|
ما لم يُحكّ!
نشر بتاريخ: 10/07/2024 ( آخر تحديث: 10/07/2024 الساعة: 09:40 )
بقلم: د. صبري صيدم
محلل تلو محلل توالوا تباعاً لنقاش نتائج الانتخابات البريطانية والفرنسية، كل على طريقته ونهجه، في تحليل البيانات والمعطيات وفي تمحيص يكاد لا ينتهي بأعداد المرشحين والناخبين ونسب الاقتراع وأسماء الفائزين وأحزابهم وتمثيل تلك الأحزاب وشكل الخريطة السياسية النهائية في البلدين. لكن أمراً ما بقي مستتراً نسبياً وحتى تاريخه، إلى أن خرج إلى الملأ بصورة خافتة وقبل سويعات بسيطة من كتابة هذه الكلمات.
البداية في فلسطين، حيث تتواصل المحرقة الصهيونية المفروضة على قطاع غزة والضفة الغربية، بصورة فاقت كل التوقعات وحدود الإدراك البشري، لتسجل أرقاماً تفوقت على إحصائيات نكبة عام 1948 وتعدتها بشاعة ووحشية وألماً وسادية باتت تقض مضاجع العالم بأسره.
فهزات غزة الارتدادية وصلت إلى الانتخابات المذكورة، ما أدى في بريطانيا إلى وصول خمسة من النواب المستقلين الذين ترشحوا على بطاقة غزة إلى مجلس العموم البريطاني، بفوز مريح جعلهم يتفوقون، من حيث العدد على عدد النواب الذين يمثلون أحزابا تاريخية كحزب الخضر، الذي حصل على 4 مقاعد، وحزب بليد سيمرو الذي يمثل مقاطعة ويلز بواقع 4 مقاعد، إضافة إلى تفوقهم على حزب الإصلاح البريطاني الذي حصل على 4 مقاعد لأول مرة في تاريخه بقيادة المتطرف والمشاغب السياسي نايجل فرّاج، الذي قاد الحراك الشعبي نحو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أما فرنسا فقد أثرت غزة في مفاعيل تكوين الجبهة الشعبية لليسار الفرنسي، التي أنشئت بين عشية وضحاها لصد الزحف الهادر لحزب اليمين المتطرف، إضافة إلى مواجهة يمين الوسط التابع للرئيس ماكرون، وبذلك حصلت الأحزاب الثلاثة تباعاً على النتيجة التالية: الجبهة الشعبية اليسارية: 178 نائبا لتصبح المجموعة الأولى في الجمعية. وتحالف معا الرئاسي على 156 نائبا فقط، ليحل ثانياً بعد أن كان الحزب الأول، وحزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف)، الذي حصل على 142 نائباً ولتأتي في المركز الثالث، ولتتبعهم مجموعة من الأحزاب الأصغر. وفي أوج احتفال الجبهة الشعبية اليسارية بهذا النصر ظهر العلم الفلسطيني مصاحباً للعلم الفرنسي، وبصورة ملحوظة عبر فضائيات العالم بما فيها تلك التي حاولت جاهدة تفادي إبراز العلم.
فوز النواب المسلمين وأولئك المعروفين بدفاعهم عن غزة في بريطانيا، والجبهة الشعبية لليسار في فرنسا، شكّل منصة لبعض الأبواق الإعلامية الرخيصة للادعاء بأن تلك الأرقام إنما تمتلك أبعاداً معادية للسامية، بل ذهب البعض من ساسة الاحتلال كأفيغدور ليبرمان، لدعوة يهود فرنسا للهجرة لإسرائيل بحجة أن فرنسا لم تعد آمنة.
وبذلك فإن أحد أهم نتائج الانتخابات البريطانية والفرنسية، حسب المقاس الصهيوني، إنما تكمن في تشجيع الموجة الثانية من الهجرة الصهيونية الكبرى، التي جرت في نسختها الأولى عام 1948.
هذا التطور الذي لم يُحكَ عنه في الانتخابات المذكورة، إنما يعني أن المستوطنات الاستعمارية الصهيونية وجدت سكانها الجدد في حال سمح العالم باستمرار وتمادي المشروع الاستيطاني المتواصل، بل سيكون وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش قد حقق رؤيته بإنهاء الحق الفلسطيني وقتله عبر مشروعه الاستيطاني السرطاني.
لقد شكل مئات الآلاف من اليهود المتنورين الذين لا يمثلهم نتنياهو ولا سموتريتش ولا بن غفير وعصابتهم، رافداً أساسيا للاحتجاج العالمي الواسع ضد حرب إسرائيل على غزة، منتصرين للإنسانية وقيمها، وهم ذاتهم من سيرفضون أن يكونوا الجسر الذي يحقق نزوات المتطرفين المعادية في تل أبيب، المتطرفون الذين يرون في القوة والحقد والكراهية فرصة سانحة لقتل أحلام الفلسطينيين، لن يقتنعوا بأن الكراهية لن تقابل إلا بالمزيد من الوجع والحروب، فهل يحبط المتنورون نزوات ثلاثي الحقد الصهيوني؟ ننتظر ونرى!
|