وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

سياسة التجويع الإسرائيليّة مقابل “بطولات” المساعدات الوهميّة

نشر بتاريخ: 09/03/2024 ( آخر تحديث: 09/03/2024 الساعة: 16:41 )
سياسة التجويع الإسرائيليّة مقابل “بطولات” المساعدات الوهميّة



في شهر العدوان الخامس، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة حالة عدم يقين وانتظار وترقّب ومتابعة المعلومات حول أخبار المفاوضات، وقرب التوصّل إلى صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، بخاصة بعد تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يأمل في أن يتمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال أيام.
يعيش الغزيون على أمل انتهاء معاناتهم ومداواة جراحهم وآلامهم ووقف حرب القتل والتدمير والتجويع الممنهجة، وهم في حيرة من أمرهم.
خلال كلمة رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، الأخيرة، انتظر الناس تطمينات منه حول صحة المعلومات المتداولة ونتائج الاجتماعات في قطر وباريس، إلا أنه حمّل أميركا وإسرائيل المسؤولية من دون ذكر أي معلومات واضحة عن صفقة الأسرى ووقف الحرب.
مشهد سوداويّ
المشهد في القطاع يزداد سوداوية، والجوع يفتك بسكان مدينة غزة والشمال، وإسرائيل تمنع إدخال المساعدات الغذائية الأساسية، بذريعة عدم منح حماس الفرصة لإعادة ترتيب الأوضاع والسيطرة مجدداً على غزة والشمال ومنع كل ما يفشل “الإنجازات” التي حققها الجيش الإسرائيلي هناك.
سوداوية المشهد الغزي وكارثيّته لا تقلان عن سوداوية وعجز المشهد الرسمي العربي العاجز حدّ التواطؤ عن وقف الحرب أو إدخال المساعدات وإنهاء حرب التجويع. وفي خطوة لا تبشّر بالخير، أقدمت طائرات حربية أردنية على عملية إنزال مساعدات من الجو على شاطئ بحر دير البلح ومنطقة المواصي في خان يونس، في حين لم يصل أي نوع من المساعدات الى أهالي مدينة غزة وشمالها، فيما هم بأمسّ الحاجة إليها.
كذلك، نفّذت ثلاث دول عربية (مصر والإمارات والأردن) عمليات إنزال إو إسقاط من الجو أيضاً على شاطئ دير البلح وخان يونس، وسقط جزء منها في البحر.
الجيش الإسرائيلي أعلن أنه بالتنسيق مع الأردن ومصر والإمارات وفرنسا وأميركا، تمت عملية إنزال 160 طرداً من المواد الغذائية والطبية الى جنوب قطاع غزة، ما أثار غضب كثر من الفلسطينيين وسخريتهم من هذا الاستعراض البائس. فطالما أن مستوى التنسيق عال بين تلك الدول وإسرائيل، فلماذا تقوم بعمليات إسقاط مساعدات غذائية وطبية في قطاع غزة، ما يعني أنها تستطيع الضغط لوقف حرب الإبادة، بدل الحلول الترقيعية التي تديم حرب التدمير والقتل والتجويع.
تتمّ إحاطة عمليات إسقاط المساعدات بـ”بطولية” متوّهمة إعلامياً.
فلماذا لا يكون الإنزال أرضياً وعبر معبر رفح وتنفيذاً لقرار جامعة الدول العربية برفع الحصار عن غزة بدل هذه البطولات المزعومة، والحط من كرامة الشعب العزيز الكريم، من دون تنسيق مع أي جهة لتوزيعه بعدالة بدل هذه الطريقة المهينة بإسقاط طرود من الوجبات الساخنة والطحين الذي سقط جزء منه في البحر…
وفي ظلّ هذا الاستعراض والتنسيق العربي – الإسرائيلي، ما زال ممنوعاً إدخال قوافل المساعدات، التي تتعرض غالباً لإطلاق نار من الجيش الإسرائيلي واللصوص، بينما تمنع إسرائيل الناس من الوصول إليها في مدينة غزة وشمالها، وفقاً لما ذكرته الأونروا، التي لفتت أيضاً الى انخفاض المساعدات التي تتلقاها الوكالة إلى النصف خلال الشهر الجاري.
ما ذكرته الأونروا والإنزال الجوي العربي، زادا شكوك الفلسطينيين في أن هذه حلول مؤقتة، مع ما يعني ذلك من استمرار لتقليص المساعدات عبر معبر رفح وتمسُّك إسرائيل بموقفها، وتحجيم عمل الوكالة.
في اليوم 145 للحرب، أعلنت بلدية غزة أن الاحتلال الإسرائيلي حوّل غزة إلى مدينة منكوبة ودمّر المرافق والخدمات، ووصل حجم الدمار إلى مستويات غير مسبوقة في العصر الحديث. ولفتت الى أن الاحتلال دمّر نحو مليون متر مربع من الشوارع والطرق، واقتلع 55 ألف شجرة، كما دمّر 40 بئراً، ما يشكل نسبة 60 في المئة من آبار المدينة.

الجميع مسؤولون

منذ اللحظة الأولى للحرب على غزة، تحصّنت الرواية الإسرائيلية خلف الافتراض بأن جميع الفلسطينيين في القطاع مسؤولون عما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكلهم مذنبون على حد سواء ومؤيدون لحماس، ولا يوجد غير مشاركين ومتورّطين: “وجدنا عتاداً عسكرياً وأسلحة في كل منزل، مخبأة في كيس مكتوب عليه أونروا، وحماس تختبئ بين المدنيين، ويعلمون الأطفال في المدارس أن يكرهوا إسرائيل، تقوم سيارات الإسعاف بتهريب (الإرهابيين)، والمستشفيات هي مقرات (للإرهابيين)، وحماس تسرق المساعدات الإنسانية ولا توزّعها على السكان”… وغيرها من الادعاءات التي روّجتها وتتمسّك بها حتى الآن.
‏تمسّكت إسرائيل بمكوناتها كافة، بشنّ الحرب على غزة، وبإلقاء اللوم على الغزيين وتحميلهم المسؤولية الجماعية، وهذا ليس جديداً على إسرائيل، التي فرضت نظام فصل عنصري يمارس الأبارتايد ويعمل على طرد الفلسطينيين وتهجيرهم، وفي الوقت نفسه، يتنصل المواطنون من المسؤولية الشخصية بينما يستخدمون فكرة المسؤولية الجماعية نفسها.
‏قبل 80 عاماً، كتب دوايت ماكدونالد في نهاية الحرب العالمية الثانية، مقالاً مؤثراً عن “مسؤولية الأمم”، والتي لا تزال الدروس المستفادة منه وثيقة الصلة بيومنا هذا. إذ قال فيه: بدأت أهوال المحرقة تتسرّب بالفعل. وفي الوقت نفسه، أصبحت جرائم الحرب التي ارتكبها الحلفاء معروفة على نطاق واسع. إنه يطرح السؤال الصعب: ما هو الذنب الجماعي لملايين الألمان؟ وأمام جرائم الجهاز النازي؟ ليست لديه إجابات قاطعة، لكن من الواضح له أن هذا المفهوم، “مسؤولية الشعوب”، هو نتاج مشوّه للدعاية والإنكار”.
طوال أمد الحرب، تم التأكد أن هناك وحدة داخلية إسرائيلية كبيرة على ضرورة محو غزة وتجويع سكانها. والحقيقة واضحة، وهي أن الهدف من تدمير غزة وقتل سكانها هو قمع الهزيمة داخل الإسرائيليين.
لم يعد هذا حديث الخبراء عن خطر محتمل، بل بات واقعاً، إذ إن سكان غزة يموتون بالفعل من الجوع والصواريخ. وسرعان ما سيبدأون بالموت من الأمراض. وإسرائيل المسؤولة عن مصيرهم، تواصل القصف وتدمير أي بنية تحتية من شأنها تحسين وضع الناس في غزة. ولا تسمح بإدخال المساعدات لأسباب مختلفة، ولا تبذل أي جهد على الإطلاق لمنع الموت.
إسرائيل لا تسمح ببديل، وترفض أي أفق سياسي، وهي مستمرة في التدمير والقتل، والضغط على الفلسطينيين المتبقّين في شمال غزة للنزوح عنها جنوباً. كما تعمل بشكل حثيث على تسليم السيطرة على القطاع إلى جهات حكم محلي لا تكون حماس جزءاً منها، وهذا ما تشير إليه الحكومة الإسرائيلية ووثيقة رئيسها بنيامين نتانياهو لليوم التالي للحرب، التي جاءت تحت عنوان “اليوم الذي يلي حماس”، وأن هدف الوثيقة هو بالأساس استخدام كلمات حماسية لا أهمية لها، لإخفاء الحقيقة
وضمان السيطرة على القطاع وتشديد الحصار أكثر فأكثر. وبالتالي، ليست لدى نتانياهو أي خطة لتسوية سياسية، بل فقط خطة لليوم التالي، فهو يريد “إدارة” الصراع من دون حلّه أبداً.
وثيقة نتانياهو لليوم التالي هي ببساطة ورقة مضحكة مبكية، وتعتبر جزءاً من الدعاية الانتخابية، ومنفصلة كلياً عن الواقع وعن أوضاع الشعب الفلسطيني وحقوقه. وهي تعبير عن خطة الحسم لزعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموترتش: تهجير الفلسطينيين، لا يوجد فلسطينيون، لا توجد فتح لا توجد حماس. لا توجد مقاومة. ولا توجد إدارة للأونروا لتقديم الإغاثة للاجئين والفقراء. لا يوجد 2.3 مليون فلسطيني يتعرضون للإبادة والتجويع في غزة، ولا يوجد 3.5 مليون فلسطيني محرومون من حقوقهم في الضفة الغربية، تُسرق أراضيهم وتُحرق ممتلكاتهم ويقتلون يومياً، ومحرومون من حقهم في حرية الحركة والحق في العبادة، ولا وجود للسلطة الفلسطينية. لا يوجد أي شيء سوى إسرائيل ومصالحها. ببساطة، ما من ذكر للفلسطينيين، فقط هناك إملاءات إسرائيلية.