ما سر تبعية أميركا لاسرائيل؟
نشر بتاريخ: 10/02/2024 ( آخر تحديث: 10/02/2024 الساعة: 20:21 )
كان لافتا مدى الدعم المطلق الذي قدمته الولايات المتحدة الاميركية لربيبتها اسرائيل في عدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ بداية معركة " طوفان الاقصى" وحتى يومنا هذا سواء على الصعيد العسكري أو الاستخباري أو الامني أو المالي أو السياسي أو الدبلوماسي أو القضائي ...الخ ، وهذه الحظوة والدعم اللامحدود لم ولن تحظى به أي دولة في العالم سوى اسرائيل التي تعتبر من أهم الثوابت في السياسة الخارجية لكافة الادارات الاميركية المتعاقبة .
ولعل هذا الدعم غير المسبوق لم يأت من فراغ فعلى مدار أكثر من ثمانين عاما استطاع اللوبي اليهودي الصهيوني التغلغل في كافة مفاصل الحياة الاميركية السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية والفنية والرياضية ... الخ ، وذلك من أجل استمالة هذه السياسات والمواقف لصالح دعم اسرائيل على كافة المستويات لاسيما وأن هناك تماثلية وثقافة مشتركة بين اميركا واسرائيل فكلاهما أقام دولته على انقاض السكان الاصليين فأميركا على حساب الهنود الحمر واسرائيل على حساب الفلسطينيين .
وتشكل لجنة الشؤون العامة الاميركية – الاسرائيلية "ايباك" القوة الاولى الضاغطة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية اضافة لمئات جمعيات ومؤسسات الضغط اليهودية فيها ، وتعد الولايات المتحدة الأميركية الوطن الأصلي لأكبر تجمع يهودي في العالم ؛ حيث تشير التقديرات الى أن مجموعهم يصل إلى أكثر من خمسة ملايين يهودي أميركي وهؤلاء يشكلون حلقة فاعلة ومؤثرة ذات نفوذ متعاظم خصوصا على الكونغرس الاميركي عبر دعم حملات وأعضاء الكونغرس والنواب من أجل التحكم في قراراتهم واستغلالهم في اي تصويت مستقبلي لصالح دولة اسرائيل ، اضافة لما يسمى المسيحيين الصهاينة " الانجليكان" وهؤلاء مواطنون أميركيون مسيحيون ذوي نفوذ مالي وسياسي واقتصادي واجتماعي وديني وفني وتكنولوجي ...الخ في المجتمع الاميركي يكرسون جزءا هاما من نشاطاتهم ودعمهم لاسرائيل انطلاقا من معتقدات دينية متطرفة ، كل ذلك مكنهم من الاتصال بكل من السلطة التنفيذية والتشريعية بكل سلاسة ودون حواجز والتأثير غير المباشر على الساسة والشعب في أميركا، مثل تعبئة الرأي العام، وخلق اتجاه عام يؤثر على صانعي السياسة وهذا واضح من خلال سيطرتهم على وسائل الاعلام الاميركية الهامة والمؤثرة مثل قناة "فوكس نيوز" وغيرها من الوسائل والمنصات الاجتماعية ، لإقناعهم بقرارات تحقق مصلحة هذه الجماعات ومن ثم مصلحة اسرائيل في نهاية المطاف .
ان كل ما ذكر سابقا هو جزء يسير من أمثلة ودلائل وبراهين ساطعة على مدى سيطرة اللوبي الصهيوني اليهودي على صانعي القرار في الادارات الاميركية المختلفة ، لاسيما في قطاع السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، حيث تعتبر ادارة الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن الديمقراطية من أكثر الادارات التي قامت بتعيين مسؤولين ووزراء يهود في مناصب عليا في مؤسسات الدولة ، فبالاضافة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن هناك وزير العدل ميريك غرلاند ، وجانيت يلين وزيرة الخزانة الاميركية "المالية" ، وكذلك الخاندرو مايوركاس وزير الامن الداخلي ، وأيضا ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية ، وراشين ليفن نائبة وزير الصحة ومنصب كبير موظفي البيض الابيض رونالد كلاين ، وأفريل هاينز مديرة المخابرات الوطنية الداخلية ، وديفيد كوهين نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي اي ايه" ، واريك لاندر مدير مكتب السياسات في البيت الابيض ، واّن نيوبرغر مديرة الامن السيبراني في وكالة الامن القومي ، وعاموس هوكشتاين مبعوث الرئيس الاميركي جو بايدن للشرق الاووسط ولبنان وغيرهم المئات بل الالاف من اليهود الذين يتبوأون مناصب هامة وحساسة في ادارات مؤسسات الولايات المتحدة العامة والخاصة .
ومن شأن هذه المناصب تأكيد مقولة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق رابين : " أعتقد ان ارتباط الشعب الاميركي وادارته باسرائيل يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها " وهذا ما لاحظناه وشاهدناه ولمسناه منذ بداية العدوان الاسرائيلي على غزة في السابع من تشرين أول الماضي وحتى اليوم ، خصوصا مع زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الخامسة للمنطقة واسرائيل والتي اعتقد البعض جازما أنها جاءت من أجل الزام والضغط على الاحتلال الاسرائيلي وعلى مجلس الحرب وعلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوقف اطلاق النار والانخراط والموافقة على صفقة تبادل مع فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة "حماس"، ولكن اتضح أن بلينكن جاء كيهودي أولا وكوزير خارجية ثانيا واضعا نصب عينيه مصلحة اسرائيل أولا وأخيرا في معركتها الوجودية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومسانديها في المنطقة سواء على جبهتها الشمالية مع حزب الله أو مع جماعة انصار الله الحوثيين باليمن أو مع المقاومة العراقية ، وبالتالي فان المنطق الذي يعتقد أن أسرائيل هي قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط تأتمر بأمرها وتتبع لها وتمارس عليها ضغوطاتها وتلتزم وتنفذ قراراتها وسياساتها دون اعتبارات اخرى باعتقادي غير منطقية ، صحيح أن الولايات المتحدة توفر الحماية بمفهومها الشامل والواسع والعميق لاسرائيل لكن لا تستطيع ارغامها على فعل أي شيئ يتعارض مع رؤيتها واهدافها وسياساتها الصهيونية والتوسعية العنصرية ومصالحها العليا لأن من يحكم اسرائيل بالاساس هم من يحكمون ويسيطرون على الحكم في الولايات المتحدة الاميركية أي بمعنى أن اسرائيل هي من تفرض رؤيتها وقراراتها وسياساتها وأجنداتها على السياسة الخارجية الاميركية في ما يتعلق بكيفية التعامل مع كافة قضايا الصراع المختلفة في الشرق الاوسط وليس العكس كما يشاع .