|
تغيير خرائط النفوذ و التحالفات في البلدان العربية و تعمقها بعد الضربة الإيرانية لاسرائيل
نشر بتاريخ: 17/04/2024 ( آخر تحديث: 17/04/2024 الساعة: 14:42 )
كريستين حنا نصر منذ بدء ما عرف بثورات الربيع العربي والتي رفعت شعار المطالبة بالحرية، وما رافقها من تعاظم تدريجي للمظاهرات ، برزت ملامح تحول بعضها إلى مظاهرات يغلب عليها طابع يمكن تسميته بالعسكرة، والتي ما لبثت إلى أن تحولت لمليشيات مسلحة غير نظامية، اتجهت برامجها وأجنداتها نحو تحدٍ واضح لسيادة الدول وجيوشها النظامية، في وقت تبعه تفاقم ظهور تنظيم داعش ومليشيات النصرة وغيرها، والتي أشارت بعض التقارير الاخبارية والتصريحات لعدد من المسؤولين الدوليين بتلقيها الدعم المالي والعسكري( التسليح) من دول خارجية منها ايران وتركيا وغيرها، سعياً منها مد نفوذها في دول المنطقة مثل لبنان واليمن والعراق وسوريا. وبشكل متزامن مع محاولات ايران توسيع نفوذها، برزت أيضاً محاولات تركية لزيادة نفوذها المتمثل بدعمها ميليشيات مسلحة في المنطقة مثل الجيش الحر وجبهة فتح الشام أو تحرير الشام( النصرة سابقاً)، ومؤخراً بروز الجيش الوطني المتواجد في منطقة غرب الفرات السوري، كما وسعت تركيا بقعة سيطرتها باحتلال مدن عفرين وجرابلس وأدلب والباب عبر عدة اجتياحات برية مثل غصن الزيتون ونبع السلام، ونتيجة لخارطة التنافس والصراع في مد السيطرة والنفوذ بين تركيا وايران، انقسمت الاتجاهات السياسية في الدول التي تشهد الصراعات إلى محورين هما محور ميوله سنية وآخر ميوله شيعية. ومن نتائج الصراع والتنافس على النفوذ في المنطقة بداية ظهور ملامح تحالف دولي جديد في الاراضي السورية ( التي غلب على نظامها السياسي أي الدولة السورية التحالف مع ايران)، ظهور تحالف بين شرق الفرات مع الولايات المتحدة الامريكية والتحالف الدولي، ممثلة بأهالي شرق الفرات على اختلاف مكوناتهم العرقية والدينية، ضمن ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية والتي كان لها دور واضح في محاربة تنظيم داعش والقضاء على هيمنته، وبالتالي استطاعت قوات سوريا الديمقراطية ان تلعب دوراً استراتيجياً في استعادة مدينة الرقة وغيرها من المدن واعادتها الى الحضن السوري، وبسطها السيطرة على مساحة 30% من الأراضي السورية، علماً بأن لها برنامج ديمقراطي متكامل مستقل للحل السياسي للازمة السورية مما يعني أنها شريك أساسي وفعال للازمة السورية ولا يمكن حلها الا بمشاركة مسد. وبالتزامن مع هذه التحولات السياسية فيما يمكن تسميته بخارطة التحالفات في المنطقة، يمكن رصد تحالفات جديدة تكشفت بعد ثورات الربيع العربي، من ملامحها تحالف بعض الدول العربية التي نجت من ظاهرة الربيع العربي مع الولايات المتحدة الامريكية، مثل دول الاردن والسعودية والامارات والبحرين، واتجاه عدد منها نحو ربط عملتها الوطنية مع الدولار الامريكي مثل الأردن والسعودية على سبيل المثال، الأمر الذي تعمقت معه العلاقات المتبادلة الاقتصادية والامنية والعسكرية . لقد بات جلياً للقاصي والداني في الدول العربية ملاحظة وجود النفوذ الايراني في بعض البلدان العربية وبشكل متوازي معه أيضاً بروز نفوذ تركي في بلدان عربية أخرى، كان لبعض التحركات الدبلوماسية في المنطقة دور في ابطائها مثل مبادرة ( خطوة مقابل خطوة) التي انطلقت باللقاء الذي عقد في المملكة الاردنية الهاشمية، والذي تضمن الطلب من سوريا تقليص النفوذ الايراني والسعي بشكل أكثر فعالية نحو التقارب إلى الحضن العربي، علماً بأن هذا الطلب كان من الصعب على سوريا تنفيذه نظراً لواقع العلاقات المعقدة مع ايران خاصة في ظل وجود الديون الباهضة المترتبة على الدولة السورية لايران. واليوم وفي خضم تطورات الصراع في المنطقة والتنافس والتجاذب بين العديد من القوى فيها، نلاحظ وجود صراع محتدم جوهره الرغبة في القضاء على نفوذ المليشيات في سوريا والعراق، حيث عمدت اسرائيل نحو قصف المليشيات الموالية لايران اضافة إلى استهداف القيادات الايرانية المتواجدة على الأراضي السورية، والغاية من ذلك تقليص النفوذ والتخلص من التهديد الايراني، وهذا البُعد والهاجس الاستراتيجي ينسجم بشكل أو بآخر ايضاً مع رغبة حكومة هذه البلدان مثل العراق بالقضاء على المليشيات آملاً في استعادة السيادة الكاملة على الأراضي، خاصة أن هذه الميليشيات تستخدم الاراضي العراقية لتوجيه ضرباتها وقصفها لدول الجوار وبشكل تتجاوز وتتعدى فيه على سيادة العراق، الذي أصبحت فيه الهيمنة واضحة لايران وتحديداً بعد سقوط نظام صدام حسين، لتبدأ نتيجة لهذه الحالة السياسية في العراق ملامح الاتجاه نحو اعادة صياغة ورسم خرائط تحالفات جديدة، تتبلور فيها تفاهمات تسعى لتقليص النفوذ الايراني المتزايد، وتحديداً مع زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مؤخراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتوقيع معاهدات مهمة بين البلدين، وهذه المرحلة الجديدة تتسم بمحاولة تفعيل الاطار الاستراتيجي والعمل على ايجاد شراكة حقيقية تخدم العراق ومصالحه الوطنية، وبشكل يضمن استقلاليته ويعزز أمنه وسيادته المطلقه على أرضه وموارده وقراره السياسي، ويشمل ايضاً تحقيق الاصلاحات وبناء مناخ تنموي يدعم الاستثمار الأمني والطاقة بما فيها النووية، كذلك فتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية. لقد أصبح واضحاً أن البلدان العربية في منطقة الشرق الاوسط إنقسمت عملياً في اطار التحالفات إلى محورين هما: محور التحالف الايراني بمعنى البلدان الواقعة بشكل أو اخر تحت النفوذ الايراني، ومحور البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم بات واضحاً للعيان نتائج وتداعيات هذه التحالفات وبصورة ملموسة بعد الضربة الايرانية لاسرائيل قبل أيام، حيث برز تحالف امريكا وفرنسا وبريطانيا والاردن والامارات والسعودية والبحرين للتصدي للضربات الصاروخية الايرانية، وتجدر الاشارة هنا الى أن الموقف الاردني في منع اختراق الصواريخ الايرانية للاجواء، يرتبط من حيث المبدأ بمسألة الدفاع عن سيادته الكاملة وغير قابلة للنقاش على ارضه وحماية مواطنيه من أي خطر، وتحالفه مع أي دولة ينطلق في مشروعيته من تحقيقه هذا الهدف السيادي الوطني . ان نظرة تمعن عميقة فيما آلت اليه المناطق التي شهدت توسع النفوذ الايراني سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء، تكشف عن واقع معقد من وجود الحروب والصراعات الطائفية والعرقية والدينية في تلك المناطق اضافة لتدهور الاوضاع الاقتصادية فيها، بعكس ما نلحظه من مظاهر التطور العمراني والاقتصادي في المناطق التي شهدت اتفاقيات ومعاهدات مع الولايات المتحدة الامريكية، وربما يكون واقع دولة الامارات وما تشهده من تطور شامل نموذج لقراءة طبيعة تحالف الولايات المتحدة الامريكية مع دول المنطقة، وما اريد قوله هو أن المصالح الوطنية والمنسجمة مع الشرعية الدولية تدفعنا أن نتمنى الخلاص والتحرر من ظاهرة الصراعات الطائفية والعرقية بما في ذلك ما اصطلح عند الكثير من المراقبين تسميته بالنفوذ الصفوي، فالحاجة الحقيقية هي الاتجاه لعقد تحالفات تعود علينا بالنفع الاقتصادي والتطور العمراني والتنمية خاصة في بلداننا التي عانى بعضها الكثير من الأزمات والتحديات على اثر ما شهدته من موجة ثورات الربيع العربي. إن العنوان الاساسي للتقدم والتطور في بلداننا العربية ومحركها الأساسي هو الولاء الوطني والاخلاص للوطن، وحتماً فإن الوصول إلى مرحلة تكون فيها بلداننا العربية ذات استقلالية مطلقة ، من شأنه أن يوفر لنا جميعاً العامل المساعد للنمو الاقتصادي والحصول على الأمن والاستقرار المنشود، وبالتالي توفير ما يلزمنا من إمكانيات تكفل حل عادل للقضية الفلسطينية وغيرها من قضايا منطقتنا بما فيها ايضا القضية الكردية. |