وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

رسام الكاريكاتير ستاثيس: التأييد للقضية الفلسطينية ما زال حاضرا لأنه مستمد من روح اليونانيين وقوميتهم

نشر بتاريخ: 15/03/2006 ( آخر تحديث: 15/03/2006 الساعة: 11:12 )
نابلس- معا- ستاثيس ستافروبولوس فنان كاريكاتير وكاتب يوناني معروف في الوسط الإعلامي والسياسي، كانت له في السنوات العشرين الأخيرة بصماته المعروفة في مجال الكاريكاتير على صعيد اليونان، نشأ في صفوف اليسار السياسي وتنقل في عدة جرائد ومجلات يونانية، مساهما في تصوير الأحداث على طريقته الخاصة، وقد جلبت له مواقفه من القضية الفلسطينية ومعارضته للسياسات الأمريكية الكثير من المتاعب من جانب السفارتين الإسرائيلية و الأمريكية في أثينا ومن جماعات ضغط يهودية في أوروبا.

حول الأحداث الأكثر أهمية في حياته يعتبر أن ولادة ولديه "ذيونيسيس" و"تيليماخوس" الحدث الأكثر أهمية عائليا، كما يذكر مشاركته في انتفاضة الطلاب اليونانيين عام 1973 ضد الحكم العسكري، والمعروفة بثورة "البوليتكنيو"، وبدايات نشر رسوماته في الصحف اليسارية وأسفاره إلى نواح متعددة من المعمورة.

ويعتبر (ستاثيس) أن فن الكاريكاتير هو "طلب الحقيقة"، والبحث عن المحرك الحقيقي وراء الأحداث، موضحا أنه يختار موضوعاته من الواقع المعاش، ومن موضوعات وحقائق حياتية قد لا تكون دائما ظاهرة للعيان.

أما أن يعبر فنان الكاريكاتير عن موضوعاته وعن أفكار الناس من خلال هذا الفن فيعتبر (ستاثيس) أن المسألة بالنسبة له شخصيا غير صعبة، واضعا فرقا بين الكاريكاتير المرخص من الجهات الرسمية والذي هو أداة تعبير الأقوياء ضد الضعفاء، وبين فن الكاريكاتير الحقيقي هو فن الأمل المقاوم لليأس، والممثل لتمرد الإنسان على الموت، ورفض الانصياع والتبعية، والسعي نحو حياة أفضل.

ولا تغيب عن (ستاثيس) تأثيرات نٍشأته اليسارية، حيث يعتبر أن أهم الموضوعات التي تجذبه الأحداث كشف خداع السلطات، والتطورات السياسية، مسالة الحرب والسلام، تفصيلات الحياة اليومية، عذابات الناس البسطاء، وتطور الحضارات.

عن المؤسف والمفرح في فن الكاريكاتير يعتبر (ستاثيس) أن فنه يحوي القليل من المؤسف له، والكثير للجالسين في مقاعد السلطة، بالنسبة لقرائه يأمل أن يكون هناك الكثير من العناصر المفرحة والقليل من العناصر المحزنة، مضيفا أنه يمارس الكثير من النقد لعامة الشعب وبسطائه، لكن دون أي إهانة أو انتقاص من قيمته.

وحينما تبرز الناحية الإنسانية في الفنان (ستاثيس) يتحدث عن الرسومات التي أهداها لموضوعات الحرب ومآسيها، مثل الحروب التي وقعت في يوغوسلافيا وأفغانستان وفلسطين، وموضوعات إنسانية مثل الجوع الذي يقتل أطفال العالم الفقير، والأمراض والفقر.

ويعتبر (ستاثيس) أن الناحية البائسة للوجود الإنساني تحرك الكاريكاتير وتمد هذا الفن بموضوعات وأفكار متجددة.
وعن المعادلة بين فن الكاريكاتير الذي اشتهر به (ستاثيس) وبين الكتابة التي لا يقل عنه شهرة فيها، يعتبر أن غير راض عن نفسه في كل الحرفتين، وأنه يعتبر نفسه كل يوم في اختبار جديد، عليه أن يقدم فيه الأفضل والأرقى والأحسن، كما يشبه نفسه في محاولته للوصول إلى الأفضل بالتلميذ الجديد في المدرسة الذي يحاول دون كل أن يثبت قدراته.

أما عن مكانة فن الكاريكاتير في الصحافة اليونانية والأوروبية عموما، فيعتبر (ستاثيس) أنه في الخط الأول، موضحا أن اليونان لديها موروث شعبي وتقليدي عريق في هذا المجال منذ أيامها الأولى، وفي البلاد الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وأخيرا بريطانيا وصلت هذه الحرفة إلى مكانة راقية جدا.

وعن علاقة الفن بالسياسة ورضوخ الصحف للضغوطات لتعديل بعض رسوم الكاريكاتير اعتبر أن الكثير من الصحف يخضع للضغوطات سيما إن كانت موافقة لتوجهاتها العامة، معطيا المثل بجريدة "اليفثيروتيبيا" التي أثبتت أنها لا تخضع للضغوطات، كما أن هناك العديد من الصحفيين والكتاب لا يهتمون كذلك بالإملاءات.

عن دور السفارات العربية في أثينا ومساهمتها في تصحيح المفاهيم يقول (ستاثيس) إن دورها معدوم تماما، باستثناء الفلسطينيين الذين يحاولون قدر المستطاع الخروج في وسائل الإعلام وتصحيح الصورة، يتابع (ستاثيس) الإعلام اليوناني يعلم بشكل صحيح قدر المستطاع، من الناحية الأخرى، قناة الجزيرة كمصدر معلومات، تلعب دورا مهما في الغرب، لكن ليس بالقدر المطلوب في اليونان، لأن اليونانيين كانت لهم دائما اطلاعاتهم ومعرفتهم وهم يتعلمون المزيد.
ولا يبدو (ستاثيس) منزعجا من عدم وجود أي دعم معنوي من السفارات العربية في أثينا، معربا عن تفهمه لوجود عوائق في تعامل العرب والغربيين، ولو كانت حالة اليونان أخف حدة، أما الحكومات العربية فهي لا تهمه بحال إذ يعتبرها غير شعبية وغير بريئة تماما من عذابات مواطنيها.

وعن وجود ضغوطات من سفارات غربية في اليونان لتغيير آراء الشخصيات المؤيدة للعرب، يؤكد (ستاثيس) أن السفارتين الوحيدتين اللتان تقومان بالضغوط هما السفارة الأمريكية والسفارة الإسرائيلية، وهذه الضغوط عادة ما تفشل في تحقيق أهدافها، وإن كانت هناك حالات انصياع أو شراء ذمم فهي استثناء لا أكثر.

وحول تكلفة نقد الصهيونية يذكر (ستاثيس) أنه تلقى رسائل احتجاج من المجلس اليهودي البريطاني ومن وزارة الخارجية الأمريكية، وتدخلات من السفارة الإسرائيلية في أثينا، لكنه لم يعبأ بأي منها، معتبرا نفسه معاديا للفاشية الإسرائيلية لا السامية، ومعتبرا أن انتقاده لإسرائيل ينبع من ثورته على سياسات الاغتيال ضد المواطنين العرب، وضد الحرب التخويفية التي تقوم بها ضد كل من يتجرأ على نقدها، مضيفا أنه كرجل ديمقراطي كثيرا ما دافع عن اليهود ضد العداء للسامية كما انتقد الإسرائيليين بسبب السياسات النازية التي ينتهجونها ضد الفلسطينيين.

ولا يعتقد (ستاثيس) بوجود صحافة محايدة، ويطلب في المقابل أن تكون موضوعية، معتبرا أن خلفيات الصحفيين وخط الصحيفة العام لا بد إلا أن تظهر في أعمالهم، لكن هذا لا يعني تبرير التزوير أو حجب الحقائق.

وحول السياسة العالمية والعولمة يعتقد أن الكثير من الناس يقفون ضدها من غير صفوف اليسار، مثل المثقفين واليمينيين الشعبيين وغيرهم كثيرون، ومضيفا إن اليونانيين بطبيعتهم شعب مثقف سياسيا منذ القدم، وهم يعرفون مجرى الأمور.

والدور الأمريكي في اليونان وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية استراتيجي وقوي، بل هو الأول حيث دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري عام 1973، وساهمت في تشكيل القوى السياسية، دافعة اليسار السياسي إلى حيز عدم الشرعية حتى عام 1974، وكانت حاضرة في المسألة القبرصية وكل الأزمات التي وقعت بين اليونان وتركيا، أما الدور الإسرائيلي فيعتبر (ستاثيس) أنه مرتبط بالدور الأمريكي ليس أكثر، لكنه كاف ليعتبر إجراميا، أما العلاقات الإسرائيلية مع الحكومات اليونانية الحالية فقد قويت كثيرا مع الحملة الدولية المضادة للإرهاب، حيث كان معروفا تواجد الكثير من عناصر الموساد في أثينا خلال فترة الألعاب الأولمبية، والى اليوم لم يتم "تطهير المكان" منهم.

والعلاقات العربية اليونانية لديه تسير بشكل طبيعي إذ إن الشعبين يعرفان بعضهما منذ القديم والفوارق بينهما غير شاسعة، ومع أنه لم يدع إلى إقامة أي معرض لرسوماته في الدول العربية، فإنه يعدد بفخر زياراته إلى الكثير من أنحائه سيما زيارته لبغداد التي أرسل منها العديد من رسوماته ومقالاته المعبرة.

والتقى (ستاثيس) -خاصة في بغداد- بالكثير من الفنانين والمثقفين العرب الذين يمثلون حسب رأيه قسما مهما من التاريخ الإنساني الراقي، والذين يجهل اليوم مصيرهم، ويتمنى أن يراهم من جديد في بغداد محررة من الاحتلال، وأن يشرب الشاي في البازار متحدثا مع التجار العراقيين، وأن يزور مساجد بغداد العريقة ويسمع الموسيقى الشرقية المحببة لديه، ويسترجع ذكريات مضى عليها زمن طويل.

والتأييد الشعبي للقضية الفلسطينية لا زال حاضرا، وهو يعتقد أنه باق لأنه مستمد من روح اليونانيين وقوميتهم لذلك فزواله يتطلب نسيان اليونانيين هويتهم وقوميتهم ولغتهم، وهي مسألة مستحيلة.

وحسب (ستاثيس) فرؤية اليوناني لمسألة الشرق الأوسط تختلف تماما عن رؤية المواطن الأوروبي الآخر في غرب أوروبا، فاليونانيون كانت لهم تجاربهم الخاصة مثل المسألة القبرصية، التطورات السياسية غير المستوية في اليونان، التدخلات الأمريكية الفجة التي تصل إلى حد الهيمنة، الموقع الجغرافي لليونان حيث لا تجاور أي دولة من دول الوحدة الأوروبية، وقربها إلى الدول العربية جعل منها قريبة إلى الشرق، هم يفهمون أكثر معنى التشرد والاحتلال النضال من أجل الحرية، كما أن الحضارتين عاشتا جنبا إلى جنب لقرون طويلة بتناقضات بينهما، لكن كلا من الحضارتين قبل الآخر، ويذكر ما كتبه أحد الأباطرة البيزنطيين إلى أحد الخلفاء المسلمين في دمشق " إن شعبينا هما قطعتان من الحجر الكريم في التاج الذي ألبسه الإله للأرض".

واليونانيون أخيرا- كما يقول (ستاثيس)- لم يكونوا يوما من المحاربين الصليبيين بل إنهم قاسوا منهم كما قاسى العرب.