وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

انتصار الدم

نشر بتاريخ: 24/05/2024 ( آخر تحديث: 24/05/2024 الساعة: 22:10 )
انتصار الدم

الكاتب: الواثق طه

"أن تعرفَ فلسطينيًّا يقف في مظاهرة من تلك المظاهرات التي تجتاح العالم ليس أمرًا صعبًا. ابحث عن شخص ينظر إلى الجموع حوله بينما تفيض عيونه دمعًا هادئًا فيه كلامٌ كثير، وأنت تنظرُ إلى علم فلسطينَ يرفرف في كل العالم، علمًا يوحّد الصوت والهُتاف والإرادة، علمًا يوحّد الشعوب، تذكّر فلسطينيًّا لاجئًا يقف في زاوية الشارع بين النّاس حاملا قلبَه بيديه شُكرًا وأمَلا بالعودة إلى وطنٍ بينما أبناؤه يحتضرون الحياةَ حياةً ما عادوا يشعرون بالوحدة".

كان يكتبُ محمومًا. المرضُ سكنَ قلبَه منذ تفجّرَ بيتُه عن خيمة أقصى القطاع. كاتبٌ آخر توفَى على قارعة الحرب في غزة.

".... ونحن نبحثُ عن كرامتنا الوطنية منحنا العالم معنىً آخر للكرامة. هذه حقيقة. العالم لا ينتفضُ من أجل فلسطين والعدالة لشعبها فقط، بل ينتفضُ من أجل نفسه بعد عقود من خديعة طالت الأجيال، إنّ العالم ينتصر بفلسطين لفلسطين من أجل نفسه وتحرير إرادته...".

وقفَ فخورًا على ذلك التلّ الصغير يرفعُ علمَ فلسطين عاليًا فوق الجُمُوع... كان لاجئًا آخرَ تركَت حروب الثورة أوسمة على ظهره قبل الرحيل من بيروت... هذه الفكرة روَيتُها بدمي ثمانين يومًا... بدأ جُرحي يلتئمُ انتصارًا... حدّثَ نفسه قبل أن يُحرّر نفسَه من كَتف حفيده صوبَ الله.

"ونحن نفيض غضبًا على كرامة أطفالنا ونسائنا، قصّت شَعرَها امرأةٌ أجنبيّة بعيدة نالَ فزعُ قلوبنا روحَها، هذا رمزُ البلاء، رمزٌ عربيّ أصيل... وأنت تُداعبُ شعرَ امرأَتِك قبّله امتنانًا لتلك المرأة، واذرف دمعة أخرى على شقيقك المُسجّى في محراب الشهداء، ارفع أعلام تلك الدول في رام الله، غنّ لها شُكرًا على انتفاضتها، شجّعها، وقل لي: إلى اللقاء ولكن، بعد موت"...

كان ينزف سريعًا وصيّته تلك... طلقَةٌ مُباغتَةٌ قاطَعت مسارَ حياته منذ نصف ساعة، حلّت نُقطَةً إلى جوار قلبه لتُنهي فصل حُبّ بدأ منذ احتضنته أمّه طفلا لا يعرفُ أيّ حملٍ وضعَ القدرُ على كتفيه... وضع على السطور المبهمة لُهاثه وزحفَه على رصيف بارد خلف ساتر كان قبل شَهرَين حائطًا يستُرُ نومَ أطفاله، وقّع على الإسفلت بدمه ودمعة قلبه قبل أن تنُهي حياتَه طلقة عاشرة... "هذا دمي ينتصر".