وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عامان على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. الاحتلال يخشى الصحافيين فيستهدفهم!

نشر بتاريخ: 11/05/2024 ( آخر تحديث: 11/05/2024 الساعة: 09:41 )
عامان على اغتيال شيرين أبو عاقلة.. الاحتلال يخشى الصحافيين فيستهدفهم!



عامان مرّا على جريمة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين نصري أبو عاقلة (51 عاماً).
بين جريمة الاغتيال، صباح يوم الأربعاء في 11 أيار/مايو 2022، أثناء تغطيتها اقتحامات الاحتلال لمُخيّم جنين في الضفّة الغربية، واليوم، سُجّلت العديد من المحطات، كانت فيها شيرين حاضرةً بقوّة، كما كانت في تغطياتها لأحداث سابقة، ناقلةً للحدث، فأضحَتْ هي الخبر والحدث.
يُواصل الاحتلال جرائمه العمد، مُستهدفاً الصحافيين في مُحاولة لحجب الحقيقة، فاستشهد أكثر من 135 صحافياً، مُنذ عدوانه على قطاع غزّة، إثر عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، والعشرات في جنوبي لبنان، يُضافون إلى مَنْ ارتقوا سابقاً شهداء وجرحى، أو تعرّضوا للاعتقال.
هذا فضلاً عن استهداف أيضاً مقرّات ومكاتب وسيّارات بث تابعة لوسائل إعلام فلسطينية، لبنانية،، عربية وأجنبية، كما التضييق على الصحافيين، وتعرّض العديد منهم للاعتقال والإبعاد.
لقد تعمّد الاحتلال اغتيال شيرين، وفق قرار سياسي، وأُعْطِيَتْ الأوامر العسكرية للتنفيذ، فحُبِكَ المُخطّط، وأُعِدَّ "السيناريو"، لتنفيذ جريمة مُتكاملة، وحتى الاعتداء على موكب التشييع واعتماد سياسية التضليل الإعلامي، لتوجيه رسائل مُتعدّدة في آنٍ واحد.
لكن، العناية الإلهية أرادت أنْ يكون عقاب المُحتل على حجم هذه الجرائم، بدلالات مُتنوّعةواستثناءات، وليس صدفة أنّها اجتمعت مع شيرين، بتكريس رسائل متعددة الأوجه كشفت حقيقة إجرامه، فلقيتْ جريمته شجباً واستنكاراً، بانتظار المُحاسبة، وإنزال العقاب بالمُجرمين!
استهداف شخص شيرين، كان لأنّها استطاعت كشف جرائم الاحتلال، عبر الرسالة الإعلامية التي آمنتْ بها، فعملت من أجلها على مدى ربع قرن، غير آبهةٍ بالمخاطر، في مهنة البحثِ عن المتاعب، التي تتضاعف فيها المهام الجِسَام بتغطية اعتداءات ومُمارسات مُحتلٍ غاصب، فتُصبح في فلسطين كل تفاصيل الحياة اليومية فيها متاعب، جرّاء اعتداءات وإجراءات الاحتلال القمعية والتعسّفية.
الهدف، في إطار مُخطّطات المُحتل هو اغتيال النُخَب، لما لهم من تأثيرٍ على الرأي العام، وفي صدارة هؤلاء يحل المُثقفون، الكتاب، الأدباء والصحافيون، في مُحاولة لطمس الحقيقة، ضمن سياسة كم الأفواه، ومنع التغطية، وحجب الصورة عن عدسات الكاميرات، لعدم توثيق جرائمه المُتمادية، وكشف زيف ادّعاءات المُحتل، وترسيخ حقيقة الرواية الفلسطينية.
وفق ما أظهرت التحقيقات، فقد نفّذ قنّاص مُتمرّس ماكر جريمة اغتيال شيرين، عند الساعة 6:27 من صباح يوم الأربعاء في 11 أيار/مايو 2022، بطلقة من بندقية M4، يستخدمها جيش الاحتلال، صناعة أميركية عيار 5.56 ملم، في مكان قاتل تحت الأُذن، خارج ارتداء السترة الواقية، واعتمار الخوذة الحديدية، عليها بوضوح "صحافة"، فاستشهدت على الفور.
استمرَّ إطلاق النار لمنع إنقاذ شيرين، وقد حوصرت الصحافية شذا حنايشة خلف الشجرة، وكانت أمامها شيرين مُضرّجةً بالدماء، إلى أنْ تمكّن الشاب شريف العزب من إنقاذها ونقلها إلى المُستشفى، لكن كانت قد فارقت الحياة. كما جُرِحَ بالقنص الصحافي علي السمودي.
ما يُعزّز تعمّد اغتيال شيرين، هو الاعتداء على النعش أثناء موكب التشييع في القدس، وضرب المُشيّعين بالسياط، لأنّهم أفشلوا مُحاولات خطف الجثمان.
ومن ثم مُحاولات التضليل الإعلامي التي مارسها المُحتل، والتهرّب من عدم تسليم أي دليل حسّي يكشف ما جرى من إطلاق نار، علماً بأنّ جنود الاحتلال مُزوّدون بكاميرات تصوير مُباشر تنقل كل ما يجري إلى غرفة العمليات، وهو مُسجّل ومُوثّق، ويُحدّد مَنْ هو الجندي الذي أطلق رصاص القنص للاغتيال العمد.
لماذا تعمُّد اغتيال شيرين؟
لماذا اغتيال شخص شيرين بدمٍ باردٍ؟
- بهدف بث الرعب والخوف في قُلوب الإعلاميين، لمنعهم من كشف المُمارسات التعسّفية للمُحتلين.
- لأنّها مسيحية، وكان يعتقد الاحتلال بأنّ ردود الفعل لن تكون ذات قُوّة وفعالية.
- لأنّها تحملُ الجنسية الأميركية إلى جانب الفلسطينية، والإدارة الأميركية لا يُمكن إلا أنْتنحازَ إلى صف المُحتل في جريمتِهِ.
لكن، فاته أنّ فلسطين لا تُفرّق في الطائفة والمذهب، واللون والمنطقة الجُغرافية، بل هي وفية لمَنْ يُناصر قضيتِها.
جاء الردُّ الساطع على الاحتلال بحِكمٍ ربّانيةٍ، واستثناءاتٍ اجتمعت في شيرين:
- من ديانتها المسيحية، في عائلة تعودُ بأُصولها إلى بيت لحم مهد السيد المسيح (ع)، ومولودة في القدس الشاهدة على إسراء ومعراج الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وأنّها أنثى.
- الاستشهاد كان في مُخيّم جنين، وتشريح الجُثمان في "معهد الطب العدلي" - "مُستشفى جامعة النجاح" في نابلس.
- مواكب التشييع من جنين إلى رام الله والقُدس، بشكل رسمي وشعبي، ومنحها من قِبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس وسام "نجمة القدس".
- توحّدت الكنائس المسيحية للمرّة الأولى بقرع أجراس كنائسها في وقت واحد، مع تكبيرات المساجد ومُشاركة المُصلّين الذين أدّوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى الشريف.
- طرح الملف في الأمم المُتّحدة ومجلس الأمن الدولي.
- والتحقيق في "المحكمة الجنائية الدولية" في لاهاي.
يُتابِع المُدّعي العام للمحكمة كريم خان التحقيقات في جريمة اغتيال شيرين، حيث تقدّمت "نقابة الصحفيين الفلسطينيين" بطلبٍ لضم جريمة الاغتيال إلى الملف الدولي، الذي كانت قد تقدّمتْ به إلى "المحكمة الجنائية الدولية" عبر "التحالف القانوني"، الذي يضم "الاتحاد الدولي الصحفيين"، "نقابة الصحفيين الفلسطينيين" و"المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين" للبدء بالتحقيق في استشهاد وإصابة الصحافيين وتدمير البنية التحتية الإعلامية في فلسطين، وكانت الشكوى التي وافقت المحكمة على قبولها في نيسان/إبريل 2022، تتضمّن استشهاد الصحافيين أحمد أبو حسين وياسر مُرتجى، اللذين استشهدا على أيدي الاحتلال، ومعاذ عمارنة ونضال اشتية، اللذين جُرِحا على يدَيْ قنّاصي الاحتلال خلال تغطيتهما تظاهرات غزّة.
كما تقدّمت عائلة الشهيدة شيرين بشكوى إلى "الجنائية الدولية" وأيضاً "قناة الجزيرة"، وتضمّنت الشكاوى مُستندات مُدعّمة بالوثائق والأدلّة لشهودٍ من صحافيين ومُواطنين، كانوا في موقع الاغتيال، إضافةً إلى تحقيقات ووثائق أخرى، ومُعطياتٍ عن نوع الرصاصة ومصدرها، الذي ثبت أنّها من جنود الاحتلال الإسرائيلي.
مرتبة الشهادة
الاستشهاد فاجأ الكثيرين، إلا شيرين، التي كانت تُدرك أنّها قد تكون شهيدةً في أي لحظة، لأنّها اختارت عن قناعة طريقاً يحفل بالأشواك والألغام، التي تجاوزت الكثيرة منها.
مُتابعة ومُواكبة الأحداث جعلت من شيرين أكثر التصاقاً بالواقع، فبقيت صاحبة الابتسامة الدائمة، رغم الألم والحزن داخلها، فدخلت عبر شاشة "الجزيرة" إلى كل بيت، وأصبح "الخبر اليقين عند شيرين".
حصلت على العديد من الجوائز التكريمية في حياتها، لكن الرتبة الأعلى كانت شهيدة على أرض فلسطين، وتُزفُّ عروساً في عاصمتها، القدس.
بعد الاستشهاد أصبح اسم شيرين يُطلَق على أسماء مولودات، وجوائز ومحطّات وشوارع ومعالم، وفي مكان الاستشهاد الذي هال الاحتلال تخليد ذكراها هناك، فأقدم على جرف معالمه.
كُثُرٌ ممَّنْ اعتبروها قدوةً لهم ساروا على دربها، وعملوا على كشف الحقيقة، ومع استهداف الاحتلال المُتعمّد والمُمنهج للصحافيين العاملين في فلسطين، أصبح المُواطنون يُوثّقون جرائمه مُباشرةً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو يُنفِّذ حرب الإبادة الجماعية.
في ذكرى شيرين، عملتُ على توثيق مسيرة حياتها، واغتيالها، وردود الفعل ومراحل التحقيق في كتابي "شيرين أبو عاقلة .. الشاهدة والشهيدة"، الصادر عن "دار النهار للنشر"، بكلمة من مُديرها القاضي القاضي زياد شبيب، وكلمة تقديم من عضو اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" رئيس الصندوق القومي الفلسطيني ورئيس "اللجنة الرئاسية العليا لمُتابعة شؤون الكنائس في فلسطين" الدكتور رمزي خوري، وفاءً إلى صاحبة الألقاب المُتعدّدة: "أيقونة الإعلام الفلسطيني"، "نجمة القدس"، "عميدة المُحاربين العرب"، "شهيدة الحقيقة"، "شهيدة الفجر"، "شهيدة الميدان" و"شهيدة الكلمة الحرة"، ورغم كل هذه الألقاب فتبق بالنسبة إليَّ، الزميلة والأخت والصديقة.
إنْ شكّل الاغتيال صدمة، وتغييب شيرين جسداً، لكن حضورها ما زال ساطعاً، ولعلّه في بعض الغياب حضور أكبر!