|
من الأضطهاد حتى الإبادة ، مقاربات بين الماضي والحاضر .
نشر بتاريخ: 19/03/2024 ( آخر تحديث: 19/03/2024 الساعة: 09:26 )
بالواقع يبدو أن الإنسانية قد نسيت الفاشية والمحرقة ، وكذلك جريمة النكبة الاولى ولهذا السبب تسمح لما تُسمي نفسها "الدولة اليهودية" بأن تكرر اليوم ضد شعبنا الفلسطيني جرائم النكبة بنكبة جديدة رغم تواصلها منذ ٧٦ عاما دون توقف ، وكذلك أساليب الفاشية والمحرقة التي كان الأوروبين ومن ضمنهم اليهود هنالك أنفسهم ضحيتها قبل حوالي ثمانين عاما . لكن وامام أتساع التضامن مع كفاح شعبنا الذي لم نشهد مثيل سابق له ورقعة الغضب الشعبي العالمي بعديد من الدول بحق الجرائم المستمرة لدولة الأحتلال منذ حتى ما قبل ٧ أكتوبر ، ومقاضاتها دوليا من أصدقاء أممين ، بدأت تبرز ظواهر تدني التأييد لإسرائيل وسياساتها وتكشف حقيقة الفكر الصهيوني العنصري وتصاعد الدعوة لأشكال مقاطعتها ، وهو أمر يجب استغلاله والبناء عليه من جانبنا قبل فوات الأوان مع اتساع رقعة اليمين الشعبوي بالعالم خاصة مع توقع فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الذي لن يضطر لتوازنات في حزبه الجمهوري بالعلاقة مع نتنياهو واسرائيل ، وبقاء نتنياهو على رأس الحكم اذا تمكن من الحفاظ على ائتلاف حكومته بمزيد من مسلسل الجرائم بما فيها في رفح . ان أولئك الذين يساعدون ويتعاونون اليوم في تنفيذ واحدة من ابشع الجرائم ضد الإنسانية بالعصر الحديث وأبشع الفظائع التي شهدتها البشرية منذ عقود ، إما تواطئاً أو تعاوناً عملياً او بشكل سلبي أو بالتظاهر بعدم الرؤية ، أو عدم السمع أو الفهم لما يدور ، أو التجاهل أو التقليل من أهمية وإخفاء الأخبار حول التطهير العرقي والإبادة الجماعية المستمرة أو دعمها وتبريرها بشكل نشط من خلال ادعاء "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، يتحملون هم المسؤولية عن الجريمة ذاتها تماماً ، خاصة الولايات المتحدة الامريكية والتي رغم تباين الأراء بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو اليوم وبعض التصريحات اللفظية الموجهة الى المجتمع الأمريكي اساساً بهدف توازنات الحفاظ على وحدة حزبه الديمقراطي لأغراض انتخابية رغم صهيونيته ، فانها قد قدمت حمولات نحو ٣٠٠ طائرة و ٥٠ سفينة تحتوي على ٣٥ ألف طن من الذخائر الأمريكية وصلت إلى إسرائيل منذ بدء عدوان الابادة . وهؤلاء غالبا ما يكونوا أحفاداً سياسين وأيديولوجين على الأقل ، إن لم يكن وراثيا لأولئك الذين قاموا بالفعل بتسليم فقراء اليهود إلى جانب السكان الأوروبين المناهضين للنازية إلى الألمان أثناء الحكم والأحتلال النازي لدول أوروبية ليُمارس بحقهم الفظائع لفتح افاق الهجرة الأستيطانية الى فلسطين لاحقا لمن تبقى منهم . إن الجذور التاريخية لحزب الليكود الإسرائيلي الحاكم الان بزعامة نتنياهو ليست سوى تيار "الصهيونية الشمولية" المستوحى من الفاشية كفكر شمولي نفسه الذي ولد في فترة ما بين الحربين العالميتين . هذا التيار قد رسخ وعمل من أجل ما يسمى "حق اليهود في وطن قومي" وأنشأ بذلك هذا الكيان القائم على حساب أرضنا وحقوقنا ووجودنا دون اغفال لدور التيارات الأخرى بالحركة الصهيونية التي ساهمت جميعها في ذلك بالوصول الى ما يجري الآن دون انتظار مبررات . ففي عام ١٩٤٨ أشار العشرات من اليهود البارزين ، وفي مقدمتهم العالم ألبرت أينشتاين إلى تشابه هذا التيار الشمولي الصهيوني مع النازية ، واستذكروا ممارساته الإرهابية الإجرامية ضد الفلسطينين والبريطانيين وحتى بعض اليهود أنفسهم الذين اختلفوا مع هذا التيار انذاك . كما تم لاحقاً اتهام هذا التيار ونتنياهو شخصيا بالإضافة إلى عصابة الحكم القائم الآن بالمسؤولية عن أغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ، الذي وصفه أحد الصحفيين الإسرائيليين بالعمل الذي شكل انتصار لروح الشمولية الصهيونية المتنفذة الآن التي لا تريد لأي عملية تسوية سياسية النجاح بالمطلق لان ذلك يتعارض مع مشروعهم الصهيوني المتدحرج . واليوم ، يتم التأكد من تحذيرات هؤلاء اليهود المعارضين للسياسات الصهيونية التي أطلقت في ذلك الوقت ، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم لكن بصور أوسع واشمل على المستويات الشعبية بالعالم ويساهم في أحداث عدد من المتغيرات الدولية . ومثال على ذلك ما يجري بالولايات المتحدة اليوم وخاصة باوساط الحزب الديمقراطي وامكانية ظهور مرشح رئاسي ثالث هنالك بعد امتناع إعداد كبيرة منهم من تأييد بايدن كمرشح رئاسي عن الحزب . ويقول الصحفي الأمريكي توماس فريدمان "انها لحظة خطر عظيم ، "عندما يتعلق الأمر بتقليص الدعم لإسرائيل من الولايات المتحدة والبقية من العالم" ، ويضيف فريدمان "إما أن تخرج إسرائيل من هذا الأمر بعلاقة جديدة مع الفلسطينيين في عام ٢٠٢٤ أو أن نعود إلى عامي ١٩٤٧ و ١٩٤٨ لكن بأسلحة جديدة". في إسرائيل يحكم الآن تحالف من اليمين المتطرف العلماني لنتنياهو مع اليمين الأصولي الديني المتطرف، ويذهب بعض المعلقين إلى حد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه بأنه "الأب الروحي للفاشية الإسرائيلية الحديثة" . وينفذ هذا التحالف الحاكم الآن رؤية "الحل النهائي" الخاص به في فلسطين الذي تم التعبير عنها مرارا ، وهو نفس التحالف الذي يسعى إلى تعميم الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، متبعاً أفكار مؤسسي الجغرافيا السياسية الألمانية النازية القائمة على "التفوق العرقي" و "عدم المساواة" التي ألهمت هتلر في ذلك الوقت . وقبل عقد من الزمن كان الفرق بينهم وبين النازيين والفاشيبن الأوائل ، هو أنهم لا يسعون الى الإبادة الجماعية لشعبنا الفلسطيني ، بل كانوا يسعون "فقط" إلى حرماننا من "حقوق الإنسان الأساسية" وتنفيذ سياسات الاضطهاد والقمع البشع لإخضاعنا وكي وعينا بهويتنا الوطنية وحقنا بتقرير المصير من خلال اساليب مختلفة ترسخت تحديدا في زمن حزب العمل الإسرائيلي الذي اخفق بذلك رغم محاولات مختلفة ومنها خلق البدائل من الدمى والمتعاونين ، والتي يحاول نتنياهو اليوم تكرارها في غزة . أما الآن فينتقل حكام إسرائيل تدريجياً من مرحلة حرماننا من الحقوق وممارسة الاضطهاد والقمع إلى مرحلة الابادة والتهجير القصري لشعبنا الفلسطيني كما والتجويع ، أي من النازية "المبكرة" إلى النازية "الناضجة" ، وهي سياسة تستهدف كل شعبنا بما فيه من المقاومة كما والسلطة الوطنية المستهدفة أيضا في جعلها سلطة دون سلطة حقيقية وسيادة على الأرض. فهم لم ينتظروا هجوم المقاومة في ٧ أكتوبر الماضي للقيام بذلك ، لقد بدأوا قبل ذلك بكثير منذ جرائم ما قبل النكبة الاولى ولاحقا في الضفة الغربية بما فيها القدس ومقدساتها ، عندما دعا وزيرهم بن جفير ، الذي وصفه خصومه السياسيون في إسرائيل بالسادي ، مراراً وتكراراً إلى إبادة الآلاف من الفلسطينيين وتم ذلك بأشكال أقل حدة في محرقة حوارة وغيرها من القرى ولاحقا من التوحش في عدد من مخيماتنا بالقتل والتدمير والترحيل كما في مسافر يطا والاغوار والقدس ، وما هو حاصل من تنكيل بحق اسرانا الأبطال والتي كان آخرها بحق القائد مروان البرغوثي الذي يحاولون أغتياله في زنازين عزله . وقبل ذلك تم توحيد القدس كعاصمة لهم بمباركة أمريكية حتى الآن وتوسيع الاستيطان ليشمل ٦٠% من ما يفترض ان تكون اراضي الدولة الفلسطينية وضم مناطق منها وترحيل سكان مناطق اخرى ، وتم إقرار قانون يهودية الدولة . وقبل عام ابرز نتنياهو خارطته في الأمم المتحدة وامام كل العالم ، التي استبدل فيها كل فلسطين "باسرائيل الكبرى ". فنتنياهو لم يكن بحاجة لسبب ما او لذريعة ، كان ينفذ مقولة "شعب بلا أرض جاء لأرض بلا شعب" والى إقامة مملكة إسرائيل الكبرى والتي ضم إلى خارطتها بن جفير وسموتريتش أراضي من دول أخرى . أما بالنسبة للكثير من الحكومات الأوروبية ، فقد اصيبت وبنفاقها بفقدان الذاكرة وإلى أين قادت الأفكار الشمولية النازية قبل قرن من الزمن وما حدث لشعوبها ، وإلى أين يمكن أن يقود ظهورها بشكل جديد اليوم على شاكلة ما هو قائم بدولة الأستعمار الاسرائيلي . إذا كانت الأساليب التي تستخدمها إسرائيل اليوم ستؤدي إلى تهجير قصري أو "طوعي" لشعبنا بما يترافق مع جرائم الابادة الجماعية الجارية وفق مخططات يجري الأعداد لها ومن ضمنها الميناء العائم فإن العواقب لن تكون مقتصرة على الشرق الأوسط فحسب ، بل في مناطق مختلفة من العالم أن لم يكن بأكمله والذي اصبح يتأثر يوميا بما يجري في فلسطين وتحديدا في غزة ، لأن مثل هذا "النصر" لفكرهم الشمولي سيسهم في هدم الأيديولوجية الديمقراطية والإنسانية التي تبنتها البشرية وبجزء منها الغربية حتى ولو بشكل لفظي على الأقل بعد الانتصار على النازية عام ١٩٤٥ وتأسيس هيئة الأمم المتحدة وما تبعها من قوانين دولية ومواثيق ومعاهدات التي لم يتم تنفيذ اي منها بخصوص قضيتنا الوطنية وأولها القرار ١٨١ الأممي . إن انتصار مثل هذه الأساليب في فلسطين سيشكل مساهمة هائلة في ظهور مختلف الأساليب الفاشية وفي تصعيد الحروب من جانب الغرب كله كحد أدنى الذي يرفض اليوم مبادرات روسية لوقف الحرب القائمة بالوكالة باوكرانيا ، تماما كما مهد انتصار الديكتاتور فرانكو في إسبانيا عام ١٩٣٩ الطريق للحرب العالمية الثانية وتمادي الفاشية حينها . فمن الواضح اليوم ان هناك وحدة عضوية بين سياسات الغرب والناتو العدوانية في أوكرانيا بحق روسيا ، وسياسة حكومة الأحتلال الإسرائيلي الفاشية في غزة والحرب الامريكية التجارية ضد الصين وتهديدها فيما يتعلق بمسألة تايوان وبروز قوى النازية الجديدة باوروبا . وجميعها تمثل الجهد العام الذي يبذله "الغرب الجماعي" للحفاظ على هيمنته العالمية واعاقة التحول بالنظام الدولي . وليس من قبيل الصدفة البسيطة أنه في مستوى التطبيق السياسي ، فإن المتشددين فيما يتعلق بأوكرانيا هم نفس المتشددين فيما يتعلق بغزة ، امثال الأوروبية فان دير لاين والامريكيين فيكتوريا نولاند وأنتوني بلينكن وجيك سوليفان، الذين لا يمكن إلا أن تنبع قوتهم من اختيارات قوى مهمة داخل مركز القوة الحقيقي في الغرب المتمثل في "إمبراطورية المال" والدعم اليهودي الصهيوني لها ، وهي نفسها التي تملي سياساتها على موظف مجموعة روتشيلد السابق ماكرون رئيس فرنسا وغيره من المسوؤلين الأوروبين ايضا في دول أخرى مثل ألمانيا واليونان وغيرها . ومهما تطورت الاحداث في هذه الجبهات الثلاث سيكون لها تداعيات كبيرة على الجبهات الأخرى الأوروبية التي تعاني دولها من تفاقم أزماتها المختلفة وستبرز صراعات جديدة تهدد الأمن والسلم الدوليين وفق نشر نظريات الفوضى الخلاقة وتحقيق الديمقراطية بالحروب التي تحركها مجمعات الصناعة العسكرية وعقلية التطرف الأمريكي. والمفارقة اليوم ان اليمين المتطرف الشعبوي الأوروبي وخاصة الذين يحظون بمساندة ودعم الحركة المسيحية الصهيونية بالولايات المتحدة يتخذون موقفا مؤيدا للحركة الصهيونية وحكام اسرائيل وتأكيد الدعم المطلق لدولة الأحتلال الإسرائيلي في عدوانها بحرب الابادة الجارية ضد شعبنا ، وهذا أمر سيتسع دوليا اذا ما عاد اليميني الشعبوي ترامب إلى البيت الأبيض ليترسخ بذلك أكثر فأكثر تحالف بروكسل تل أبيب واشنطن في محاولاتهم لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل هزيمة النازية بالحرب العالمية الثانية التي كان للجيش الأحمر وتضحياته النصيب الأكبر فيها . لقد تعرت الصهيونية وكيانها في ما يجري بمخيمات الضفة وفي غزة اساسا بعد ٧ اكتوبر كحركة عنصرية نازية فيما تفعله من ابادة جماعية وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين واصبحت بسبب ذلك تحتضر على المسرح الدولي وفي ذاكرة الشعوب ولكن تعميق ازماتها الجارية اليوم في مؤسسات دولة الاحتلال ومجتمعها وجيشها مشروطة بانهاء الانقسام الذي حصل بفعل انقلاب أساء لقضيتنا وأضعفنا ، وعودة اللحمة من خلال الوحدة الوطنية للكل الفلسطيني في أطار الارتقاء وتفعيل منظمة التحرير ودورها بعد ان أصبح واضحاً على أن المستهدف من الصهيونية وكيانها ليس طرفا دون طرف اخر ، انما هو الكل الفلسطيني وهوية تحرره الوطني ، الأمر الذي يستوجب النظر الى الأمور والى بعضنا البعض بعيون جديدة لتحديد الرؤية والبرنامج والأدوات المطلوبة في هذه المرحلة الحرجة من قضية شعبنا وانتصارها . |