وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

البحث عن معتوه

نشر بتاريخ: 07/05/2024 ( آخر تحديث: 07/05/2024 الساعة: 09:50 )
البحث عن معتوه



أمسكت بتلابيب قميصه وشدّت، قالت الحسناء: ما بك؟ مشدوه وغشاوة على عينيك حيث لم ترني!
هزّ رأسه، مبديا دهشته،
دفعته بعنف قائلة: أتريد أن أمزّق قميصك حتّى تنطق، ورسمت ابتسامة ساخرة،
تكلّم أخيرًا: مزّقيه من الأمام كي لا أجد عذرًا كما يوسف على أنه قدّ من دبر فنجى، أريد أن أحمل ذنبي كما جمل المحامل، وأشعر بثقل همومي الرّازخة.
أشاحت بوجهها عنه وهمست: اذهب وابحث وعد إليّ، أريدك بلا خطيئة وبلا حسنات كما أنت مجرّدًا من هواجسك عارياً من وساوسك، أتوق لوجدٍ يهطل من عينيك ليملأ عالمي كما عرفتك،
قال: هيهات، يا ليتني أعود، أمرته بغرورها: اذهب وابحث وعد إليّ،
سار نحو متاهته الرّاكدة هامسًا لنفسه: لا أبحث عن نبيّ، فلقد قرأت معظم سيرهم العطرة، وتبحّرت في رسالاتهم المقدّسة، وقرّرت أن أجد شغفي في مكان آخر،
همس: أذهب إلى درجة أدنى علّني أفوز بمنفذ لهواجسي، زرت المقامات والأولياء الصّالحين وتوقّدت في كراماتهم، أشعلت شحم حوت وشمعة في مرقد قدّيس، خذلتني بانعكاس ضوئها في نفقي الدّاخليّ، تمطّى غليلي متشظيًّا.
صاح: متاهتي في حجر الفلاسفة الغارق في صحراء المثلّث، ردّد: اكتشفت أنّني أطارد الهباء، سحب تلابيب فيلسوف أغرقه في متاهات أسئلة الميتافيزيقا، أخذه الى ما وراء الطّبيعة ليسمع استغاثات العذاب، لم يزده سوى حيرة وريبة.
وفي رحلة التّيه أيقن أنه فاقد البوصلة، التقى بمتصوّف ينشد لثورة الحلاّج، ويفسّر معنى الزّندقة، هي معبر للمعونات لمن نقتلهم بصمتنا، هدأ من روعه وأوجس في قلبه جدلية النّفس المطمئنّة، لا استلاب لحالته المتعسّرة.
اصطدم برجل مخمور مترنّحًا على الشّمال واليمين.
صرخ: وجدتها هي التّرنّح حلّ وسلوك طريق الضّلال مهرب، دلق له كأسًا من الخمرة، قبل أن يرشف، فتح حوارًا فبكى المخمور بحرقة قائلًا: اشرب كي أنسى، ولكن هذا الهراء (مشيرًا الى رأسه) يثقل حتّى لا أكاد أحمله.
ابتعد عنه وأكمل مساره، نفث حشاش دخانه في وجهه ضاحكًا: انظر ماذا تفعل دوائر حشيشي في العالم، يمجّ سيجارته وينفث دخانه في الفضاء. - إنني أخدّر كلّ هؤلاء العابثين، تناول منه سيجارة وأشعلها.
غنّى: واه مع هذا ستتبخّر انتكاساتي، ولكن باءت تجربته بالفشل الذّريع..
يئس من حالته المزرية وتحسّس مواقع الوجع التي تسكن قاع المخيخ، فيها لزوجة أخبار السّياسة وظاهرة النّفاق والتّسحيج والمنفخة والعرط، صوت ضجيج ويصرخ بائع: "فستق فاضي"، "فستق فاضي" ويضحك بأعلى صوته.
اقترب من عربة بيع فستق غير مقشور، والنّاس تشتري، رآه مشدوها محملقًا في البائع، ناوله حبّة فستق بعدما القى بقشرتها في سلّة بجانبه، تذوّقها وحرّك عينيه إشارة إعجاب وهمس: فعلا شهية جدًّا،
نقده مبلغًا من المال ليبيعه فستقًا، ولكنّه تجاهله قائلًا، لقد أخذت حصّتك،
ولن أبيعك المزيد: قذفه بالنّقود وصرخ: أغرب عنّي.
خاف من حركاته المباغتة،
هدأ روعه أحدهم قائلًا: لا تخف إنه ليس عدوانيّ بل طيّب جدًّا، وتساءل: من يكون هذا الرّجل؟
أهو من أبحث عنه؟!
ابتعد قليلًا ليرقب حركته، أعتقد أنه لا يعيره انتباهًا، بدأ يرميه ما بين فترة وأخرى بحبّة فستق، يلقفها بكلّ فرح،
صرخ إلى زبائنه مشيرًا نحوي: انظروا هذا المعتوه، يرتدي لباسًا رسميّا وأعبث معه بلعبة الفستق الفاضي، هو مبسوط، تحوّلت نظرات المارّة نحوه، شعر بالضّيق والحرج وتحرّك مبتعدًا، ولكنّه ركض نحوه، أمسك بمعطفه،
وقال بمنتهى العقلانيّة: أنا آسف جدا، لم أقصد سوى إحراجك، حالتك المزرية، تسير كالمعتوه بلا رشد
ماذا تريد يا معتوه؟
أجابه: أبحث عنك أو عنّي عن معتوه، وضحكا.
قال بائع الفستق: أكيد وجدته مشيرًا نحوي، انتظرني ريثما أبيع كلّ ما عندي.
أجلسه على كرسيّ قشّ بجانبه، وعاد لينادي فستق فاضي.
ممسكا به، انظروا: مزاياه الطّاغية هل هو مختلّ عقليًّا؟!
وقف بجانب البائع ممسكًا بمعطه ويعيد: فستق فاضي أن اكتشف حقيقة إنني مختلّ تمامًا أو على وشك ذلك.
وجدت تفسيرًا وتأويلًا لعذاباتي المرتبطة في عالم الأخبار السّياسيّة، تركا العربة وانطلقا إلى التسكّع، رجل يرسم على الجدار.
فرغ من رسم الحصان على الجدار، التفت نحوهما وقال: من منكما يمتطي هذا الحصان؟
بائع الفستق مشيرًا: هذا السّياسيّ، وضحك،
الفتت متعجبًّا: ماذا؟
السّياسيّ من يمتطي النّاس، والرّسّام منعه بحيث لم يعد ممكنًا على الجدار،
ضحكوا جميعا، أشعل الرّسّام سيجارة ملفوفة وملطّخة بالألوان، وأشار عليه بالجلوس إلى جانبه،
جلس لكن عاجله بائع الفستق بوضع علبة الألوان أسفله،
انقلب على ظهره ضاحكًا: لقد جلست على علبة الالوان
والآن ستكون هناك لوحة على بنطالك من الخلف.
بائع الفستق ينادي بأعلى صوته: فستق فاضي، فستق فاضي .