نشر بتاريخ: 22/02/2024 ( آخر تحديث: 22/02/2024 الساعة: 10:03 )
عن دار جفرا للنشر والتوزيع في الأردن، صدرت مؤخرا مجموعة "لحظة" للكاتبة الواعدة زينب حميدات، التي تتلمس طريقها، وتصدر عملها الثاني بعد "كلمات قبل الرحيل" والذي كان في حينه محط نقاش في أمسية ثقافية في بلدة الكاتبة بني نعيم، وحينها أصغت الكاتبة بكل اهتمام للملاحظات المتخصصة.
في "لحظة" نصوص شعرية، يحكمها خيط ناظم في بعض محطاته وكأنه الشعور بالوحدة الذي رافق فدوى طوقان، إذ تقول الكاتبة :" وحدي.. أرفع يدي"، وهو ما يترافق مع ما نجده في قصيدة: " ممزقة أنا" ، ثم ثمة تناص يتقاطع وقول إبراهيم دوقان" كفكف دموعك"، والتعبير عن وعورة المشهد، وكأن الوصف معادل موضوعي لما تكتنزه ثنايا النفس من مشاعر، فالشعر هنا مرآة عاكسة تجسد دفقات شعورية.
رغم ذلك تأتي قصيدة" أسير فوق الغيوم" لتعبر عن إرادة، وسط استشراف للآتي يؤكد أن الكاتبة لم تتجاوز فقط حالة الانكفاء التي برزت في عملها الأول ومطلع " حلم" لكنها تفوقت على ذاتها، فهي تنشٍد بشعرها ما تنشُده من غد: " أعطني الفأس...كي أبذر الغيم ....علّها تمطرُ فرحا"... ولعل ما يتوالى وروده من تعبيرات يؤكد تأثر الكاتبة بشعراء آخرين، فتكرار ورد عبارات بعينها مثل عبارة شاعرنا فاروق جويدة " أراك في كل حين" مما يؤكد أن الكاتبة استدركت بعضا من قصور لازم تجربتها الأولى في الكتابة، لترمم قصائدها بشذرات من إبداع سابق، ومن الشواهد على ذلك أيضا: اسرج خيلك.
"أراك في كل".. تعبير توظفه الكاتبة في سياقات متعددة وتبدع في ذلك، فبعد أراك في كل حين، نجدها تستخدم تعبير" أراك في كل العطور"، وهذا التكرار في النسق لم يكن عبئا على سلاسة النص بل كان تعبيرا عن دفقات شعرية وجدت انعكاسها في تعابير تبدو ظاهريا بساطة لكنها تلامس كنه الذات، ثم نجد أن الكاتبة تكثر من استخدام الألوان والحركة بل وتضاد المشاهد بالجمع بين ربيع العمر والصيف، واستحضار "الزمكان" من خلال شاعرية الأمكنة وكأنها تسير على خطى عز الدين مناصرة حين جعل الخليل حاضرا لا يغيب في شعره، ومجرد ورود الخليل وإن بشكل عابر في هذه المجموعة يؤسس لقادم المحطات.
في قصيدة " لحظة" إبداع في إزالة الحواجز بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتكثيف بسلاسة يترافق مع معالجة تلقائية وتساؤل قد يحمل في طياته ضمنيا إجابة: "إني أسير بقربك...لا أدري أين المفر؟ يحاصرني هذا القدر...هيّا نقلّب الصفحة...لنشعر ببعض الفرحة...هل خيّط الزمان جرحي؟ أم أنها مزحة؟ "، وهنا نقف على طريقة خاصة في السرد والتساؤل دون أن يثقل ذلك كاهل النص.
التنويع في القوافي وهذا التحرر من قيود القافية أتاح للكاتبة تجاوز بعض ما وسم تجربتها الأولى من التزام غير مبرر أحيانا بالقافية، وفي" حلم" شهدنا تركيزها على المقاطع بدل القصيدة كوحدة كاملة، وفي هذا تأكيد على أن الكاتبة تأملت عملها الأول، وتداركت ملاحظات بعينها شكلت في حينه مآخذ على عمل أدبي تقتضي الموضوعية القول إنه من ضمن البواكير، وللبواكير دوما ما يرافقها من انعكاسات حداثة التجربة، والحق يقال أن الفرق بين الإبداع الكامن بين "ما قبل الرحيل" و" لحظة" يفوق كثيرا التوقعات في ظل محدودية الفترة الزمنية بين صدورهما، دون أن يعني ذلك أن نقول للكاتبة: حذار من الاستعجال في توالي الإصدارات، فمنهجية "حرق المراحل" في الإصدارات الأدبية قد تأتي بنتائج عكسية، مع أنها في حالتنا هذه لم تشهد الوقوع في مزالق، إذ جاء الإصدار الثاني أكثر نضجا مقارنة بالإصدار الأول.
موضوعيا ولا زلنا في هذا السياق، تبدو قصيدتا " أخي" و"أختي" ردا على الشعور بالوحدة، فهما ملاذ، والتعبير هنا قد يتجاوز الحالة الفردية إلى حالة جماعية، خاصة في ظل الوضع المعيش:" قل لي بربك يا أخي ...من سواك لنا السند....إن ضاقت علينا البلد....هيا نسرج ظهر العزيمة...ولن ننتظر أحد".، وتعبير نسرج ظهر العزيمة معبر عن إبداع تصويري ربما استوحته الكاتبة من سياق حياتي بحكم انحدارها من بيئة ريفية، ومع ذلك كان بالإمكان دمج القصيدتين في قصيدة واحدة.
مع ذلك.. تبدو المبالغة في السجع؛_ كما نلحظ في قصيدة جامل_ ظاهرة يستحسن أن تحاول الكاتبة التقليل منها مستقبلا كي لا يندرج ذلك في إطار صنعة وتكلف، دون التقليل من مدى نجاح الكاتبة في إيراد صورة شعرية قد لا تكون مبتكرة لكنها موظفة في سياقات تعبيرية تضفي على النص امتدادا.
تختتم الكاتبة مجموعتها بقصائد تحمل عناوين : يا رب، وخذ بيدي، ومجتمع شرقي، وهذا التنوع في العناوين ربما يجسد الانتقال الفجائي من طابع لآخر في صفحات المجموعة لا نصيا فقط بل وشعوريا.
عموما؛ محاولة تستحق الإشادة، ولا زال الواقع الإبداعي في بلادنا يفوق الواقع النقدي ويتفوق عليه، ومثل هذه الإصدارات لأسماء جديدة تستحق أن تنال حظها من الاهتمام، خاصة وأن الأصوات الإبداعية النسوية الشعرية تشهد حالة من التراجع فلسطينيا، مع تنامي ظاهرة الاستعجال والاستسهال في التأليف لبعض كاتبي الرواية مع تناسي ما يحتاجه الفن الروائي من نضج التجربة.
البيئة البسيطة مطلب، والقصيدة الأخيرة تتقاطع وما قدمته ذات يوم ميسون بنت بحدل التي قالت ذات يوم" لبيت تخفق الأرياح فيه...، لتأتي زينب حميدات وتقول: لا حرير ولا ديباج... ولا مقاعد من العاج... بيت بسيط من الحجر.. والنوافذ من زجاج....بجوارنا قنّ دجاج.. كي نعيش بسلام...هذا كل ما نحتاج"، وبذا تكون قد لخصّت الحكاية، وعبرت عن الانتصار للأصالة إذا كان المقصود بها البساطة.
بموضوعية: أبدعت الكاتبة وتجاوزت الكثير مما شاب الإصدار الأول من هفوات، وقدمت ذاتها في عمل زانه الكثير، وشانه فقط ملاحظات سطحية عابرة يمكن تلافيها في قادم الأعمال، لكن_ وكما أكدنا سابقا_ دون استعجال، وبانتظار أن يكون هذا الإصدار ومثيلاته مما يحظى باهتمام وزارة الثقافة والإعلام المحلي المطالب بإفراد مساحة لمثل هذه الإبداعات.