|
مواقف كاسطوانات مشروخة!
نشر بتاريخ: 17/07/2024 ( آخر تحديث: 17/07/2024 الساعة: 15:56 )
بقلم: د. صبري صيدم
واضح أن سياق الخطاب الدولي في بعض أركان القرار السياسي المؤثر، بات محصوراً في قوالب جاهزة لمواقف سياسية بائسة، باتت تتكرر لتصبح اسطوانات مشروخة ممجموحة يعتقد أصحابها أنهم أدوا واجبهم في ما قالوه دونما أن يقصدوا أو يفهموا تبعات ما يقولونه. فالدم النازف في فلسطين اليوم ليس رخيصاً ليذهب البعض به نحو تسطيح المواجع والآلام، وكأن من يقتلون ليسوا بشراً وليسوا من الأبرياء، الذين جرفتهم ماكنة القتل.
إن تسخيف المواقف وتكرارها خوفاً وارتجافاً من العم سام، وجوقة الصهاينة الذين يصمون الآذان بما هو بعيد عن الحقائق، إنما يُحّمل أصحاب تلك المواقف المسؤولية الكاملة عن ذلك الدم المهدور بفعل الحقد والكراهية، التي يمارسها نتنياهو، بحكم تكرار هذه المواقف البائسة والمهترئة، فالأطفال والنساء وضياع المال ودمار الحال وما بينهم من تفاصيل يشهدها الفلسطينيون كل يوم، ليست أرقاماً عابرة على مذبح التاريخ، تماماً كما أصحابها الذين هم كغيرهم من البشر الآدميين الأبرياء، ممن اختار لهم الظالمون الموت على حساب الحياة.
شعارات البعض من الساسة الدوليين بخصوص فلسطين، باتت مملة، بل منفصلة تماماً عن الواقع فما يرددونه اليوم، لا يساهم إلا في زيادة حالة التيه القائمة وإشباعاً لنزوات نتنياهو في القتل والدمار. فما معنى الحديث عن الحرص على وقف إطلاق النار، بينما يستمر تدفق السلاح من بعض تلك الدول التي تدعي هذا الحرص؟ وما معنى الرغبة في لجم المستوطنين، بينما يوفر السلاح والمال والغطاء لهؤلاء القتلة؟ وما معنى الحديث عن الحرص على اليوم التالي للحرب حال توقفها، بينما يستمر توفير الغطاء السياسي لها بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟ ما معنى الإقرار بحل الدولتين، بينما يستمر الرفض الضمني لتطبيق هذا الحل، بل الإصرار على قتله عبر ربطه بالمفاوضات؟ وما جدوى الحديث عن إصلاح السلطة الفلسطينية، بينما تغرق حكومة نتنياهو في الفساد وملفات الإجرام المسجلة لدى الجهات العدلية الإسرائيلية؟ ولماذا الإصرار على إضاعة مفهوم اليوم التالي خدمة لمشروع نتنياهو، المصر على ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم سوى الحرص على انتصاره في معركة عض الأصابع؟
وما معنى الحديث عن الرهائن بمعزل عن المجزرة بحق الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم من تم اعتقالهم في الآونة الأخيرة، وما يجري في معتقل سيدي يتمان من فظائع وبشاعة؟ هل يعرف أبطال المواقف المتحنطة أن التعذيب في سجون الاحتلال للأسرى الفلسطينيين قد تفوق على أبشع الجرائم الدولية؟ فيستخدم الاحتلال سلاح التجويع والحرمان من العلاج، والاغتصاب باستخدام الكلاب، وهتك الحرمات عبر معدات الإطفاء، وصولاً إلى التقليعة الجديدة باستحداث أقفاص للأسرى والتفاخر بقتلهم بدم بارد. إن مواقف المتواطئين باتت مكشوفة ومفضوحة ومسمومة، لا لكونها تنتهك حقوق الفلسطينيين فحسب، بل لأنها تساهم في استمرار قتلهم ونحرهم وحرقهم، ولأنها ترفع من هرمون التحريض والكراهية والحقد، وهو ما لن يخدم صديقتهم إسرائيل ولن يوفر لها الأمن والقبول والأمان.
إن كسر قوالب المواقف المتحجرة والانتقال نحو الاعتراف الناجز بدولة فلسطين، ونهي إسرائيل عن غيها، يوفر انقلاباً حقيقياً في مستقبل المنطقة، ويساهم في إعلاء كلمة القانون الدولي وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وفق الشرعية الدولية. فهل الحكمة في حماية إسرائيل تأتي عبر التستر على فظائعها؟ أم في إحقاق الحقوق وتطبيق العدالة الدولية؟
إن مصائر الشعوب في عصر السرعة لا تحكمها قوة الصواريخ، بل صلابة الإرادة الأقوى على صناعة الانتصار، فلَا الشمس يَنبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون.. فهل تستفيق البشرية وتنتصر لقوة المنطق، أم تترك للواهمين السعي لانتصار منطق القوة؟ ننتظر ونرى.
|