه هذه الحرب من نتائج ميدانية على الارض حتى اللحظة ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه دائما أنه في حال حققت اسرائيل أهدافها المعقدة بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى حركة "حماس" وتحديدا على جهازها العسكري " كتائب القسام " في غزة وأنا أشك في ذلك لأن الموضوع نسبي وليس مطلقا ، فكيف سيكون شكل الحكم ومواصفات السياسة والجغرافيا الجديدة والتوزيع الديمغرافي والشكل واللون الجديدين والحياة العامة في غزة حسب رغبة الاحتلال الاسرائيلي ؟ . ان المتتبع والمتمعن في تسلسل حجم العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة منذ اليوم الاول من بدء معركة طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر الماضي ، والتي استهدفت المستوطنات الاسرائيلية في مناطق غلاف غزة وحتى يومنا هذا يدرك جيدا أن هذه الاعتداءات والانتهاكات والجرائم والمجازر والابادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي من قصف بلا هوادة بالصواريخ والقنابل المتنوعة والفسفور الابيض برا وبحرا وجوا للمواطنين والمستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد ولمنازل الابرياء العزل ...الخ ، جاء بالشهر الاول نتيجة ردة فعل غير مسبوقة للاحتلال على هول ونتائج عملية طوفان الاقصى المباغتة والمفاجئة لاسرائيل والتي جعلتها تتصرف كوحش فاقد للوعي لا يريد الا اشباع غريزته الانتقامية الدموية بعد ما مني به من هزائم أمنية وعسكرية واستخبارية وتكنولوجية واستراتيجية ووجودية في غزوة الغلاف ، فقامت اسرائيل بقتل الاف الاطفال والنساء والشيوخ لترميم صورتها المهزوزة أمام مجتمعها الداخلي من جهة وأمام حلفائها الغربيين والعرب والاميركيين من جهة أخرى علها تستعيد توزانها المفقود بفعل كل هذه الاخفاقات . ولكن سرعان ما بدأت اسرائيل في الشهر الثاني من ولوجها في حرب ومستنقع غزة بعد التقاط أنفاسها رويدا رويدا لاسيما بعد الهدن الانسانية وصفقات تبادل الاسرى المدنيين مع "حماس" والتي استمرت على مدار اسبوع كامل بالعمل بشكل ممنهج أكثر من ردة الفعل العدوانية، حيث بدأت مراكز الابحاث والدراسات المختلفة في اسرائيل وبعض المفكرين الصهاينة وقادة الجيش العسكريين وغيرهم يتحدثون ليس فقط عن مستقبل غزة وانما عن شكل الحكم وطبيعة وجغرافية وثقافة وحدود وصلاحيات والشخوص والجهات التي سيكون لها دورا فعالا وبارزا في غزة المستقبل التي تسعى اسرائيل ومن خلفها الادارة الاميركية وحلفائها واصدقائها من الغرب والعرب الى ولادتها من جديد بعد المخاض العسير الذي تعرضت له منذ السابع من تشرين أول الماضي، والذي أفقدها دماء عشرات الالاف من أطفالها ونسائها وشبابها وشيوخها ودمر كل ما فيها من ذكريات جميلة وقديمة . لقد شكلت غزة بعد معركة طوفان الاقصى بمقاومتها وجغرافيتها وأنفاقها وارادتها وصبرها وصمودها تهديدا وجوديا واستراتيجيا خطيرا على اسرائيل وبالتالي يفكرون ويرون في دولة الاحتلال حاليا انه لابد من القضاء على هذا التهديد نهائيا بأي طريقة أو وسيلة كانت لان هذه الحرب بالنسبة لاسرائيل مسألة حياة أو موت ، وبالتالي عمدت اسرائيل في الشهر الثاني من الحرب والعدوان على قصف البنى التحتية من شمال القطاع حتى جنوبه بشكل مكثف وممنهج ، وكذلك تركيز القصف والدمار في المربعات السكنية عالية الكثافة البشرية وتدمير المخيمات بشكل كبير لاحداث أكبر ضرر في المنازل لكي لا يكون صالحا للترميم او اعادة البناء على نفس الطريقة السابقة وأيضا ضرب وقصف وتدمير أحياء وتجمعات في كافة مناطق غزة ومنها مباني الجامعات والمؤسسات الحكومية والمستشفيات ومدارس "الاونروا" وكل المظاهر التي من شأنها ارجاع صورة غزة المقاومة الصابرة والمنتصرة قبل هذا العدوان . وهذا كله يعود لان اسرائيل تسعى من خلال كل هذا القصف والدمار الى التخلص من طبيعة وشكل وبناء المخيمات والأزقة التي تحويها، والتي تشكل في كل حرب عنصر قوة للمقاومة الفلسطينية باي مواجهة برية مستقبلية مع الاحتلال ، وكذلك التخلص من التجمعات والمربعات السكنية الكثيفة واعادة بنائها بعد الحرب بطريقة تسمح وتضمن دخول جيش الاحتلال بسهولة الى اي منطقة بالقطاع بالدبابات والجيبات والناقلات وأيضا وهو الاهم انشاء بنى تحتية في غزة تنهي اي محاولات مستقبلية لبناء انفاق جديدة مرة اخرى اسفل القطاع على غرار الموجودة حاليا بعد اغراقها والتخلص منها حسبما تدعي اسرائيل ، والتي تشكل منعة وعنصر قوة استراتيجية للمقاومة الفلسطينية ول"حماس" في كل حروبها مع الاحتلال ، وايضا الاتفاق على بناء غزة واعمارها مع الدول المعنية مستقبلا بما يتلاءم مع ما هو قائم في الدول العصرية من ابراج متباعدة وبناء مؤسسات وعمارات جديدة وجامعات ومستشفيات ومدارس تنسي المواطن الغزي كل ما فات من رمزيات وشعارات وذكريات معمارية، وهذا يعني خلق بيئة عمرانية وسكانية جديدة في القطاع أو ما يسمى "اقامة غزة جديدة" تتوافق هندستها الجيو استراتيجية مع رؤى الاحتلال بعد اقتطاع مناطق عازلة أمنية والسيطرة على بحرها وبرها وجوها كالمعتاد بغض النظر عمن سيحكمها بارادة اسرائيل واميركا والمجتمع الدولي، ناهيك عن العمل خلال هذه الحرب على قتل وتهجير أكبر عدد ممكن من الغزيين سواء عبر الهجرة الطوعية او القصرية التي تساهم في تقليل عدد السكان الذين يشكلون شوكة في حلق الاحتلال ، واستخدام قاعدة ما لم تستطع اسرائيل قتله تستطع تهجيره خارج قطاع غزة، و هذا من شأنه تسهيل عملية المراقبة والسيطرة على المواطنين وتهجينهم ومراقبة سلوكهم وثقافتهم وتعليمهم والتحكم في كافة تفاصيلهم دون إغفال لابعادهم عن الفعل المقاوم ، وهذا باعتقادي بدأ تطبيقه بشكل عملي من خلال عمليات النزوح والهجرات الداخلية من الشمال الى الجنوب كمقدمة للتهجير خارج حدود القطاع سواء الى سيناء او بعض الدول العربية او الدول الاوروبية التي بدأت تغدق فيز الهجرة على كل من أرادة الهجرة خارج القطاع اليها ، وكذلك ارسال آلاف الجرحى من المستشفيات في القطاع للعلاج خارجها بالدول العربية والاسلامية وخروجهم مع مرافقيهم وحالة الرعب والخوف التي علقت في اذهان المواطنين خلال هذا العدوان الهمجي، كل ذلك سيدفع مئات الالاف الى الهجرة من غزة الى دول العالم كافة وسيساهم في ولادة غزة رشيقة غير مكتظة سكانيا تتماهى مع السيناريوهات القادمة التي تريدها اسرائيل لغزة الجديدة . أما بالنسبة لشكل وطبيعة الحكم في غزة وهذه جميعها تحليلات وتكهنات لن يقررها ولن يشارك فيها الا من سيحسم ميدان المعركة على الارض في مرحلة عض الاصابع بين قوى المقاومة واسرائيل في هذه الحرب المتوقع الا تنتهي قريبا بسبب فشل اسرائيل في حصد أي انجازات او نتائج ايجابية لصالحها من بنك الاهداف الذي اقره مجلس الحرب الاسرائيلي والمتمثل بالقضاء على "حماس" واعادة الاسرى المخطوفين لديها بالقوة،فان السيناريو الذي تريده وترغب بتطبيقه ربما بعد هذه الحرب لو قدر لاسرائيل النصر فيها فانها لن تعود لحكم غزة بشكل مباشر ولن تتواجد في القطاع على غرار ما كانت عليه قبل توقيع اتفاق اوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 93 لان ذلك له كلفة بشرية ومالية وعسكرية واستخبارية ... الخ باهظة لا تقدر عليها اسرائيل، وايضا باعتقادي لن تعاود اسرائيل الى الاستيطان في غزة مجددا ولا على تخومه وكلنا يذكر ما حل بالمستوطنات والمستوطنين قبل ان تخليها عام 2005 من ضربات وعمليات للمقاومة الفلسطينية كبدت الاحتلال ومستوطنيه في هذه المناطق مئات القتلى والجرحى الامر الذي جعل ارئيل شارون رئيس الوزراء انذاك ينسحب بطريقة احادية الجانب من هذه المستوطنات ، ولن تؤمن او تثق اسرائيل بالسلطة الفلسطينية الحالية بأن تتولى جميع زمام الامور في قطاع غزة بالطريقة والاسلوب السابقين، اي ما قبل الحرب لانها تعلم جيدا انها لن تستطيع السيطرة بشكلها الحالي على غزة ولن تتماهى مع رغبات اسرائيل ولن تنفذ أجنداتها بالطريقة التي تريد منها اسرائيل ذلك وهي بأن تكون ميلشيا أنطوان لحد جديدة في القطاع. ولا أتصور أن تذهب السلطة الفلسطينية على ظهر دبابة اسرائيلية لحكم غزة ان كانت عاقلة، رغم ما صرح به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بانه لا يريد ان تحكم السلطة الفلسطينية غزة مستقبلا . ولعل ما تريده اسرائيل بعد هندسة شكل القطاع ديمغرافيا وجغرافيا لصالحها وخلق "غزة وديعه" بعد تقليم أظافرها حسبما تدعي فيما يتعلق بشكل وصفات ونماذج الحكم التي تريدها مستقبلا في القطاع، وبرأيي هو خليط من تجربة خيانة ميليشيات انطوان لحد اللبنانية في الدفاع عنها وحكمة السلطة الفلسطينية بالتنسيق الامني معها ونجاعة تجربة مرجعية الادارة المدنية الاسرائيلية العليا لها لمتابعة كل ما يجري في غزة أولا بأول حتى لا تتكرر تجربة طوفان الاقصى مجددا في المستقبل، مع استبعاد استقدام وجلب قوى عربية ودولية لحكم القطاع لاسباب عدة يعرفها الجميع ... ولكن عذرا يا غزة سامحينا لاننا نتحدث عن يوم اغتصابك ونسينا يوم ذبحك . |