وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في غزة إبادة موتى وضمير عالمي موؤود

نشر بتاريخ: 15/06/2024 ( آخر تحديث: 15/06/2024 الساعة: 17:27 )
في غزة إبادة موتى وضمير عالمي موؤود

ومع صباح لم يشرق إلا داخل فلسطين، القدس، غزة وسائر المعمورة في تاريخها المُغتصب، من النهر إلى البحر. من الطنطورة ودير ياسين إلى خان يونس. صباحها يُشرق من أفئدة الشهداء، من حُلم مُكبّل بالأغلال. من شهداء ارتقوا مراراً فوق الدّمار، ولا يقلّ قولاً فوق الضّمير الموؤود، فوق عروبة جرّدت ممّن لا يعرف معنى فلسطين.

يلقى الغزّيُّ موته مرّة، ويهرب من بطش المُغتصب إن وجد، يظهر موته وكأنّه سُبق إلى الجنة، وكأنّه يلتقي بمن سبقوه أوّل مرة، يَلقى الفلسطيني موته بصُحبه إلى الجنة، وفي إبادة غزّة يلقى الغزّيُّ صَحبهم بموتهم مراراً. ماذا يعني قتل القتيل مرّة أخرى؟ ماذا يُعنى بلقاء روح الأحبة في الدّنيا إلى البارئ مراراً وتكراراً. الإجابة تكمُن في غزة. فيما يقوم به الجيش الغاشم. قصف المقابر، والمُستشفيات التي تحتضن شهداء لم تُحمل جثامينهم إلى المقابر، حيث القصف، وتَجرّد المحتلّ من إنسانيّته كانت أقوى حُرمة الميت.

موت الغزّيّ، والفلسطيني يتولّد على شكل ابتسامة عريضة، لكن لا يُدفن. بل تقوده سُبل الصّهيوني أشلاءً. وبمقاربة ابتسامتهم العريضة، هناك ضميرٌ عربي أولاً، ودولي أيضا تعلو ملامحهم ابتسامة عريضة؛ نتيجة مصالحهم التي عرُّضت طردياً بحجم الإبادة، الإبادة تزيد، إبادة الموتى أصبحت أخباراً دون حِراك، إبادة الّذين ما زالوا على قيد الحياة، قيد الصمود، وقيد غزّة وفلسطين، قيد الأمل، وقيد تاريخ لا يقارن بملامح إنسانيتهم الموؤدة.

ملامحهم لا تُخفي مواجهة الموت، هناك من يُردّد بصمت، جُرحًا، وغصةً، نحن نموت ونَحنُ على قيد الحياة. قبل ضرب مدينة المحامل، كانت أصوات الآذان تَصدح بالأمل، ولكن كأمرٍ طبيعي، بوجود كيانِ لا يعرف معنى قُدسية الآمال، قُدسية الأحلام، أباد من هم على قيد الحرية، أباد من هم على قيد الحياة، وموتهم بعزّة نفسهم هي قُدسية حتمية مُخلّدة. وإبادتهم بضمير مؤؤد هي قَبلية جاهلية.

دمار غزّة نطقَ، فأيّ نكبة تتكرّر، بزوال من زرعوا الخوف في إجتثاث الأطفال، في بكاء ونَحيب، في أجساد هُزل. لا يوجد مبرّر ومطلق لما يقوم به واضعو اليد المبتورة حتماً، سكوت دولي مبتور، إبادة أبت التّوقّف، قانون دولي عقيم، وبخذلان هذا وذاك تتولّد إبادة يوماً بعد يوم، مئات الأيام وغزة تُباد، شهداء يرتقون ما يزيد عن مرات تُحسب على مرأى العالم، فأيّ قانون يَؤم بحقوق الإنسان، يُحاسب من قتلهم، يُحاسب من يَقتل فعلاً، أوئدت إنسانية العالم، أوئدت في زمن الجاهلية، أم وئدت فقط من أجل غزة المنسية.

وفي غزة أيضاً، تمّ خلط الأكفان بالأحلام، سَماها دُخان أسود، لَوّث قيد الأطفال، والأحلام، لوّث غزة، لوّث لقاءً لا يتجدّد مع ذوي الشّهداء، ومن بُترَ وجودهم. حسب أحلام من لا حُلم لهم سوى مَحو عقيدة روح من به عقيدة فِلسطين، وبتاريخ لم يحفظ سوى حقّ القوي، ستبقى فلسطين حُلم من ليس له حُلم. وبما أن تاريخ غزة مثال عزة، وإبادة غزة إنتهائها حتمي، واسترجاع فلسطين، تاريخ مُقدس لمن هم أمثال مَن في غزة. وفلسطين، فإن تاريخهم لا يَرقي لإن يُحكم عليه من لا يحمل تاريخ.

إبادتهم للموتى هو مسؤولية مَن بقيت ضمائرهم حية، إباتهم أحياء هي مسؤولية من ضمائرهم تسكُنها الإنسانية، وبما أنّ العدو في تفاصيله ظالم، فإن تجاهل العالم يؤكد على ظلمهم لوجود الإنسانية الموؤدة، والله لقد ضاقت النّفس بما رَحبت، وشهدائنا، دمارنا مقبرة إرهاب من لا دين لهم، وضميرهم الموؤود هو دَين في أبدي.

فَ لا عفى الله عن ما هم للشر والدمار عنوان، ولا عفى الله عن ظُلم أستحل حُرمة غزة، لن ينسى "الفلسطيني"، من يحمل في احشائه الألم النازف، من يعيش الدمار، التنكيل والظلم، لن ينسى أصحاب العقيدة تاريخ مأساة الأبرياء، لن ينسى أصحاب الشرف إبادة الأرواح، وقصف الأحلام. سوف تبقى قوتهم موؤدة أمام إبتسامة طفل فلسطيني، سوف يبقى العالم خالٍ الإنفعال، خالٍ الإنصاف، ومعدوم الإنسانية، مَنسي كما هيّ محاولاتهم إبادة

الفلسطيني ميتاً وحيّ.