وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عودة التعليم.... عودة الروح!

نشر بتاريخ: 01/05/2024 ( آخر تحديث: 01/05/2024 الساعة: 09:02 )
عودة التعليم.... عودة الروح!


بقلم: د. صبري صيدم

أحد عشر مليون حصة دراسية تقريباً هو عدد الحصص التعليمية التي خسرها طلبة المدارس في قطاع غزة، منذ بداية المحرقة المتواصلة، إضافة إلى أعداد مهولة من المحاضرات التي خسرها الطلبة الجامعيون في القطاع أيضاً، وهو ما يشكل كارثة وطنية بامتياز، لم تأت اعتباطاً من قبل جيش الاحتلال وحكومته الغاشمة، بل كانت وما زالت تحدث عن سبق إصرار وترصد عبر استهداف وتدمير المدارس والجامعات، تماماً كما استهداف كامل مكونات الحياة التعليمية والصحية والدينية والاقتصادية والرياضية والثقافية والتاريخية والترفيهية والخدمية والقائمة تطول.

وتشير الأرقام على المستوى المدرسي إلى ضياع 130 يوماً دراسياً تشكل في مجملها 72% من عدد أيام العام الدراسي الحالي، وهو ما يعادل 780 حصة دراسية لكل طالب مدرسي، علماً بأن عدد الطلبة في قطاع غزة لهذا العام قد وصل إلى 625 ألف طالب مدرسي وبمعدل 45 طالبا لكل شعبة دراسية.

وعليه فإن عدد الحصص المدرسية التي ضاعت نتيجة الحرب إنما هو ناتج ضرب 780 حصة في 14 ألف شعبة صفية، ليصل الناتج إلى11 مليون حصة دراسية تقريباً. وتشير الأرقام إلى اغتيال إسرائيل لعدد كبير من معلمي المدارس في كل الاختصاصات وبتركيز أكبر على معلمي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم، بهدف إصرار إسرائيل على تجهيل الشعب الفلسطيني، والإلقاء به في دياجير الجهل والتخلف وصولاً إلى التهجير الكامل.

وعلى الرغم من استحالة العودة إلى التعليم بصورته الاعتيادية لغياب المقومات المذكورة أعلاه، آخذين بعين الاعتبار الأولويات الأولى التي تسبق العودة للتعليم واستدامة القصف، وحالة الخوف المتواصل، وغياب الأفق الإنساني والخدمي، إلا أن العودة إلى التعليم حيثما أمكن، وعبر حلقات تعليمية ينظمها المعلمون طواعية في مراكز الإيواء والمخيمات والتجمعات السكانية، وفق الممكن والمتاح لتشكل فرصة ذهبية لاستئناف شيء ما من العملية التعليمية، مع توفير حافز مالي من الحكومة لتشجيع هؤلاء المعلمين المبادرين وتحفيزهم لتنظيم حلقات كهذه.

ومع إدراكي التام لصعوبة الوضع الإنساني وغياب أبسط المقومات الآدمية، وسطوة الوضع النفسي الصعب، إلا أنني أرى أن نترك للمعلمين والطلبة السبيل الأفضل لاختيار الطريقة المثلى لاستعادة ما أمكن من التعليم، عبر برنامج حكومي تحفيزي لحين استحداث مدارس انتقالية، وتمكين الناس من استعادة الأمان والطمأنينة بعد انتهاء الحرب والبدء بمعالجة نتائجها وآثارها ومصائبها وكوارثها.

العودة الطوعية والتدريجية عبر الحلقات المقترحة لطلبة مدارس الحكومة ووكالة الغوث والمدارس الخاصة داخل مراكز الإيواء والتجمعات السكانية وعبر فئات عمرية يحددها المعلمون، لتشكل فرصة ذهبية ممكنة، لوقف نزيف الحصص والساعات التعليمية وإثراء الوقت المهدور، بمادة معرفية مهمة تثري أذهان الطلبة وتساهم في تنشيط أدمغتهم وتحفيزهم على العلم.

إن هذا الاقتراح يبدو مستحيلا بشكله الحالي، لكنه إذا ما حمل النفس المبادر وسخر الظروف المستحيلة، وتحدى نزوات الاحتلال الهادفة لتجهيل الطلبة والمجتمع، وإضاعة مستقبل أبنائهم المكلومين، فإنه من الممكن أن يصبح حقيقة واضحة يعتد بها. المهم أن يترك لكل معلم مبادر مساحة ترتيب الأمور، وتحديد مواد التدريس، وكم الطلبة المنخرطين والمعلمين الراغبين بالانضمام لهذا البرنامج، إضافة إلى توزيع الطلبة حسب المراحل الدراسية وبرنامج الحصص الممكنة، بالتنسيق الكامل مع وزارة التربية والتعليم العالي.

وعليه أدعو الوزارة وبمبادرة حكومية يقرها مجلس الوزراء برئاسة الدكتور محمد مصطفى إلى إطلاق برنامج كهذا تمهيداً للعودة التدريجية لاستئناف التعليم وعودة الروح.

إن الشعب الفلسطيني، شعب عنيد مقدام مبادر خلاق وثّاب، وقادر على قهر المستحيل.. فهل نبادر جميعاً لعودة التعليم في غزة وفق الممكن والمتاح وبالتالي أن نستعيد الروح التي أراد الاحتلال إفناءها؟ ننتظر ونرى!

[email protected]