|
محمد مواليد غزة عام 2000
نشر بتاريخ: 23/03/2024 ( آخر تحديث: 23/03/2024 الساعة: 14:18 )
ولد محمد في مطلع عام 2000، وحينها كانت أجواء السلام تخيم على المنطقة. في صيف ذلك العام عقدت مفاوضات "كامب ديفيد الثانية" وكانت الآمال كبيرة غير أنها سرعان ما تبخرت، وفي سبتمبر اندلعت انتفاضة الأقصى. لم يعش محمد أجواء السلام، أو على نحو أدق أجواء الهدوء سوى أشهر معدودات، وهو لا يزال طفلا رضيعا. عندما أصبح عمره تسعة أشهر، وقعت الانتفاضة وبدأ حمام دم استمر حتى عام 2005، وفي تلك السنوات كان الطفل الصغير يسمع الطلقات النارية والانفجارات على نحو شبه يومي، حتى أمسى أزيز الرصاص صوتا مألوف لديه. وفي ذلك العام، انسحبت القوات الإسرائيلية من غزة مدحورة بفعل المقاومة والصمود، وعاش محمد فترة من الهدوء النسبي. كبر محمد وصار عمره 6 سنوات في 2006، الذي شهد حدثين كبيرين تركا بصمة على حياته: أسر الجندي غلعاد شاليط، الذي أفضى إلى ضرب حصار على قطاع غزة، والثاني بداية الانقسام الفلسطيني، الذي تطور في العام التالي 2007 إلى اقتتال، وصار محمد يسمع صوت الرصاص الذي يطلقه فلسطيني على آخر. واشتد الحصار، وتدهور الأحوال في غزة حتى صارت الكهرباء عزيزة والرفاهية معدومة وحرية الحركة حلم بعيد، وفي نهاية 2008 وبداية 2009 كانت الحرب الأولى. فتحت دولة الاحتلال على محمد أبواب الجحيم. كميات هائلة من النار سكبت على هذه البقعة الصغيرة من الأرض. كابوس تلك الحرب التي استمرت 23 يوما، تكرر في 2012 و2014 و2021و2023-2024. بمحمد عاش انتفاضة وحصارا و5 حروب، وهي أكثر من كل الحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل، وثلاثة أضعاف الحروب التي خاضها الأردن مع دولة الاحتلال (إذا أضفنا جولات العدوان القصيرة على القطاع). محمد تعرض لحروب تزيد على أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة وهي حرب أفغانستان التي بدأت في 2001 وانتهت في 2021، وذلك كله في فترة وجيزة من عمر الزمن. الحصار الذي تعرض محمد أقسى من الحصار الذي ضرب على العراق بعد حرب خليج 1991 واستمر حتى 2003، وبالطبع أطول ولا أفق لنهايته إلا في انتظار فرج من رب العالمين. وحصار غزة أطول من الحصار الذي تعرض له الرسول محمد ﷺ في شِعب أبي طالب، الذي دام ثلاث سنوات، وبات الحصار المضرب على أهل غزة في خضم الحرب الحالية عليهم في نفس شدة الحصار على الرسول ومن معه من بني هاشم وبني عبد المطلب وأصحابه، وربما أكثر قسوة. غير أن ثمة فروق، فعدو الرسول حينها كانت قريش، أما محمد فيحاربه كثيرون، بعضهم ظاهر وبعضهم باطن، وقوى كبرى أقوى بمليون مرة من قريش. وفي عهد حصار الرسول، كان عدد المسلمين قليلا جدا، أما اليوم فهناك 2 مليار مسلم، وهؤلاء في أحسن الأحوال غير قادرين أو غير راغبين في مساعدة محمد الذي ولد في 2000. باختصار، محمد عانى أكثر بكثير من الأولين والآخرين. محمد ليس شخصا بعينه، بل جيل كامل لم ير سلاما ولم يعرف طريقا إلى طائرة أو قطار ولم تطأ قدمه دولة أخرى. لم يزر المسجد الأقصى ولم يتسلق جبال فلسطين، فكل شيء له مجرد صور وكلمات وهذه ظلال باهتة للحياة والحقيقة. هذا الجيل الذي نشأ في انتفاضة الأقصى يعاني الآن في ظل الحرب الإسرائيلية العدوانية من الجوع والخوف والألم ويرى الناس حوله يسقطون شهداء وجرحى ويعتقد أن الخلاص إما في الرحيل عن أرض غزة وإما في الصعود إلى العلا شهيدا لينتهي من ابتلاء فوق طاقة البشر. إنه جيل يريد أن يعيش حياة طبيعية لكن العالم كله لا يريده أن يحياها أو لا يفعل شيئا لكي يحياها، فهل هذا مقبول؟
|