|
الخط الأحمر الذي صار أخضر في رفح
نشر بتاريخ: 15/05/2024 ( آخر تحديث: 15/05/2024 الساعة: 13:43 )
اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وتلاشى "الخط الأحمر" الذي وضعه جو بايدن، رئيس أقوى دولة في العالم وأهم حليف لدولة الاحتلال. طوال الأشهر الماضية من حرب الإبادة، وبعد أن اقتحمت قوات الاحتلال غالبية مناطق القطاع، لم يكن على لسان المسؤولين الأميركيين سوى التحذير من مغبة اقتحام رفح. ومثلا، قال بايدن في مقابلة تلفزيونية في مارس الماضي على قناة "أم أس أن بي سي" إن عملية اجتياح رفح "خط أحمر". طبعا، لم يكف الإسرائيليون عن التهديد والوعيد باقتحام المدينة الأخيرة في قطاع غزة. وظن البعض أن الإسرائيليين لن يخاطروا بـ "رضا الأميركيين"، وسيتراجعوا عن المخطط. حسنا، ما الذي حدث؟ بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي في 6 مايو اقتحام الأحياء الشرقية في رفح بعد إصدار أوامر إجلاء لسكانها، وزعم أنها عملية "محدودة ولن تؤثر إلا على 100 ألف شخص". والمفارقة أن حركة حماس أعلنت في هذا اليوم قبولها لمقترح الوسطاء المصريين والقطريين لوقف إطلاق النار. وفي اليوم التالي، أي 7 مايو، سيطرت القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. ومَن صدّق كذبة "العملية المحدودة" هذا شأنه، وتبين له كم هو ساذج في 11 مايو عندما أمر جيش الاحتلال سكان مزيد من الأحياء برفح بمغادرتها. وهكذا تكشفت خطة إسرائيل في رفح: لا توجد عملية واسعة النطاق في رفح مرة واحدة، فنحرج أصدقاءنا، وندخل في مزيد من المواجهات الدولية. نعود إلى بايدن. قال في مقابلة بعد بدء العملية الإسرائيلية في رفح إن ما فعلته تل أبيب "لم يتجاوز الخط الأحمر". بعبارة أخرى، بايدن لحس كلامه، وحاول أن يبرره بكلام واه من قبيل "نحن مع حق إسرائيل في الأمن لكن لسنا مع حقها في شن حرب في منطقة مكتظة بالسكان". إذن الخط الأحمر صار أخضر، وقطعت الدبابات الإسرائيلية الشارة الضوئية الدولية. ووصل الأمر بأن موقع "بوليتكو" الإخباري كتب تقريرا متساءلا عن صدقية الرئيس الأميركي بعنوان "إسرائيل اقتحمت رفح، فأين هو الخط الأحمر؟". وفي ليل الثلاثاء الأربعاء، ذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن 450 ألف فلسطيني نزحوا قسرا عن رفح، في رحلة شقاء جديدة تحت أنظار العالم وأنظار من اعتبر رفح آمنة. وهذا التدفق الهائل يعني أن إسرائيل لم تأخذ بالحسبان المطالبات الأميركية المتكررة بشأن المدنيين في رفح. لكن مهلا، هل هذه السردية صحيحة؟ قطعا لا. لا تجرؤ دولة الاحتلال على القيام بمثل هكذا عمل دون موافقة أميركية، وأي كلام غير ذلك يجانب الحقيقة. إن الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق شيئا في الحرب، وربما تشكل عملية رفح طوق النجاة، والتمهيد لها يتم بمقدمات "الخط الأحمر والخلافات بين واشنطن وتل أبيب"، لكن من المشكوك أن تؤدي العملية إلى نتائج تصب في مصلحة الاحتلال. وربما كانت قصة "الخط الأحمر" مجرد لعبة تبادل أدوار بين الطرفين، ريثما تتجهز دولة الاحتلال للعملية الجديدة، وربما تكون وسيلة بايدن لإثبات أنه يهتم قليلا بمصير شعب يتعرض للإبادة. غير أن الأمر المعلوم أن لا صدقية للولايات المتحدة ورئيسها، وأن الألوان والالتزامات تتغير وتتبخر.
|