|
مجزرة في الشفاء هي النمط
نشر بتاريخ: 04/04/2024 ( آخر تحديث: 04/04/2024 الساعة: 09:53 )
توالت الإدانات الدولية لجريمة استهداف عاملي الإغاثة الغذائية لمنظمة «وورلد سينتر كيتشين»، فجر ليلة الثلاثاء الماضي. واضطرت إسرائيل إلى الاعتذار عن الحادث، وحلل محللوها بأنه يجب احتواء تداعيات مقتل سبعة من عاملي إغاثة، منهم خمسة من حاملي الجنسيات الأجنبية، حتى لا تؤثّر على «شرعية» مواصلة الحرب. ويرشح من لغو الادعاءات الإسرائيلية أن ما حدث كان «خطأً غير مقصود»، بسبب سوء تقدير واعتقاد أنّ فلسطينيا مسلحا كان في المنطقة. الدولة الصهيونية قتلت في حرب الإبادة الجماعية في غزة ما يربو على 33 ألف إنسان، ولم تعترف بالمسؤولية عن «التسبب بقتل غير مبرر»، سوى في هذه الحادثة وعن سبعة أشخاص فقط. معركة الشفاء في حين ضج العالم، وبحق، بسبب مقتل موظفي الإغاثة السبعة، صمتت حكومات الغرب كافة، إزاء الجريمة الفظيعة في مستشفى الشفاء في غزة، التي استغرقت أسبوعين من القتل والتدمير والتنكيل. وما كانت هذه الحكومات لتتحرك، وما كانت إسرائيل لتعتذر لو كان الضحايا فلسطينيون فقط. لقد حظي مقتل السبعة بإدانة رسمية غربية واعتذار رسمي إسرائيلي يفوق بأضعاف مقتل 14 ألف طفل فلسطيني. مشاهد انتشال الجثث المتحللة من محيط مستشفى الشفاء، تهز الإبدان والنفوس، ويبدو أن ما من فظاعة في هذه الحرب، إلاّ وإسرائيل حاضرة لارتكاب ما هو أفظع منها. والدولة الصهيونية ليست مدججة بأسلحة الفتك والدمار فحسب، بل بالحجج والتبريرات لكل جريمة ترتكبها. حسب الرواية الإسرائيلية جاء الهجوم على مستشفى الشفاء، لأنه تحول إلى «مركز لحركة حماس». الدولة الصهيونية لم تقدم أي دليل على ذلك، وكلامها هو مرجعية ذاته، ودليل صدق الادعاء بنظرها هو أن مسؤولا إسرائيليا قاله. ولكن، حتى لو كانت في المستشفى عناصر من حماس، هل هذا يعني أن هدم المستشفى مشروع؟ هل يبرر ذلك قتل الأطباء والممرضين والمرضى؟ يقع ثاني أكبر معسكر للجيش الإسرائيلي في محيط مستشفى «تل هشومير»، أكبر المستشفيات الإسرائيلية، فهل يقبل «العالم الحر» استهداف المستشفى لأن فيه عناصر من الجيش الإسرائيلي؟ لقد صمت الأطباء في إسرائيل على جريمة استهداف المستشفى، ومن تحدث منهم دعم الهجوم الإجرامي، فقد وقع 100 طبيب إسرائيل على عريضة تدعم اقتحام المستشفيات الفلسطينية، وبالأخص مستشفى الشفاء، بادعاء وجود «عناصر إرهابية»، كما قالوا. ما الدوافع وراء هذه العملية الوحشية؟ لعل أكثر ما يقلق إسرائيل هو انهيار الردع، وهي تريد ترميمه. هناك ردع بالمنع وردع بالانتقام، وجيش الاحتلال يزيد عليهما بالردع بارتكاب الفظائع، والعلة أن المقاومة الفلسطينية عصية على الردع وهناك «حاجة» لفظائع كبرى علّها تزرع الردع في النفوس، خاصة في ظل الفشل في تدمير حماس. لقد اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء ليس بحثا عن عناصر عسكرية فلسطينية في المجمع المدني، بل استهدافا لموقع مدني للردع العسكري. ويندرج استهداف المستشفى ضمن عملية الإبادة الجماعية والدمار الشامل، التي لا تستثني شيئا ولا حتى مرافق العلاج الصحي، بل إن المستشفيات تحديدا «يسهل» المهمة، لأن محوها يجعل الناس يموتون بسبب تفاقم الأمراض وانعدام العلاج. وتحاول إسرائيل أيضا إخلاء شمال القطاع قدر الإمكان، وتستعمل في سبيل ذلك جعلها منطقة خالية من إمكانيات العلاج الصحي. وهي تعمل على منع عودة الناس إليها، خاصة عند القيام بإخلاء منطقة رفح. هناك أيضا مؤشرات بأن إسرائيل تخطط لإبقاء مدينة غزة ومحيطها تحت الاحتلال الإسرائيلي «المؤقت» لفترة طويلة، ويجري تداول عدد من السيناريوهات المتعلقة بهذا التوجّه. بين رفح والشفاء يحذر الكثير من المسؤولين العرب والدوليين من اجتياح مدينة رفح، وتتخذ هذه التحذيرات صيغا متعددة. فيركز المسؤولون العرب على مسألة التهجير إلى سيناء، أو غيرها ويعتبرون ذلك خطا أحمر. أما الإدارة الأمريكية فتشترط وجود «خطة عملية معقولة لإخلاء المدنيين، وضمان عدم حدوث كارثة إنسانية كبرى»، وترى في ذلك أيضا خطا أحمر. وتردد العواصم الأوروبية هذا الموقف، ويبدو أن الخط الأحمر الوحيد على الدولة الصهيونية يتعلق بعملية رفح، والرسالة التي تصل إسرائيل هي أن ما عداها مباح. لقد فرضت الولايات المتحدة، ولحق بها بعض العرب، معادلة فظيعة وهي أنه يمكن تحمّل المجازر الفعلية في الحرب، ما دامت إسرائيل لم تتخط «الخط الأحمر» بشأن عملية محتملة في رفح. وهكذا تناور إسرائيل أمام العالم بأن امتناعها إلى الآن عن اجتياح رفح يمنحها شرعية زائدة في ارتكاب جرائم في مناطق أخرى من القطاع. |