|
هل أُحيلت أوراق الشعب الفلسطيني إلى المفتي؟
نشر بتاريخ: 24/04/2024 ( آخر تحديث: 24/04/2024 الساعة: 10:30 )
بقلم: د. صبري صيدم
لقد وصل عدد الشهداء في فلسطين مع كتابة هذه الكلمات إلى رقمٍ خياليٍ، بفعل المحرقة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يعادل ملايين الملايين من الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين من حيث عدد السكان وهول الفظائع، ناهيكم عن حجم الدمار الشامل للبنى التحتية، وكامل مقومات الحياة من الكنيسة إلى المسجد، ومن المدرسة إلى المشفى، فما بالكم لو يتم تسليح ميليشيات مجرمة تجتاح القرى والبلدات لتمارس العربدة المطلقة مدعومة بجيش نظامي مدجج بأعتى وسائل التكنولوجيا والسلاح والعتاد، الذي لا يشرعن هجوم تلك الميليشيات فحسب، وإنما يمارس عمليات التجريف والتدمير والتخريب للبنى التحتية كاملة، بصورة همجية لا تعرف الحدود.
آلاف الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ يرتقون تباعاً، ويتم تدمير مقومات حياة من تبقى من الشهداء الأحياء من الفلسطينيين، بينما يقابل العالم ذلك باجتماعات ولقاءات وقمم ومواقف وتصريحات، فيحذو حذوها العالم العربي الجريح، ليجزل بيانات الشجب والاستنكار. أما زعماء العالم فلا تجدهم إلا وهم يعبرون عن القلق والأرق، ويصرون على إداناتهم لهذا الظلم بأشد العبارات والتعبيرات والمواقف والتصريحات لكن دونما فعل يذكر.
كل ذلك وإسرائيل لا ترمش لها عين، بينما توفر لها الإدارة الأمريكية كل الدعم والإسناد، عبر خطوات ممنهجة مجبولة بانفصام الشخصية: فتقول إدارة بايدن في الصباح بأنها مع حل الدولتين لتعود مساءً لتصوت بمنع فلسطين من حقها في الدولة المستقلة، عبر «الفيتو» البائس الذي تستخدمه في مجلس الأمن، وتقول بأنها لا تقبل باقتطاع أي جزء من غزة، بينما تزود الجيش الإسرائيلي بمعدات ثقيلة لإتمام مصادرة أراضٍ في غزة، لإنشاء حزام أمني عازل ومناطق خضراء للمستوطنين، ومنطقة صناعية، وممشى بحري، وميناء جبلت تربته بإشلاء ودماء الشهداء، الذين سحقهم الاحتلال في غزة ومناطقها على اختلافها.
كما تقول إدارة بايدن بأنها لا تريد أن ترى عملية عسكرية في رفح، لتعود وتقر حزمة مساعدات إضافية بـ26 مليار دولار لتوفير السلاح اللازم لجيش الاحتلال. فكيف لهذا الأمر أن يستقيم؟ لقد أسقط الفيتو الأمريكي الأخير في مجلس الأمن عشية التصويت على قرار منح فلسطين عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، القناع عن وجه الإدارة الأمريكية، التي أثبتت زيف نواياها وادعاءاتها، وهي التي كانت تلعب على عامل الوقت، حتى يتمكن الاحتلال الإسرائيلي جغرافياً من الأرض الفلسطينية، عبر مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتوسيع جدار الفصل العنصري، وديمغرافياً عبر تكثيف استقدام المستوطنين وتعزيز وجودهم وزيادة أعدادهم انتظاراً لموعد الحسم المنشود.
يضاف إلى ذلك ما مارسته إدارة واشنطن من مماطلة وتأخير وتخدير ومراوغات، ربطت فيها الحل بالمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، من دون أن تكون هناك مفاوضات، والتقدم بعملية سلام أرادت منها إسرائيل عملية دونما سلام. وقد ذهبت الإدارة الأمريكية إلى أبعد من ذلك عبر الادعاء بأنها ستعاقب حفنة ضيقة من المستوطنين، ووحدة من وحدات الجيش المكونة منهم، لكنها في الوقت ذاته زودتهم بالسلاح عبر تعزيز تسليح مصدر ذلك السلاح.
واليوم وفي إطار استعدادها لعملية واسعة في رفح، بدأ جيش الاحتلال ببناء الخيام وتوسيع ما يسميها زوراً المناطق الآمنة، لنقل أكبر عدد من الفلسطينيين إليها، تمهيداً للعملية المنشودة، ناهيكم عن السماح بإعادة تشغيل الأفران والمشافي القريبة من مناطق النزوح الجديدة، وزيادة أعداد الشاحنات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة. كل هذا ليس من باب الرأفة بالفلسطينيين، بل من باب حرص إسرائيل على عدم إمعانها في تلويث صورتها الإعلامية ورغبتها في تجنب الضغط الناتج عن أعداد كبيرة من الشهداء الفلسطينيين المحتملين جراء محرقة رفح المقبلة. وبهذا تسمح إسرائيل بإطعام ضحاياها في مشهد دراماتيكي يذكرني بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي، أو رجل الدين حال ثبوت حكم الإعدام عليه في العالم، فيبدأ سجانوه بتحضيره للإعدام، لتشتمل خطوات الإعدام في الليلة التي تسبقها سؤال المتهم عن ما يشتهيه من طعام، حتى يكون بمثابة وجبته الأخيرة! لقد أحالت أمريكا وإسرائيل أوراق الشعب الفلسطيني إلى المفتي تمهيداً لإطعامه وإعدامه وقد صمت معها البعض معتقدين أن العالم الحر سيسامحهم أو ينسى فعلتهم وتواطؤهم.
لكن إرادة الشعب الفلسطيني وعزيمته وإصراره أكبر من أن يستطيع أحد أن يقطع رأسه أو يفني وجوده أو يدفع به إلى حبل المشنقة، فتجربة 75 عاماً من الصمود الذي أعقب نكبة عام 1948 لم تكن يوماً نموذجاً عابراً، خاصة في خضم عقود حبلى بالأنواء والعواصف والأعاصير، وعليه فإن الفلسطيني لن يكون يوماً مشروع اندثار، بل مشروع انتصار، ليحيل أوراق الظالمين ورؤوسهم إلى مقصلة التاريخ… ننتظر ونرى!
|