|
عودة النقاش حول «معاهدة دفاع مشترك» بين الإمبراطورية الأمريكية والدولة الصهيونية
نشر بتاريخ: 04/07/2024 ( آخر تحديث: 04/07/2024 الساعة: 08:54 )
أدّت صدمة السابع من أكتوبر إلى إعادة حسابات إسرائيلية في الكثير من المسلمات والمواقف والتوجهات، ليس في الأمور الجارية فحسب، بل في القضايا الاستراتيجية المصيرية أيضا. فبعد أن كانت غالبية النخب السياسية والأمنية تعارض بشدّة «معاهدة دفاع مشترك» مع الولايات المتحدة، خشية أن تحمل معها تقييدات والتزامات تضر بمقتضيات «الأمن القومي الإسرائيلي»، جاء السابع من أكتوبر، وجرف معه هذا التوجّه، مثلما فعل مع غيره من معتقدات ورؤى ومرتكزات، بدت راسخة على مدى عشرات السنين. الاعتبارات الأمريكية على مر عشرات السنين من علاقة الولايات المتحدة بالدولة الصهيونية، طرح ثلاثة من الرؤساء الأمريكيين فكرة «معاهدة الدفاع المشترك». جاء ذلك في سياقات مختلفة، فقد طرحها بيل كلينتون في حينه، لتسهيل قبول «الحل السلمي»، وطمأنه القيادة والشعب في إسرائيل وتبديد المخاوف الأمنية، المرتبطة بما طُرح من انسحابات من الضفة الغربية والجولان. أمّا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد دعا إليها، وكعادته، في تغريدة نشرها في 14 سبتمبر 2019، عشية الانتخابات الإسرائيلية، وجاء فيها: «هاتفت اليوم رئيس الوزراء نتنياهو لبحث إمكانية السير نحو «معاهدة دفاع متبادلة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لترسيخ تحالفنا العظيم». وجاء اقتراح ترامب في سياق الإمعان في دعم اليمين الإسرائيلي، وتلقّفه نتنياهو واستعمله في دعايته الانتخابية، ما أثار معارضة شديدة وضجة كبرى في حينه. الرئيس الأمريكي الثالث، الذي طرح الفكرة، هو جو بايدن، بداية في سياق مسعى اتفاق مع المملكة العربية السعودية، يشمل تطبيعا مع إسرائيل ومعاهدتي دفاع مشترك مع كلا البلدين، كلا على حدة. وطرح الموضوع لاحقا بعد السابع من أكتوبر، خلال زيارة بايدن، وخلال الاتصالات المكثفة الأمريكية الإسرائيلية في معمعان الحرب على غزة وارتداداتها الإقليمية. ليس واضحا مدى استعداد الإدارة الأمريكية للتوصل إلى معاهدة دفاع مشترك مع إسرائيل، عشية الانتخابات الرئاسية. كلا المرشحين، ترامب وبايدن، عبّرا عن دعمها للفكرة، وهي ـ كما يبدو- ليست موضع خلاف بينهما، ما يزيد من احتمالاتها في مرحلة ما. في إسرائيل خفّت كثيرا المعارضة لمعاهدة الدفاع المشترك، بعد أن أدركت النخب الأمنية والسياسية أن الدولة الصهيونية لا تستطيع أن تدافع عن نفسها لوحدها من الناحية العملية، تصرفت الولايات المتحدة بعد السابع من أكتوبر وكأن هناك معاهدة دفاع مشترك، فزوّدت إسرائيل بما يلزمها وأكثر من أسلحة وذخائر ومعدات، وأخذت على عاتقها الدائرة الثانية من الحرب، التي تشمل اليمن وإيران والعراق والمجال البحري. وجرى وضع الأسس لهذا التحرك الأمريكي بعد نقل إسرائيل، عام 2021، من إطار المنطقة العسكرية الأمريكية في أوروبا «يوروكوم»، إلى المنطقة الوسطى «سنتكوم»، التي تشمل معظم الدول العربية، بعد اقتناع القيادة العسكرية الأمريكية، بأنه لم تعد هناك قطيعة بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية، وأن ثمة أساسا «متيناً» للتعاون بينها. وفي الحقيقة فإن التعاون العسكري الإسرائيلي-العربي على أشدّه! كما ثبت في التصدي الأمريكي العربي للهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل الماضي. اعتبارات إسرائيل ما كانت معاهدة دفاع مشترك لتلزم الولايات المتحدة بأكثر مما فعلت إلى الآن. لكن الخشية الإسرائيلية، التي تدفع نحو معاهدة رسمية، تنبع من إدراك قوي من جهة بأن التهديدات على الدولة الصهيونية تزايدت وزنا وجدية، وأضحت خطرا وجوديا ومصيريا داهما، لا تستطيع الدولة الصهيونية صدّه لوحدها، ومن جهة أخرى أن الموقف الأمريكي لم يعد مضمونا على المدى البعيد، خاصة في ضوء المعارضة المتنامية للدعم الأعمى لإسرائيل في صفوف الحزب الديمقراطي. لقد طرحت فكرة «معاهدة دفاع مشترك» أمريكية – اسرائيلية في مطلع الخمسينيات، وتردد بن غوريون بشأنها، في حين ايدها آبا إيبان وموشيه شاريت. وقد ناقشت حكومة بن غوريون مسألة مشاركة قوات إسرائيلية للقتال في الحرب الكورية، واتخذ في النهاية قرار بعدم المشاركة والاكتفاء بإرسال شحنات من عصير البرتقال «الإسرائيلي» (المزدوجين هنا، لأنّه في الحقيقة برتقال يافا الفلسطيني). على مدى عشرات السنين عارضت قيادات الجيش الإسرائيلي «معاهدة دفاع مشترك» مع الولايات المتحدة لسبب رئيسي واحد ولعدة أسباب ثانوية. السبب الأساس للمعارضة هو أن اتفاقية من هذا النوع ستضع قيودا على «حرية» العمل العسكري الإسرائيلي، وتخضعها لتنسيق مسبق مع الولايات المتحدة. ومن الأسباب الأخرى مبدأ بن غوريون القائم على أن «إسرائيل تدافع عن نفسها بنفسها» وليست بحاجة لجنود من الخارج، وكذلك الإبقاء على الضبابية النووية، إضافة إلى عدم استفزاز روسيا والصين زيادة عن اللزوم، وعلاوة عليه الامتناع عن التزام بمشاركة جنود إسرائيليين في الحروب الأمريكية. لقد زادت في الأشهر الأخيرة احتمالية التوقيع على «معاهدة دفاع مشترك» أمريكية ـ إسرائيلية، خاصة أن كلا المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة، أبديا في الماضي دعمهما لها. وفي إسرائيل خفّت كثيرا المعارضة لمثل هذه المعاهدة، بعد أن أدركت النخب الأمنية والسياسية أن الدولة الصهيونية لا تستطيع أن تدافع عن نفسها لوحدها وهي بحاجة لسند أمريكي قوي، وحتى إلى مشاركة فعلية في العمليات القتالية، كما حدث خلال الهجوم الإيراني وفي العدوان الأمريكي على اليمن. |