قال المستبد: فيكتور خارا ستغني لي
نشر بتاريخ: 22/02/2024 ( آخر تحديث: 22/02/2024 الساعة: 11:20 )
في صرير القيد وفي معتقل المسكوبية في ثمانينات القرن المنصرم ، كنت مشبوحا مصفدا وعلى راسي كيس من قماش الخيام السميك،تفوح منه رائحة خانقة،من كثرة من تقيؤات، واغمي على كثير منهم ، اشنف اذني وتعايشت مع المكان بحاسة السمع، والتمييز ما بين خطوات السجان وضابط التحقيق وأسير اخر، شممت رائحة معتقل جديد بجانبي وأضحى غرضي وهدفي أن أعرف من يجاورني في الشبح، واقتناص غياب السجان الذي يتظاهر أنه غادر ساحة
الشبح لينهال على من يتحدث ركلا ويخنقه بكيس الخيش المعفن ، وعليه زيادة في التأكد ناديت: يا سجان يا شرطي، لم يجب أحد، كان عادة يجيب بشتيمة ويتبعها اخرس مع شتيمة للأم،
قال للذي بجانبه : أنا فلان اياك ان تثق حتى بابيك لا تتحدث الا في أمور اجتماعية وتسلية، أنا طالب جامعي معتقل، يجيبه: أنه من بلدة مجاورة لمدينته ويدرس في اسبانيا،
قال: اتفقنا اياك ان لا تحكي الا عن جمال الاندلس ومغامراتك في عالم اسبانيا، وحذره من غرف العار، حيث تصمم من مخابرات الاحتلال على أنها لثوار وهم جواسيس، وعلى كل لا تثق حتى بي انا، وأضاف:
أنت هنا أمام خيارين الاعتراف والسجن، أو الصمود والتحرر، الصبر ساعة، على كل لتعرف أنه في الساحة حوالي ثلاثون مشبوحا يستمعون لحديثنا، ومنهم من يتساقط ويعترف ومنهم من قد يشي بنا، وعليه ليكن حديثنا تسلية للجميع، وتوقع أن يطب السجان علينا ويخنقك اذا كنت المتحدث وركلة بين رجليك ،
بعد فترة من التحقيق اختفى عطا الله، توقعنا نقله إلى غرف العار وذلك لخداعه، عاد بعد اسبوعين وانضم لطابور المشبوحين، ومارس نفس اللعبة، يا سجان يا شرطي،عرفت صوته واجبته الحمد لله على سلامتك، قال: نعم كنت هناك، وانا ليس لي اي نشاط أو انتماء، غير أن المخابرات مددت اعتقالي شهرين للتحقيق،
في فترات يتعب محققو المخابرات، يغادرون في نهاية الأسبوع وكذلك يخرج السجان من الساحة،يشعر أنه هو المعتقل الوحيد، ليتحدث إلى السجانين الآخرين ،
كنا نتحدث مطولا وصادف وجود معتقلين طلبة يدرسون في الجامعات المحلية والأوروبية وروسيا،
تبادلنا الحديث عن القفشات، وكان عطا الله خفيف الظل وصاحب نكتة، ونضحك حتى تتكسر الاقفال، ويحضر السجان غاضبا، ويسال لم تضحكون؟
يجبه أحدهم: الضراط، الم تسمع، يشتم ويغادر.
وبعد انتهاء التحقيق، نزلنا للغرف وحان موعد الإفراج عن عطا الله، قال لي انني اثق بك فقط لأحكي لك عن فيكتور خارا.
أنه موسيقار من التشيلي ملحن ومطرب للمقهورين قام الدكتاتور بينوشيه المدعوم من الإمبريالية الأمريكية بانقلاب على الزعيم اللندي، واعتقل مناصريه ومنهم فيكتور خارا الذي كان معروفا، كسروا أصابعه وطلب جنرالات الانقلاب منه أن يغني، وفي ملعب كرة القدم أمسك بأصابعه المحطمة الكمنجة، وبكل عزم شد ألمة واستخرج وجعه ليغني يصوت صادح، هز اركان الملعب وانشد المعتقلون بقوة الغناء مع فيكتور سننتصر سننتصر
لم يحتمل جنرالات بينوشيه عار هزيمتهم فاخرجوه ليطلقوا عليه أربعين رصاصة، ويلقوا بجثته في الشوارع.
احتلتني تلك الحادثة منذ ذلك الوقت حتى حادثت صديقي عطا الله الذي ذهب وقاتل في لبنان عام 1982 وجرح ويسكن في امريكا الجنوبية، سالته عن فيكتور ،قال ضاحكا لقد عزلوا الدكتاتور وأخرجوا جثة فيكتور ودفن كاحد ابطال الحرية العالميين ، وقبل خمس سنوات حكم الجنرالات الذين شاركوا في اغتياله بالسجن خمسة عشر عاما ،
اي سيموتون في السجن
المجد للإنسان
عطاالله طالب هندسة ومخرج يحمل لي ودا اني حذرته
ذهب إلى لبنان قاتل وجرح، ودع خروج المقاتلين عام ١٩٨٢، رفع رأيته نحو أمريكا اللاتينية يحمل لفلسطين ولثوار العالم والحرية والإنسان مودة عالية.
قال لي: فيكتور غنى لاحلامنا نحن الفلسطينين : سننتصر .سننتصر.