نشر بتاريخ: 25/06/2024 ( آخر تحديث: 25/06/2024 الساعة: 13:09 )
رام الله- معا- تصدر عن دار النشر الإيطالية كلاموس في روما رواية "الحياة كما ينبغي" للروائي احمد رفيق عوض، التي صدرت في العام 2022 عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان.
جاءت الطبعة الايطالية عن الرواية في 160 صفحة من القطع المتوسط وزينت بلوحة للفنان الفلسطيني المغترب عماد الطيب تحت اسم "رقصة التانغو على طريقة السومو"، وهي لوحة مزج فيها الفنان بين عالمين مختلفين ما بين التانغو الغربي و السومو الياباني، اذ يتبادل الراقصان في الرقصتين الرغبة في التشارك والرغبة في الإقصاء أيضاً، وهو ما ينطبق على طبيعة العلاقات ما بين الأفراد والجماعات والدول.
وقد كتب مقدمة الطبعة الإيطالية الشاعر والمترجم الدكتور عودة عمارنة ومما جاء في مقدمته نختار هذه الفقرات:
الدكتور أحمد رفيق عوض من كتاب الأرض المحتلة المتميزين ، ويجمع على هذا القول العديد من النقاد والباحثين والدراسين وطلبة العلم والمحبين، كتب في السياسة والفكر، الإعلام والتحليل الإستراتيجي، كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرح ، إضافة للنقد الادبي والمقالة، هذ الرواية "الحياة كما ينبغي" هي روايته التاسعة.
رواية "الحياة كما ينبغي" هي عمله الرابع الذي ترجم للغة الإيطالية وصدر عن دار النشر كلاموس في روما ، وترجم له سابقا مسرحية " الملك تشرشل" عن دار "كامينيا" ومسرحية المستوطنة السعيدة عن دار "تشيتا دل سوله" ورواية بلاد البحر عن "إديتسيونه كو".
حصل على عدة جوائز محلية وعالمية مرموقة، كما وحصل على جائزة أكاديمية الفنون الإيطالية في مدينة نابولي بالتعاون مع مركز الدراسات الثقافية والتارخية في إيبولي عام 2017 ، وعين الكاتب عوض حينها عضوا فخريا للمؤسسة.
عندما قرات رواية "الحياة كما ينبغي" وبما أنني أعيش في روما منذ وقت طويل ، تذكرت على الفور الكاتب الإيطالي الشهير إيتالو كالفينو (كوبا 15 أكتوبر 1923 – سيينا، إيطاليا 19 سبتمبر 1985) ، الذي شارك في النضال والمقاومة في المناطق النائية في مقاطعة ليغوريا بالاسم الحركي سانتياغو، والذي كتب في عام 1958 قصيدة شهيرة بعنوان "وراء الجسر" حيث تنقل هذه القصيدة بالكامل معنى المقاومة والتحرر من إضطهاد الفاشية والنازية وهي مخصصة أو موجهة للشباب حيث قال كالفينو آنذاك " القليل يعرفون ما حدث في بلادنا في تلك السنوات الصعبة والبعيدة عنا الآن"
جزء من القصيدة يقول : "إسمع يا فتى الخدود الخوخية، يا فتى الخدود الفجرية ، أتمنى لو أستطيع إخبارك عن حياتي عندما كنت بعمرك الآن ... القوات الألمانية تحظر التجوال، وتسيطر على المدينة ، لكن نحن جاهزون ، نحن نقاوم ، من لا يريد أن يحني رأسه ، فليأتي ويسلك الطريق معنا نحو الجبال!".
ويضيف الشاعر أو المغني :" وراء الجسر، كنا في العشرين من أعمارنا، كل خير في العالم كان وراء الجسر، هناك واجهنا الشر وكان في قلوبنا كل الخير، وراء النار يبدا الحب، صامتين نسير في الجبال، بين الاشجار، حفاة نسير على إبر الصنوبر، على أشواك الكستناء، في الصباح المظلم ، ننزل ونصعد الجبال، كان الأمل رفيقنا، حفاه وممزقي الثياب لكننا سعداء، كنا في العشرين من أعمارنا".
وأضاف :"لم يُذكر أننا كنا قديسين، البطولة ليست فوق طاقة البشر، إركض، إنخفض، تقدم .. تقدم! كل خطوة تخطوها لن تضيع سدى، أرى في متناول اليد، خلف جذوع الأشجار والقصب مستقبل يوم أكثر إنسانية وأكثر عدلاً وأكثر حرية وسعادة، الآن كل شخص لديه عائلة وأطفال ... الآن أنا أسير معك بين أشجار أشجار الليمون ، أتمنى أن تعيش تلك الأفكار مرة أخرى ، يا فتى الخدود الفجرية ... كنا في العشرين من أعمارنا".
بعد سنة تقريبا تم تلحين النص من قبل سيرجيو ليبروفيتشي وتم تسجيله عام 1961 لأول مرة في الألبوم سمي "غناء التاريخ 1" ، في عام 2005 قامت الفرقة الموسيقة الإيطالية المعروفة "مودينا سيتي رامبلز" بغناء النص من جديد وإنتشرت الأغنية على نطاق واسع بحيث لا يمكنك أن تلتقي إيطالي واحد لا يعرف هذه الأغنية التي تمجد فترة النضال التحرر من عبودية الإحتلال الغريب، ومن يتذكر أغنية وراء الجسر ، حتما سيتذكر أيضا أغنية بيللا تشاو الشهيرة "في صباح أحد الأيام إستيقظت فوجدت الغزاة، أيتها الجميلة وداعا وداعا، وداعا، أيها الفدائي خذني معك الى الجبال، أشعر أنني سأموت ، وإذا مت ، إدفني في الجبال تحت ظل وردة، سيقولون أن هذه وردة الفدائي، أيتها الجميلة وداعا وداعا، وداعا!".
هذه الأغنية أصبحت شعار مقاومة كل أنواع الظلم في كل أنحاء العالم، ولا نبالغ لو قلنا أنها السلام الوطني الحقيقي لإيطاليا في لحظات وظروف ما، هذه صورة بسيطه من الأدب الإيطالي المعاصر، وهو ايضا لحفظ الذاكرة الفردية والجمعية لبلد دافع عن أرضه بأظافره وأسنانه ووفاءا لذكرى من ضحوا وناضلوا وسقطوا على أرض إيطاليا البلد الجميل.
ما علاقة الرواية بكالفيني وبيللا تشاو؟ ربما ، لعمل مقارنه بسيطة بين شعبين على ضفة المتوسط ولأقول أن الأشياء والقيم والتجارب التي نتشابه ونؤمن بها أكثر بكثير من تلك التي تفرقنا، وببساطة لأن هذه الرواية تنتمي إلى فن "أدب المقاومة"، ولأن الرواية كما الشعر والغناء تعتبر شكلاً من أشكال المقاومة.
تتحدث الرواية عن الصراع والأزمة النفسية والوجودية لمنظومة الإحتلال من خلال الحديث عن ضابط المخابرات أبو السعيد الإسرائيلي الشرقي"السفرديم" الذي يشكو من إضطهاد وفوقية الإسرائيلي الغربي الإشكنازي من خلال علاقته المضروبة مع زوجته وولده زلمان أو سلمان، وفي النص مقارنة أو مواجهة بين رواية الفلسطيني ورواية الإسرائيلي، بين الحقيقة والكذب،الحق والباطل، والرواية الأصيلة والرواية الموهومة، وقوّة الحقّ، وحقّ القوّة، هذه الرواية تريد ان تقول أن لا حياة للفلسطيني من دون حرية وكرامة، وأن حياةً يحكمها المحتل ليست بحياة.
أحداث الرواية سريعة تشبه أحداث فلم إثارة جذاب ومشوق فيه صورة والوان وروائح وأصوات مدهشة للبيئة الفلسطينية القرويّة الزراعيّة ببساطتها وقوتها، بلغته فنيّة إحترافية سلسة وهادئة لا تشعرك بالملل ،فعنصر التشويق قوي من البداية وحتى النهاية المفتوحة التي تدفعك الى التأمل ، أو ربما لإنتظار جزء ثاني من قصة راشد.
نشر هذه الرواية بهذه اللحظة التاريخية الصعبة ، لحظة يتم بها قمع الحريات وإسكات الأصوات التي ترتفع في جميع أنحاء العالم لدعم القضية الفلسطينية، هذا يكسبها قيمة سياسية وأدبية وجمالية مهمة ، ولأن ترجمة الأدب الفلسطيني (جهود فردية) الى لغات العالم واجب وخيار واضح يؤكد على الالتزام بضرورة زيادة الوعي بتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني، خاصة وأن النص الأدبي يوفر أداة مفيدة وسلمية لتطوير مستوى النقاش الحاصل ولرفد حركة التضامن الأممي والإنساني بعناصر وأدوات فاعلة مثل الرواية، الشعر، الفلم ،المسرح، الرسم وغير من أشكال الفنون ، لفهم طبيعة الصراع والبحث عن حلول عادلة وصولا لعالم أفضل.